الفطر البري... "الهدية الخطرة" للحقول الشتوية في إدلب

الفطر البري... "الهدية الخطرة" للحقول الشتوية في إدلب

08 فبراير 2024
يبيعان الفطر في مخيم بمدينة حارم (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

مع بداية موسم الفطر البري بحلول شتاء العام الحالي في إدلب، تنطلق نساء وأطفال يعيشون في مخيمات لجني أنواعه الصغيرة والكبيرة تمهيداً لبيعه والحصول على أموال تغطي بعض النفقات، وأيضاً لتأمين وجبات غذائية لذيذة في ظل غلاء المواد الغذائية، وصعوبة جلبها يومياً.
وتختلف أنواع الفطر، ومنها الأبيض والزراعي والغزلاني، ويزيد سعرها والإقبال على شرائها عدد العاملين في جمعها، خاصة النساء والأطفال الذين يعتبرونه هدية الحقول الشتوية. لكن العمل في جمع الفطر من السهول والبراري والجبال والأراضي الزراعية يحمل معه مخاطر كثيرة، خصوصاً في ظل انتشار مخلفات الحرب غير المنفجرة والكلاب الضالّة، ونمو فطر سامّ من الضروري تمييزه عن باقي الأنواع.
وقد تعرض الطفل لؤي الكريم، البالغ عشرة أعوام، لهجوم من كلاب ضالّة خلال إحدى رحلاته اليومية للبحث عن الفطر في أراضي زراعية قريبة من مدينة حارم شمال غربي إدلب، ما أصابه بجروح في ساقيه ويديه.
يقول لـ"العربي الجديد": "خرجت للبحث عن فطر لتأمين وجبة طعام لإخوتي وأمي، وبيع ما يزيد عن الحاجة، لكن كلبين هاجماني حين ابتعدت عن المخيم من دون أن أشعر بذلك لمحاولة ايجاد فطر بين حجارة وصخور، ولم أستطع الهروب منهما، ولولا أن تدخل رجل لمساعدتي لكنت الآن في عداد الموتى لأن الكلبين تسببا لي في جروح بليغة".
يضيف: "كنت أجمع نحو 3 كيلوغرامات من الفطر، وأبيع الكيلوغرام الواحد بـ75 ليرة تركية (2.5 دولار)، لكن مخاطر هجمات الكلاب حرمتني من جني الفطر".
وتقول سميرة الجدوع (33 سنة)، النازحة من مدينة معرة النعمان وتقيم في مخيمات قاح شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد": "جمعت من دون أن أنتبه أنواعاً من الفطر السامّ مع أنواع أخرى، وأعددته في وجبة غذائية فتعرضت لتسمّم مع أطفالي، وأسرعنا إلى المستشفى حيث نجح الأطباء في إنقاذ حياتنا الذي ارتبط أيضاً بكون كمية الفطر السامّ قليلة. واستأنفت جني الفطر بعد هذه الحادثة لكن بحذر أكبر هذه المرة إذ بت أستطيع تمييز الأنواع السامّة ذات اللونين الأصفر والأسود غالباً من تلك الصالحة للأكل".
وتتحدث عن أن الظروف المعيشية الصعبة في المخيمات وقلة فرص العمل أجبرتها على البحث عن أي فرصة يمكن أن تستفيد منها لسدّ رمق أطفالها الأربعة، مشيرة إلى أنها تعتبر وجبة الفطر بديلة للحوم التي ارتفعت أسعارها كثيراً.

الصورة
يجمعن الفطر من أرض زراعية قرب مخيمات دير حسان (العربي الجديد)
يجمعن الفطر من أرض زراعية قرب مخيمات دير حسان (العربي الجديد)

وبعد كل عاصفة، تخرج سميرة، في الصباح الباكر وسط الأجواء الباردة، إلى الأحراش والأراضي الزراعية في المنطقة لجمع الفطر البري لمدة نحو خمس ساعات، وتجلب كمية تكفي لتجهيز وجبة غذائية لأطفالها تطهوها مع زيت وبصل.
وإلى مخاطر التعرّض لهجمات كلاب ضالّة واحتمال جمع أنواع سامّة، يواجه جامعو الفطر في إدلب تهديدات مخلفات الحرب غير المنفجرة والاستهداف بالقنص أو القصف، خاصة حين يكونون في مناطق قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام السوري.
ويؤكد الطفل علاء عبد الرحمن (11 سنة) أنه يخاف من مخاطر القصف المتكرر وطائرات الاستطلاع الروسية التي ترصد التحركات في المنطقة، وأيضاً الأجسام الغريبة ومخلفات الحرب غير المنفجرة التي قد يصادفها خلال جمع الفطر في قرية البارة، إحدى قرى جبل الزاوية جنوبي إدلب.
ويخبر "العربي الجديد" أنه يجمع يومياً نحو 5 كيلوغرامات من أنواع الفطر البري التي تساهم الطبيعة الجغرافية لمنطقة جبل الزاوية في نموها في شكل كبير. ويشير إلى أنه يستفيد من قلة الباحثين عن الفطر في الأماكن المصنّفة أنها خطرة من أجل جمع هذه الكميات.
ورغم مخاطر جني الفطر، يتمتع لؤي باللهو واللعب مع أقرانه الأطفال أثناء العمل. ويشير إلى أنه ينبش مع رفاقه الأرض بهدوء أثناء عملية الجمع لمنع تبعثر الفطر الهشّ بطبيعته.
ويميّز الطفل وأقرانه الفطر السامّ من الصالح للأكل، ويحاولون التنبه من أي جسم غريب خوفاً من أن يكون من مخلفات الحرب غير المنفجرة أو ألغام.

وتصف دراسات الفطر بأنه "بروتين الشتاء" الذي لا تقتصر منافعه على مذاقه المميز، إذ يعتبر بديلاً صحياً للحوم كونه يحتوي على البروتينات اللازمة لنمو أنسجة الجسم، كما يساعد في الحماية من فقر الدم. ويعتبر أيضاً من الأغذية قليلة السعرات الحرارية، ومصدراً جيداً للألياف، كما أنه غني بالبوتاسيوم وفيتامين "بي"، ويعزز مناعة الجسم ويقي من الأمراض التنفسية، كما يستطيع محاربة السرطان وتدمير الخلايا غير الطبيعية في الجسم. ورغم صغر حجمه، يلعب الفطر دوراً فعّالاً في الحفاظ على الصحة والتوازن البيئي.

ومع زيادة الأوضاع السيئة في مخيمات إدلب، قال فريق "منسقو استجابة سورية"، في تقرير أصدره أخيراً، إن عدد من يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يزداد في سورية. وقدّر هذا العدد بـ17.3 مليون نسمة، وهو الأعلى منذ عام 2011، بزيادة 1.4 مليون مدني عن العام الماضي. وأشار التقرير أيضاً إلى أن 54 في المائة يواجهون احتياجات بدرجة شديدة، و22 في المائة بدرجة شديدة جداً، و1.3 في المائة بدرجة كارثية.

المساهمون