الطالب المغربي المفرج عنه من أوكرانيا: لم أكن أتوقع العودة

الطالب المغربي المفرج عنه من أوكرانيا: لم أكن أتوقع العودة

25 سبتمبر 2022
انتهت تجربة أسر مريرة استمرت منذ 18 إبريل/نيسان الماضي (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

"لم أكن أتوقع العودة إلى المغرب، الآن عدت وكل شيء على ما يرام".. بهذه الكلمات تحدّث الطالب المغربي المحكوم بالإعدام في شرق أوكرانيا، إبراهيم سعدون، لـ"العربي الجديد"، عن مشاعره في أول أيام معانقته الحرية، وملخصاً حكاية تجربة أسر مريرة استمرت منذ 18 إبريل/نيسان الماضي، تاريخ إعلان السلطات الانفصالية في إقليم دونيتسك اعتقاله، خلال مشاركته في الحرب مع الجيش الأوكراني.

اليوم وبينما يخطو الطالب المغربي ذو الـ21 ربيعاً أولى خطوات تحرره وترميم حياته بين أحضان والديه ودفء وطنه، بعدما اختبر وضعاً صعباً جراء أهوال الحرب ومواجهة الموت في أوكرانيا، حيث شارك في الدفاع عنها في وجه الغزو الروسي، لا يخفي سعدون فرحة تمحو ألماً ومعاناة وتجربة مريرة، بسبب ما علق في نفسه من صور الدمار والحرب، قائلاً: "سعيد بالعودة إلى البيت، بعد أن مررت بأوقات صعبة للغاية، كانت تجربة مريرة، مؤلمة هي صور دمار الحرب، ومؤلم جداً ما حدث، وأن ترى مدينة كانت تعج بالناس والحركة وقد تحولت إلى زومبي".

الصورة
عاد إلى أحضان والديه (فاضل سينا/فرانس برس)

تبدو مهمة استراق بعض الكلمات حول وضعه في الأسر صعبة الآن وهو في حضن أسرته وبلده وبين أهله وأصدقائه، بعد أن انتهى كابوس الأسر ومواجهة مقصلة الإعدام. لكن ذلك لم يمنع سعدون من وصف ما يختلج في قلبه بعد عودته سالماً، بالقول: "لا أملك الكلمات، تغيب عني لوصف ما أشعر به بعد عودتي، لكنها فرحة كبيرة لا توصف، كل شيء أصبح الآن أحسن".

ويستدرك: "لحظة نزول الطائرة في مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء تذكرت أصدقائي وخروجي معهم، المغرب وما يعرفه من حركية، مر شريط حياتي كاملاً أمامي في برهة قصيرة، صورة والدي". يصمت برهة قبل أن يتابع: "حينما رأيت والدتي في المطار كان أمراً مفاجئاً لي لم أتوقعه، حقيقة لا أقدر على التعبير عن إحساسي حينها. حينما كنت في الأسر كنت أخشى عليها من المرض وأن تتأثر لما حدث لي، كنت دائم التفكير في والدي وفي كل من بقي مؤمناً بأني سأخرج من الأسر وسأعيش".

وكان الطالب المغربي قد وصل، ليلة أمس السبت، إلى مطار محمد الخامس في مدينة الدار البيضاء، قادماً من المملكة العربية السعودية التي توسطت لإطلاق سراح 10 أسرى لدى السلطات الانفصالية الموالية لروسيا في إقليم دونيتسك في شرق أوكرانيا.

وعن إحساسه بعد علمه بالوساطة السعودية لإطلاق سراحه بمعية 9 أسرى آخرين، يقول: "هو إحساس لا يمكن وصفه. في البداية لم أصدق الأمر، وحين وصلت إلى السعودية لقيت كرماً وعناية. ممتن للأسرتين الملكيتين المغربية والسعودية لتدخلهما في الإفراج عني، وللشعب المغربي الذي تضامن معي".

وكانت محكمة تابعة للانفصاليين في دونيتسك قد قضت، في 9 يونيو/حزيران الماضي، بإعدام سعدون البالغ من العمر21 عاماً، بتهمة "المشاركة في التحضير لأعمال عدائية وتنفيذها ضدّ جمهورية دونيتسك، والارتزاق والتآمر الجماعي لتنفيذ أعمال تهدف إلى الاستيلاء بالقوة على السلطة، وتغيير النظام الدستوري لمجلس النواب الشعبي بالقوة".

وفي الأول من يوليو/تموز الماضي، قدمت هيئة دفاع الطالب المغربي طلباً لاستئناف الحكم الصادر في حقه بالإعدام. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن دفاع سعدون، المحامية يلينا فيسنينا، قولها إنّهم تقدّموا بطلب استئناف نقض لتخفيف العقوبة بحقّه.

ورغم ما عاناه من وضع صعب جعل حياته مهددة جراء مشاركته في الدفاع عن أوكرانيا، مازال إبراهيم متشبثاً بموقفه من الغزو الروسي، وقال: "أحيي الشعب الأوكراني الذي ما زال يقاوم ويحارب، أتمنى أن توجه الأنظار إلى قضيته لأن الكثيرين لا يعرفون ما يقع هناك". قبل أن يضيف: "حينما تحارب في قضية تؤمن بها لا شيء يمكن أن يردعك".

وكان الطالب المغربي قد لقي، بعد وصوله إلى مطار محمد الخامس قادماً من العاصمة السعودية الرياض، التي مكث فيها أربعة أيام بعد عملية الإفراج عنه، استقبالاً في بيته بالحي الحسني بمدينة الدار البيضاء على الطريقة المغربية بالحليب والتمر والورود من قبل عائلته، لطي مرارة خوف على حياته.

وقبل لحظات من وصوله بدا والده الطاهر سعدون منتشياً فرحاً بعودة عينه إبراهيم الذي أصبح ضمّه إلى صدره وعناقه بين ذراعيه حقيقة لا حلماً بعد أن انتهى الكابوس، مبدياً، خلال حديثه للصحافة، امتنانه لكل المغاربة وللعرب لفرحهم لفرحه.

وفي غمرة فرحه بنجاة ابنه من مقصلة الإعدام وتذوقه طعم الحرية مرة ثانية، بدا لافتاً تفاؤل الوالد الطاهر بمستقبل فلذة كبده، بالقول، في تصريح للصحافة، دقائق قبل دخوله المطار: "إبراهيم مازال شاباً والمستقبل أمامه، سيكون هناك تأهيل نفسي له لأنه عاني هناك في الأسر. إن شاء الله بعد التأهيل النفسي في بلاده سيختار العودة للدراسة التي يحبها وعانى وغامر من أجل تحقيق حلمه".

وكان إبراهيم قد وصل إلى أوكرانيا في عام 2019 من أجل اكتشاف الآفاق التي تتيحها للطلبة الراغبين في إتمام دراستهم العليا بها، قبل أن يلتحق بكلية الأيروديناميكية وتقنيات القضاء بمعهد كييف.

وكانت السلطات الانفصالية الموالية لروسيا في إقليم دونيتسك في شرق أوكرانيا قد أفرجت، الأربعاء الماضي، عن الطالب المغربي إلى جانب 9 معتقلين آخرين كان قد تم أسرهم في مناطق الشرق الأوكراني، في وقت كانت فيه الأنظار تتجه إلى مآل طلب استئناف الحكم الذي كانت قد تقدمت به هيئة الدفاع عنه.

وجاء الإفراج عن الطالب المغربي المحكوم بالإعدام إلى جانب 9 معتقلين آخرين بعد وساطة سعودية قادها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في حين قالت الخارجية السعودية إن الإفراج عنهم يأتي في إطار عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا.