الشيخ الأقطش: شهيد هجوم المستوطنين الذي شارك بإغاثة منكوبي تركيا

الشيخ سامح الأقطش: شهيد هجوم المستوطنين الذي شارك بإغاثة منكوبي زلزال تركيا

07 مارس 2023
كان الشهيد يهوى اقتناء سيارات الدفع الرباعي لإنقاذ العالقين من الفيضانات (عائلة الأقطش)
+ الخط -

لا تزال قرية زعترة الوادعة التي تقع جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية تعيش منذ 9 أيام صدمة كبيرة، بعدما قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي أحد أبنائها، وهو الشاب سامح حمد الله الأقطش (37 عاماً)، والمعروف بين أبناء قريته والبلدات والقرى المجاورة بـ"الشيخ سامح"، نظراً لالتزامه الديني وانتمائه لجماعة "رجال الدعوة"، منذ صغره.

هكذا استشهد الأقطش

قرية زعترة، التي تضم نحو عشرة منازل فقط، وجميعهم من عائلة الأقطش يعود أصولهم لبلدة بيتا المجاورة، تعرضت لهجوم شنه عشرات المستوطنين عليها مساء السادس والعشرين من الشهر الماضي، بالتزامن مع الاعتداء الكبير الذي نفذه مئات المستوطنين على بلدات وقرى جنوب نابلس وخاصة بلدة "حوارة"، رداً على مقتل مستوطنين اثنين عصر اليوم ذاته، برصاص أحد المقاومين على الشارع الرئيسي لحوارة.

الصورة
الشهيد الفلسطيني سامح الأقطش.. الشيخ الشهم (عائلة الأقطش)
مزقت رصاصة الاحتلال أحشاء الشهيد سامح الأقطش (عائلة الأقطش)

يقول شقيقه الأكبر واصل الأقطش لـ"العربي الجديد": "تصدينا نحو الساعة التاسعة ليلاً لمجموعة صغيرة من المستوطنين حاولت اقتحام القرية، فانسحبوا من المكان، لكننا فوجئنا بأنهم عادوا بأعداد أكبر بكثير، وبعضهم كان مسلحاً، وترافقهم قوة من جيش الاحتلال وحارس مستوطنة (تفوح) القريبة المقامة على أراضي المواطنين، فتقدم أخي الشهيد ودار بينه وبين حارس المستوطنة جدال".

ويتابع شقيق الشهيد: "طالبهم أخي سامح بالانسحاب والتراجع، وإن أصروا فشبان القرية رغم عددهم القليل جاهزون للدفاع عنها، وما كاد يعود أخي للوراء قليلاً، حتى سمعنا صوت عدة طلقات نارية، فانبطحنا أرضاً، وإذ بالشهيد يركض نحونا ويضع يده على خاصرته، فأدركنا أنه أصيب، فحمله الشبان إلى الداخل، وهو يردد الشهادتين".

يقول ابن عمه المسعف يزن أقطش لـ"العربي الجديد": "كان الشهيد يرتدي العباءة البيضاء دوماً، فلم تظهر أي بقعة للدماء عليها، فكشفت عن بطنه، فرأيت مدخل الرصاصة التي مزقت أحشائه، ولم أجد مخرجاً لها، وتعمدت أن أحادثه خلال عملية نقله حتى لا يغيب عن الوعي".

ونظراً لوجود المستوطنين على مدخل قرية زعترة بحماية جيش الاحتلال الذي أغرق المنطقة بقنابل الغاز السام، لم تستطع سيارات الإسعاف الفلسطينية من الوصول، فاضطر الشبان لنقل المصاب بسيارة دفع رباعي عبر طريق ترابي جبلي غير معبد إلى بلدة بيتا.

الصورة
قبر الشهيد الفلسطيني سامح الأقطش.. الشيخ الشهم (عائلة الأقطش)
قبر الشهيد الفلسطيني سامح الأقطش (عائلة الأقطش)

ويوضح المسعف يزن: "بدأت معالم الشهيد تختلف، وضاق صدره، لكنه حقيقة لم يتوقف ثانية عن ذكر الله والتسبيح، وبعد نحو عشرين دقيقة فقد الوعي كلياً، ولم يعد يستجب للحديث معي، حتى وصلنا إلى المركز الطبي في بيتا، ولم تمر دقائق حتى أعلن الأطباء استشهاده".

ويرجح أبناء زعترة أن حارس المستوطنة هو من أطلق على الشهيد سامح النار، وتعمد إصابته في مقتل، ورغم وجود مصاب إلا أن جيش الاحتلال أغلق الطريق وظل يحمي المستوطنين، ويطلق الغاز المسيل للدموع تجاه الفلسطينيين، ما أدى لاختناق العديد من أبناء القرية.

ويصف يزن الشهيد بأنه "محبوب من الجميع، وقريب للقلوب، فهو من الجيل الثالث في القرية، التي سكنها جده قبل نحو ثمانين عاماً، إضافة لكون ورشة الحدادة وصناعة المدافئ التي يملكها تقع على مدخل القرية، فبالتالي هو يشاهد الجميع تقريباً، ويسلم عليهم ويستقبل الضيوف، وهو ما جعل علاقاته متينة بنا جميعاً".

وللشهيد خمسة من الأبناء، ولدان وثلاث بنات، حيث يجد ابنه الأكبر يوسف صعوبة في وصف مشاعره، ويقول لـ"العربي الجديد": "بابا كان يحب فعل الخير ومساعدة الناس المقطوعين. الله يرحمه".

ديوان للعالقين

ويكمل عنه شقيق الشهيد قائلاً: "نحن قريبون جداً من حاجز زعترة الذي يفصل نابلس عن رام الله، وكثيراً ما يتم إغلاقه من جنود الاحتلال، فعمل أخي رحمه الله على إقامة (ديوان) لاستضافة العالقين وتأمين المبيت والطعام والشراب لهم؛ وكان في كثير من الأحيان ينزل بنفسه ويدعوهم إلى القدوم للديوان إلى حين فتح الحاجز".

وكان الشهيد يهوى اقتناء سيارات الدفع الرباعي، وكان يستخدمها في إنقاذ العالقين من الفيضانات أو الثلوج في فصل الشتاء، أو المتواجدين في المناطق الجبلية والصخرية.

إغاثة منكوبي زلزال تركيا

وعن سفره إلى تركيا لمساعدة ضحايا الزلزال هناك، يقول شقيقه: "هو دائم السفر مع رجال الدعوة إلى كثير من دول العالم، لنشر الإسلام ومساعدة المناطق المنكوبة، وما ساعده أكثر أن شقيقنا ياسر يسكن مدينة بورصة التركية منذ سنوات طويلة، فتواصل معه سامح وجمع مبلغاً مالياً وقدمه كمساعدات عينية للمتضررين في المناطق التي أصابها الزلزال، وقد عاد من السفر قبل خمسة أيام فقط من استشهاده".

وفور عودته إلى قرية زعترة، بدأ سامح العمل مع "بلدية بيتا" لشراء معدات ورافعات وأجهزة استشعار حراري لاستخدامها حال وقوع زلزال في فلسطين، كما يؤكد أبناء عائلته.

وصية الشهيد الأقطش

وقبل مواراته الثرى، تُليت على مسامع المُشيّعين وصيته التي جاء فيها: "أوصيكم من بعدي بتقوى المولى والخروج في سبيل المولى، لأنّ الخروج نور في هذا الزمان المظلم". وأوصى: "كفنوني بثياب الإحرام لعل المولى عزّ وجل يغفر لي، وألا يدخل مغسلتي إلا رجلان من أهل الدين، وأن تجلسوا عند قبري نصف ساعة، وأرجو أن أكون قد فارقت الدنيا وليس لأحد عندي حق، وأرجو من أحد إخواني أن يتكفل بديني قبل دفني".

المساهمون