الدفاع المدني بغزة... وجع العثور على جثامين الأهل خلال الإنقاذ

الدفاع المدني بغزة... وجع العثور على جثامين الأهل خلال الإنقاذ

09 ابريل 2024
محاولة انتشال أحياء من تحت الأنقاض (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عناصر الدفاع المدني في غزة يواجهون خطر الموت والصدمات النفسية بشكل يومي، مستخدمين أدوات مهترئة في مهام إنقاذ تستغرق وقتًا طويلاً، وأحيانًا يجدون أقاربهم بين الضحايا.
- قصص مثل سالم أبو عودة ونصر عبدو تبرز التحديات الشخصية والمهنية لعناصر الدفاع المدني، الذين يستمرون في مهامهم رغم الخسائر الشخصية، مدفوعين بإصرار على إنقاذ الأرواح.
- الإحصائيات تشير إلى استشهاد 484 من الطواقم الطبية و66 من عناصر الدفاع المدني، 40 منهم أثناء الواجب. الحصار على مجمع الشفاء الطبي يبرز التحديات القاسية التي يواجهونها، مع استمرارهم في العمل الإنساني تحت ظروف صعبة.

فضلاً عن خطر الموت الذي يلاحق عناصر الدفاع المدني في قطاع غزة كلّ لحظة خلال مهامهم، فإنهم أيضاً عرضة لصدمات خلال عمليات الإنقاذ، ولا سيما مصادفة أهلهم وأقاربهم جثامين تحت الأنقاض.

في شمال قطاع غزة، تعمل طواقم الدفاع المدني بأدوات مهترئة أو متضررة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر. واقعٌ يجعل عملها يستغرق وقتاً طويلاً وقد يستمر أياماً، من دون أن تتمكن بالضرورة من إتمام عمليات الإنقاذ وانتشال جميع من هم تحت الأنقاض. وفي بعض الأحيان، تتبع الطواقم القصف وتتوجه إلى المكان جرياً على الأقدام إذ لا يكون استخدام الآليات ممكناً.  
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تلقى عدد كبير من عناصر الدفاع المدني صدمات خلال مهام الإنقاذ في مختلف المناطق بوجود ذويهم من بين الشهداء والمصابين، فيما وجد آخرون أن أهلهم أصبحوا من النازحين. سالم أبو عودة كان يبحث بين أنقاض المنزل ليجد جثمان شقيقه بين الشهداء. أبو عودة هو أحد عناصر الدفاع المدني المتبقين في المنطقة الشمالية المحاصرة، وتحديداً في مدينة غزة، وتتوزع مهام عمله ما بين محافظة مدينة غزة وشمال القطاع. تعرّض لإصابة في الشهر الأول من العدوان، لكنه سرعان ما تعافى والتحق بطواقم الدفاع المدني التي كانت بحاجة للكوادر البشرية والمتطوعين بهدف إنقاذ الغزيين والعمل في حالة الطوارئ الأصعب في التاريخ. 
واجه أبو عودة صدمات كثيرة أثناء العدوان. كان يعمل على إنقاذ جيرانه على مقربة من منزل والده في مخيم الشاطئ، فضلاً عن حي النصر حيث يقيم في الوقت الحالي، وأخرج جثامين عدد من أقاربه الموزعين في مناطق عدة من مدينة غزة. لكن عندما أخرج جثمان شقيقه أحمد أبو عودة (43 عاماً) انهار، خصوصاً أنه حين رأى الجثة للمرة الأولى، لم يكن متأكداً أنها تعود لشقيقه. لكن بعد التدقيق، تأكد أنه هو. 
يقول أبو عودة لـ "العربي الجديد": "لم أعرف مكان شقيقي على مدار شهر. كلّ ثلاثة أيام، كنت أبعث له رسائل للاطمئنان على أبنائه الأربعة. كُلّفت مع آخرين بمهمة في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، وتوجهنا إلى حي الجلاء في مدينة غزة، وتحديداً إلى مبنى يضم نازحين. رأينا أطفالاً شهداء، وكان علينا إزالة السقف المنهار لإخراج المدنيين، فوجدت شقيقي وكنت في حالة صدمة كبيرة. كان في منزل أصدقائه فيما زوجته وأطفاله في منزل قريب".

يضيف: "أنا واحد من كثيرين من طواقمنا الذين فقدوا ذويهم أو رأوا جثامينهم خلال العمل. لا نتوقف عن العمل ولم نحصل على يوم إجازة واحد منذ بدء العدوان. كما استشهد زملاء لنا في مواقع العمل إذ نتعرض لانتهاكات كبيرة ومستمرة. في بعض المناطق التي نصل إليها، يتعمد الاحتلال الإسرائيلي استهدافنا علماً أننا نرتدي زي الدفاع المدني. وبالتالي، يمكن أن نكون في عداد الشهداء في أيّ لحظة".
ويشير أبو عودة إلى أنه أصبح مسؤولاً عن رعاية أطفال شقيقه الأربعة، وقد تمكن من نقلهم مع والدتهم بالإضافة إلى زوجته وشقيقها إلى جنوب القطاع، ويحاول الاتصال يومياً بزوجته للاطمئنان عليهم. ويشير إلى أنه على استعداد لتقديم الرعاية الكاملة للأطفال عندما ينتهي العدوان ويعودون إلى الديار أو يسكنون في خيمة أو كرفان أو غير ذلك.
من جهته، ودّع نصر عبدو (34 عاماً) طفله وزوجته عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلين في مخيم النصيرات. كلّف بالتوجه إلى المكان برفقة آخرين كانوا يتواجدون في نقطة قريبة من الشارع العام لمخيم النصيرات. حين توجه إلى هناك، صُدِم بوجود زوجته نسرين وطفله حمزة (6 سنوات) من بين الشهداء، وذلك في 23 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.

الصورة
غزة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
استشهد 66 من عناصر الدفاع المدني خلال العدوان (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

عبدو هو واحد من بين كثيرين من طواقم الدفاع المدني الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم أثناء عملهم، كزوجاتهم وأبنائهم وأشقائهم. ويشير إلى أن زملاءه قدموا له التعازي وساندوه بعد خسارته، ثم جاء دوره لمواساتهم إذ واجهوا مصاباً مماثلاً. يذكر أن نجله كان ينتظره حتى يحضر له الحليب قبل استشهاده. أما زوجته، فكانت قد أعدت الطعام، وأرادت أن يتناولا العشاء معاً بعدما ينتهي من العمل من دون أن يكون قد تناول شيئاً. 
ويتابع حديثه لـ "العربي الجديد": "أعيش حياة بسيطة في منزل صغير مكون من غرفة واحدة على السطح. كانت زوجتي تنتظر عودتي لأستريح. لكن الاحتلال الإسرائيلي قتلها، علماً أنه يعرف الأشخاص المتواجدين في المنزل، وقتل جيراننا وهم أبرياء، وكان اثنان منهم من الأشخاص ذوي الإعاقة. نظرت إلى طفلي الذي كان ينتظرني وأنا في حالة صدمة وعثرت على ما أعدته لي زوجتي، وهو طعامي المفضل". يتابع: "نواجه خلال عملنا انتهاكات متواصلة. وحين يستريح أي عنصر من الدفاع المدني، يفتح هاتفه ويردد: الله يسترنا. نعرف أننا قد نتلقى أخباراً سيئة في أية لحظة. أنا واحد من فريق يغطي وسط القطاع. خسرت أسرتي واثنين من زملائي. جميع طواقم الدفاع المدني تقريباً فقدوا أقرباء لهم من الدرجة الأولى، لكن العمل الإنساني المطلوب منهم يدفعهم للعودة إلى الميدان. عدت إلى العمل بعد يوم من فقداني أعز ما أملك في هذه الحياة، لأنني أريد إنقاذ الأرواح". 

غزة (مجدي فتحي/ Getty)
انتشال طفل حي (مجدي فتحي/ Getty)

بدوره، يقول عبد الله أبو صلاح، وهو أحد عناصر الدفاع المدني أيضاً، إنه حين دمر الاحتلال الإسرائيلي المعدات في مجمع الشفاء الطبي، لم يتمكنوا من إجراء حالات إنقاذ سريعة للغزيين في تلك الأوقات، معرباً عن خشيته من عودة الاحتلال إلى مدينة غزة وتنفيذ عمليات إبادة مثل عملية مجمع الشفاء الطبي، هو الذي عثر على شقيقه شهيداً خلال إنقاذه أرواح المدنيين وإخراجهم من تحت الأنقاض.
يقول أبو صلاح لـ "العربي الجديد": "عندما فتحت هاتفي وعدت من العمل، وجدت الكثير من رسائل التعزية وذهبت إلى أسرتي التي كانت تجلس في المدرسة، وعلى مقربة منها جثمان شقيقي بهاء (19 عاماً)، وذلك في 23 من شهر مارس/ آذار الماضي. كان طالباً جامعياً يحلم في مستقبل أفضل. شعرت أنني في كابوس. نحن مطالبون بإنقاذ الأرواح وأن نجعل من قلوبنا أحجاراً حتى لا نحزن جراء كثرة الصدمات".
على مدار ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استشهد 484 شخصاً من الطواقم الطبية، و66 من الدفاع المدني، 40 منهم استشهدوا أثناء تأديتهم عملهم وقد تم استهدافهم مباشرة ومرات عدة من قبل طائرات الاحتلال والمسيرات التي يطلقها في مناطق يحاول تقييد الحركة فيها لمنع وصول الطواقم لإنقاذ المصابين، بحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي.

وأكثر عمليات الدفاع المدني صعوبة كانت أثناء حصار مجمع الشفاء الطبي ومحيطه. كانت طواقم الدفاع المدني موجودة فيه. أما ذووهم، فكانوا على مقربة منهم في المنطقة. يقول المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، إنه  يتواجد في مدينة غزة على رأس طواقم الدفاع المدني التي تعرضت جميع مقراتها في المنطقة المحاصرة للقصف المباشرة، ويشدد على أن كافة نداءات الاستغاثة التي وصلت إليهم خلال حصار مجمع الشفاء الطبي ومحيطه على مدار أسبوعين تبين أن غالبيتهم فارق الحياة، وحتى أهل وأقارب طواقم الدفاع المدني.
ويضيف بصل لـ "العربي الجديد": "تلقينا عشرات الاتصالات خلال فترة حصار مجمع الشفاء الطبي ومحيطه من أجل الإغاثة العاجلة. وكان هناك الكثير من المحاولات للتواصل مع الصليب الأحمر الدولي، الذي كان يرد للأسف بأننا في منطقة قتال. وعندما انسحب الجيش، كنا قد فقدنا عدداً من طواقمنا وأسرهم. وبعد البحث والتدقيق، عرفنا بارتقاء ما يزيد عن 120 شهيداً، وتستمر محاولات إخراج البعض من تحت الأنقاض، منهم أقارب وأهل طواقمنا وآخرون". يتابع: "شخصياً، فقدت عدداً من أقاربي أثناء العمل، ولم أعلم بذلك إلا بعد ساعات وأيام. نعمل ساعات أطول بسبب قلة المعدات. لا يزال بعض من ذوي طواقمنا تحت الأنقاض، وقد فقد كثيرون زوجاتهم وآباءهم وأمهاتهم، فيما وجد آخرون ذويهم جثامين متحللة، وهناك ثمانية آلاف مفقود تحت الأنقاض في غزة".

المساهمون