تُرهق تقاليد الأعراس في الجزائر العائلات والجيوب، وتعتبر من أسباب عزوف شبان كثيرين عن الزواج. وبين الخطوات التي تسبِق الأعراس حفلة يوم "الشُّوفة" (التقدم)، وهو أول يوم تقترب فيه عائلة الخاطب من عائلة الفتاة، ويطلق عليه أيضاً اسم "حطّ اليد" الذي يشير إلى إعلان نية الزواج، وتليها حفلة "قراءة الفاتحة وتقديم المهر"، وقبول أهل الفتاة طلب أهل الشاب، ثم حفلة "الخاتم" أو "العطية والحنّة" التي تشهد احتفالات كبيرة ذات تكلفة عالية جداً.
تقول نورة معافة (53 سنة)، وهي أستاذة متقاعدة للغة الإنكليزية، لـ"العربي الجديد": "ليس الأمر سهلاً على البعض، خصوصاً في إطار تنظيم حفلات باذخة تستضيفها قاعات أفراح، وتكلّف الملايين. أصبح عدد من العادات والطقوس وبعض الشروط التي تضعها العائلات حتى إتمام العقد بين الطرفين والزواج مجهدة، وتؤدي إلى تراجع كثيرين عن الزواج". تضيف: "تجعل أمور كثيرة إجراء الزواج وتنفيذ متطلباته معضلة متعبة للشبان وعائلاتهم، خصوصاً في ظل الظروف السائدة حالياً التي زادت التعقيدات. وهذا الوضع دفع بعض الأسر إلى التوافق على تقليص بعض العادات المكلفة وغير الضرورية، إضافة إلى تحديد سقف للمهر وتعويضه من خلال تقديم هدايا للفتاة، والتعاون بين العريس والعروس في إجراء حفلة واحدة في يوم واحد".
وفي بعض المناطق، ما زال المهر "معضلة كبيرة"، خصوصاً في ولايات عنابة وقسنطينة (شرق) وتلمسان (غرب) حيث يتجاوز 400 ألف دينار (2500 دولار)، ويضاف إليه استحقاقات شراء الذهب والملابس ولوازم وهدايا متنوعة للعروس.
عبء أكثر من فرحة
يقول الإعلامي في إذاعة "ميلة" المحلية، عصام بو الشمع، لـ"العربي الجديد": "يتجادل الشبان في شرق الجزائر غالباً بشأن المهر وتكاليف العرس التي يستطيع عدد قليل منهم التغلب على عقباتها الكبيرة مقارنة بالظروف الاجتماعية السائدة".
يضيف: "يتمثل التحدي الكبير الذي يواجهه الشباب في إلغاء بعض الطقوس التي اعتادها المجتمع في فترة ما قبل الخطوبة وما قبل الزواج، مثل حفلة الخطبة والحنّة أو العطية، وأيضاً هدايا الأعياد والمواسم الدينية. وترهق هذه التكاليف الزائدة العائلات قبل أولئك الذين يتقدمون للزواج، ما يتطلب تقليص الطقوس لتخفيف وطأة التفكير في حفلة الزواج، خصوصاً أن الهدايا التي تضاف إلى المهر كثيرة، وبينها الألبسة والعطور والذهب، التي تجعل الزواج عبئاً أكثر من كونه فرحة لالتئام عائلتين وطرفين".
مشروع مؤجل
ويقول نور الدين بوروبي (32 عاماً) الذي يعمل في مجال البناء، ويتحدر من ولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد": "كنت أخطط للزواج قبل أن أبلغ سنّ الثلاثين، لكنني اضطررت إلى تأخير هذا المشروع لأنني لم أكن جاهزاً على الصعيد المادي. غلاء المهر ومتطلبات العرس وبعض العادات الجديدة التي باتت تطلبها عائلات العروس جعلتني أؤجل المشروع، والأمر لا ينطبق عليّ فقط، بل على عموم الشباب. أصبح الزواج وإقامة عرس أمران مكلفان وصعبان يحتاجان إلى استعدادات كبيرة في ظل غلاء الأسعار، ويُضاف إلى ذلك الرغبة الملحة في الاستقلال عن بيت العائلة الكبيرة، ما يتطلب تكاليف أخرى لاستئجار شقة".
تمرد
وما يزيد تكلفة الزواج تمرد الجيل الجديد، واستبدال الموروثات الاجتماعية البسيطة التي تنظم الزواج بمكتسبات ومظاهر دخيلة تفاقم التكلفة، مثل إقامة حفلات وأفراح في قاعات مستأجرة، وجلب فرق فنية وغيرها، وتنظيم مراسم وحفلات باذخة وطقوس لا علاقة لها بالنسيج الاجتماعي، ما جعل الزواج عبئاً ثقيلاً يهدد منظومة العائلات.
وفعلياً، يحاول بعض الشبان التمرد، وتجاوز المظاهر الدخيلة، وأحدهم سهيلة تلمساني، الطالبة في كلية الطب (29 عاماً) التي تؤكد لـ"العربي الجديد" أنها قررت إلغاء كل ما ليس ضرورياً في مشروع زواجها، وتقول: "اتفقت مع خطيبي على كسر العادات الجديدة والتقاليد التي لا ضرورة لها، والاكتفاء بالمهر فقط وبما يُسمى عشاء الحلال الذي يقام في بيت العائلة، من أجل تقليص تكاليف الاحتفال الذي بات اليوم يقام في قاعات حفلات مكلفة جداً".
عرف "سيدي معمّر"
ويعتبر كثيرون أنه يجب التخلي بالكامل عن حزمة عادات ترافق الزواج والعرس في بعض المناطق، والاكتفاء بتنفيذ ما يتيسر من مظاهر الاحتفال والفرح بهدف رفع الحرج الكبير الذي يواجهه الشبان وأفراد العائلات، أو العودة الى بعض مظاهر التراث الشعبي التي تجعل المهر ركناً دينياً من أركان الزواج، ومسألة رمزية على مستوى القيمة من أجل تشجيع الشبان على الزواج، وخفض نسبة العنوسة.
وتشتهر مدينة "شرشال" التي تبعد 120 كيلومتراً من غرب العاصمة الجزائرية بعرف شعبي يعتبر بمثابة قانون اجتماعي قديم في الزواج يسمى "سيدي معمّر"، نسبةً إلى الولي الصالح سيدي معمّر، ويشمل تحديد مهر رمزي للعرس مقداره ربع دينار.
ويتداول هذا العرف في قرى عدة بمنطقة شرشال وتيبازة لتسهيل الزواج والسماح للشباب بإنجاز نصف الدين وعدم إثقال كاهلهم.
وبحسب الروايات المتناقلة في المنطقة لتكريس مظاهر الابتعاد عن المغالاة في المهور والترف في الأعراس، أقسم الولي الصالح سيدي معمّر بأن بناته وذريته لن يتجاوز مهرهم ربع دينار. ومنذ ذلك الوقت سار الأمر على هذا النحو، وبات يوسم باسمه ونهجه، ومن يخالف ذلك فستصيبه اللعنة.
"الهنا يسبِق الغنى"
يعتبر مبلغ ربع دينار الرمزي المحدد للمهر حتى اليوم أحد تقاليد عائلات مدينة شرشال (غرب) حيث يتقدم شاب لخطبة الفتاة، ويقدم قطعة نقدية بربع دينار، إضافة إلى قنطار من السميد وكبش لتحضير عشاء الزواج. ويسبق ذلك تقديم مأكولات للفقراء لجلب البركة إلى الزواج.
ويسري هذا الرمز الذي يساعد في خفض تكلفة الزواج في شكل جليّ أيضاً في بعض المناطق الأمازيغية، إذ أثّرت خصائص لعائلات ترتبط بالطبيعة الفلاحية للمجتمع في مناطق تيزي وزو وبجاية (وسط) في تحديد شكل الزواج السائد والقائم على التكافل الاجتماعي في الأساس، إذ يعرض الشاب ألف دينار، أي أقل من 10 دولارات، مهراً للعروس.
ويتحدث الشاب خالد آيت عثمان من منطقة بوغني بولاية تيزي أوزو عن رمزية الطقوس الأمازيغية التي تجعل تسهيل الزواج فرصة لكثيرين من أجل إتمام العقد، وعادة متوارثة تنتشر بعنوان: "الهنا يسبِق الغنى".