التوجيهي في الأردن... تعديلات جديدة وشكوك في النتائج

26 مايو 2023
تظل التعديلات على امتحانات التوجيهي شكلية في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتسبب الاقتراحات والتوجهات المتكررة التي تعلنها وزارة التربية والتعليم في الأردن بحالة إرباك في التعامل مع امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، التي تطرأ عليها منذ أكثر من عشر سنوات تعديلات شكلية، فيما يبقى الجوهر على حاله، وتستمر معاناة آلاف التلاميذ وأسرهم من قلق التوجيهي. ومؤخراً، كشف وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الدكتور عزمي محافظة، خلال لقائه لجنة التربية والتعليم في مجلس الأعيان، أن امتحانات الثانوية العامة ستجرى على سنتين، حيث يتقدم التلاميذ للامتحانات في السنة الأولى بعد إكمال دراسة مواد الصف الحادي عشر بمباحث (مواد) الثقافة العامة المشتركة، وذلك بدءاً من العام الدراسي 2024 - 2025، ثم يتقدمون لامتحانات السنة الثانية بعد إكمالهم المباحث التخصصية للصف الثاني عشر، وذلك بدءاً من العام الدراسي 2025 – 2026. وتُمنح شهادة مدرسية بعد النجاح في المباحث المقررة، وشهادة امتحان الدراسة الثانوية العامة بعد النجاح في امتحانات السنتين.

وأوضح أن المباحث الدراسية في الخطة المطوّرة للصفين الحادي عشر والثاني عشر تشمل الثقافة العامة المشتركة والتخصصية التي يختارها التلاميذ بحسب ميولهم، بما يتناسب مع التخصصات الجامعية التي يرغبون في دراستها. وأشار إلى أن المواد التخصصية تتضمن اللغة الإنكليزية والفيزياء والرياضيات لتخصص الهندسة، موضحاً أن بين التخصصات الأخرى المرصودة في الخطة إدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والضيافة والتجميل.
وأشار في تصريحات صحافية إلى أن الامتحان الجديد سيكون بواسطة الحاسوب بدلاً عن أسلوب امتحان التوجيهي الحالي  وسيختار الطالب موعد تقديمه في الوقت المناسب له، وبمجرد نجاح الطالب في الصف الحادي عشر يصبح متاحاً له الامتحان المحوسب وذلك بعد تأسيس بنك أسئلة، وتكون هناك مواعيد معلنة لامتحان كل المواد، ولا يتقدم جميع الطلبة للامتحان في فترة واحدة.
في السياق، يرى خبراء تربويون أن "رؤية وزارة التربية والتعليم في إعادة النظر في امتحان الثانوية العامة تفتقر أحياناً كثيرة إلى خطة شاملة". وتقول الدكتورة خولة القدومي لـ"العربي الجديد" إن "ما يؤخذ على الحكومات أنها بعيدة عن الابتكار والإبداع لأسباب عدة، أهمها اتخاذ القرارات بطريقة فردية تتفق مع وجهات النظر الشخصية للوزير المعني أو من هم حوله، ولا تتعداها إلى أفكار أكثر شمولية لمواكبة التطورات العالمية في التعليم وأهدافه". وتوضح أن "الابتعاد عن الابتكار يرتبط باتخاذ قرارات سريعة، واستبعاد مراجعة الدراسات والبحوث السابقة من أجل الإفادة من نتائجها وتوظيفها بأكبر قدر ممكن، علماً أن هذه الدراسات والبحوث منشورة في مجلات علمية موثوقة وليست مستنسخة، وتراعي واقع التعليم في البلاد".
وحول رؤية وزارة التربية والتعليم وتوجهها إلى جعل امتحانات التوجيهي على مدار سنتين بدلاً من عام واحد، تقول القدومي: "سنة أو سنتان، فصل أو فصلان، هذه مقترحات وتوجهات متكررة أصبحت لعبة وزارة التربية والتعليم في كل عام، أو ربما أكثر قليلاً، أما إصلاح التعليم فيحتم الاهتمام بمدخلات التعليم في المدرسة، وليس بشكل الامتحانات فقط، وذلك بدءاً من صفوف رياض الأطفال وحتى انتهاء الجامعات، فالعملية التعليمية مستمرة ومتطورة، ويجب ألا تتوقف". تضيف: "يجب إصلاح التعليم وتطويره من خلال تعاون جميع المؤسسات في الوطن والمجتمع، وتضمين برامج الإصلاح في خطط التنمية بجميع أشكالها ومستوياتها ومحتواها، بما يضمن النهوض بالمجتمع والسير نحو الأمام، ومعالجة مشاكل البطالة وتراجع مستويات الأداء، والوقوع في فخ الفساد الذي لا يُخفى على أحد انتشاره، وخضوعه لنزعتي الأنا والأنانية، ما يُعيق العمل الجماعي وروح الفريق". وتشدد القدومي على أهمية أن "تكون القرارات المتعلقة بامتحانات التوجيهي حكيمة ومدروسة، فالثانوية العامة نتاج طبيعي لسنوات الدراسة الطويلة التي تمتد أكثر من 13 سنة، ويعوّل عليها التلاميذ وأسرهم. وكي نكون موضوعيين، يجب أن نقيّم خطوة جعل الثانوية العامة لمدة سنتين بدلاً من سنة واحدة، من خلال إجراء دراسات ميدانية للأبعاد تشمل عينات من التلاميذ والمعلمين وأولياء الأمور، وطبعا المجتمع المحلي، وعرض نتائج الدراسات في مؤتمرات وندوات تناقش النتائج المرصودة، وتأخذ العبر".

الصورة
يُطالب خبراء بالاهتمام بمدخلات التعليم في المدرسة بدءاً حتى من رياض الأطفال  (Getty)
يُطالب خبراء بالاهتمام بمدخلات التعليم في المدرسة بدءاً من رياض الأطفال (Getty)

وترى القدومي أن "وزارة التربية والتعليم تحاول إعادة النظر بآلية الامتحان، وهذا أمر جيد، لكنه يحتاج إلى وقت وإلى تحديد الوزارة خطة التنفيذ، وليس الاكتفاء فقط بالحديث والعمل بوتيرة سريعة لتغيير الامتحانات، فالإعلانات الكثيرة والبهرجة تؤثر سلباً في التلاميذ والأهل". وتعتبر أيضاً أن "التغيير أمر جيد ومطلوب، ففي عام 2023، يجب ألا تبقى الاختبارات كما كانت عام 1970، ويجب أن يحصل التغيير تدريجاً ومن الميدان التربوي نفسه من أجل ضمان أكبر قدر من الموضوعية، فالاستعجال قد لا يجلب بالضرورة نتائج جيدة في التربية والتعليم التي لا تمكن معالجة مشاكلها بعملية جراحية طارئة، بل بدراسات متأنية تستند إلى العلم والمعرفة، وتحديد هدف تحقيق نتائج أكثر جدوى".
بدوره، يتحدث منسق حملة "ذبحتونا" الوطنية من أجل حقوق الطلاب فاخر دعاس، لـ"العربي الجديد"، عن أن قرار إجراء امتحانات الثانوية العامة على سنتين مستعجل، ويرتبط بتطبيق توجهات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي حددت عام 2025 موعداً نهائياً لتنفيذ توجهاتها". يضيف: "كان يفترض أن تؤسس وزارة التربية والتعليم لأية إصلاحات جذرية في ملف الثانوية العامة، فامتحانات التوجيهي هي المخرج ومحصلة العملية التعليمية كلها، لذا يجب أن يبدأ أي إصلاح للتوجيهي بمرحلة رياض الأطفال، ثم الصفوف الأساسية وصولاً إلى الصفوف الثانوية، لكن الوزارة اختارت الطريق الأسهل بدلاً من العمل لإنهاض العملية التعليمية على صعيد البنية التحتية والخدمات اللوجستية، وتدريب وتطوير المعلمين، ووقف العمل بنظام الفترتين وأمور أساسية أخرى".

ويعتبر دعاس أن "مشروع تطوير التوجيهي جيد حتى إذا استنسخ برامج دولية، لكن إشكاليته تتمثل في الحاجة إلى خطوات مسبقة لتطوير العملية التعليمية كلها، وتدريب المعلمين، ومنح التلاميذ القدرة على التعاطي مع هذا النظام، وهو أمر شبه مستحيل في ظل تضمن غرف صفوف بين 50 و60 تلميذاً. ونحن نطالب الحكومة ووزارة التربية والتعليم بوقف العمل بهذا المشروع أو تجميد تنفيذه خمس سنوات لإطلاق عملية تطوير شاملة للعملية التعليمية، ثم تقييم التطور للبدء في إصلاح امتحانات التوجيهي".

المساهمون