البيرين والصابون... صناعات تقليدية متوارثة في إدلب

13 ديسمبر 2022
صناعة الصابون التقليدي رائجة في إدلب (العربي الجديد)
+ الخط -

حقق صابون الغار السوري شهرة عالمية بسبب جودته المرتفعة، فيما أخذ "البيرين" في السنوات الأخيرة يتمتع بأهمية كبرى لدى السوريين بسبب فقدان وسائل التدفئة التقليدية من مازوت وحطب وكهرباء، ليُستخدَم بديلاً في التدفئة، بسبب توافره في منطقة شمال البلاد. 
يقول مدير مؤسسة الشمالي التجارية التي تعمل في تصنيع البيرين، حسن الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "البيرين من بين مخلفات عصر الزيتون، وهو بقايا البذور، وهناك نوعان من البيرين، نوع يحتوي على الزيت، وهذا النوع تصنّعه بعض المعامل من دون عصر البذور من أجل سرعة البيع، وهناك البيرين مسحوب الزيت لمعامل الصابون، إذ يؤخذ لبّ الزيتون بعد عصره، لتصبح المخلفات مطحونة بشكل ناعم، وتبقى فيها مادة اسمها زيت المطراف الذي يستعمل لصناعة الصابون بعد عصره مرة أخرى، ويبقى البيرين المسحوب زيته، فيعاد كبسه من طريق مكبس هيدروليكي، ويُحوَّل إلى قوالب، ويمكن حينها استعماله حطباً للتدفئة، أو كبسه من دون عصر من أجل استعماله للتدفئة أيضاً".
ويتابع الشمالي: "يكبس البيرين على شكل قوالب كبيرة للصوامع والأفران التي تعمل على الحطب، ويكبس أيضاً على شكل حبيبات صغيرة تستخدم لمدافئ قشر الفستق والبندق الموجودة في إدلب، أو يُحمَّص ليُصنع منه فحم للأركيلة، كما هو متبع في منطقة عفرين".
وأشار إلى أن "البيرين ليس له رائحة في أثناء الاحتراق، لكنه كمادة أساسية، ففي أثناء التصنيع والتخزين له رائحة، وبالنسبة إلى التكلفة، فهو يعتبر رخيصاً، فاليوم يباع بعد خروجه من المعصرة بسعر 100 دولار أميركي للطن الواحد، وبعد التنشيف والتصنيع يرتفع سعره إلى 225 دولاراً، وهو يعتبر وسيلة تدفئة آمنة، وليس له أضرار جانبية، إذ لا يصدر روائح كريهة، على عكس المعروف عن البيرين الخام، أو الروائح النفاذة التي تصدر عن معامل البيرين". 

يستخدم البيرين في التدفئة (العربي الجديد)
يستخدم البيرين في التدفئة (العربي الجديد)

ويقول مدير معمل "صناع" لصناعة صابون الغار، حمزة صناع، وفي حديث مع "العربي الجديد"، إن ارتباطه بصناعة صابون الغار تماثل ارتباطه بأرضه، وإن صابون الغار يعرف بأنه من أقدم الصناعات حول العالم، وإن عائلته بدأت بالعمل في صناعته منذ عام 1920، ويتميز بأنه من أنقى أنواع الصابون التي يعرفها الإنسان، وهو مكون من عناصر طبيعية، أهمها زيت الزيتون وزيت الغار.

ويضيف صناع: "بالنسبة إلى مراحل صناعة الصابون، نبدأ بوضع الماء في قدر له شكل دائري ينتهي بشكل حلزوني نسميه (الكعكة)، لتبقى النار في نقطة معينة، ونضيف (الكوستيك)، وهو هيدروكسيد الصوديوم، ويعرف أيضاً باسم (القطرونة)، وهو مادة قلوية شديدة التفاعل نضيف إليها الماء كي تتمدد، وتصل درجة حرارتها إلى 100 درجة مئوية، ثم نضيف زيت المطراف، وهو زيت طبيعي مستخرج من بيرين بذور الزيتون بعد عصرها، وعند إضافة الزيت إلى مادة الكوستيك القلوية يحصل التفاعل الكيميائي، ويتم التحريك جيداً ليمتزج الزيت والكوستيك على النار الموقدة، ويُحوَّل الزيت إلى صابون، وتتم عملية (التصبين) من طريق الكوستيك الذي يتفاعل بعد خلطه جيداً، وبعد الغلي عدة غليات والطبخ بشكل جيد".
ويتابع: "في المرحلة الثانية، تُطيَّب الطبخة بالماء النظيف، وفي المرحلة الأخيرة يضاف الغار، وهو عبارة عن مادة زيتية عطرية، وكلما زادت كمية زيت الغار في الطبخة، يكون الصابون أجود، لأنه يساعد على تفتيح مسام الجلد لكونه طبيعياً، ثم تُريَّح الطبخة لعدة ساعات، لندخل في مرحلة بسط الطبخة على الأرض يدوياً، وننتظرها حتى تجف، ويطبخ الصابون حصرياً في فصل الشتاء، لأن الطبخ يتطلب البرد حتى يتماسك، وعندها نستطيع تقطيعه بعد صقله من خلال الصعود فوقه بعد جفافه".

الوسائل القديمة لازالت مستخدمة في إدلب (العربي الجديد)
الوسائل القديمة ما زالت مستخدمة في إدلب (العربي الجديد)

ويواصل: "تبدأ مرحلة تقطيع الصابون بآلة تسمى (الجوزة)، وهي عبارة عن شفرات حادة، ويقطع على شكل مربعات بأحجام متساوية، وبعدها تأتي مرحلة عقد الصابون، إذ تُستخدَم أحذية مستوية يرتديها العمال لصقله بشكل مستوي، وبعدها ننتقل إلى مرحلة (البيبرة) التي تعني تخمير الصابون، إذ يُنقَل من المبسط، ويعمر فوق بعضه بشكل مستقيم، ويغطى لأنه في هذه المرحلة بحاجة إلى الدفء حتى يتعرق، ويخرج الماء من داخله، ويترك حتى بداية الربيع، ثم يُكشَف عنه، وعندها يكون لونه قد تحول إلى مائل للصفرة، ويُجفَّف من طريق تعريضه للهواء وضوء الشمس".
وأشار صناع إلى أن "مهنة صناعة الصابون تعلمتها من أجدادي، وسأنقلها إلى أبنائي بكل أسرارها وخفاياها وفوائدها، وأحافظ على هذه الصنعة اليدوية وأخدمها بكل تفاصيلها، بداية من لبس السروال الخاص بالصنعة، وكرسي جدي، وانتهاء بمشوار سر المهنة الذي سأسلمه للجيل الجديد على أكمل وجه، وبدون غش، ليعطوها كل ما لديهم، وتقابلهم بالعطاء والربح".
بدوره، يؤكد عبد الحي قدور (70 سنة)، أن مدينتي حلب وإدلب اشتهرتا منذ زمن بعيد بصناعة صابون الغار، وهي صناعة عريقة أثبتت نفسها وجودتها عبر القرون، وتسمى مدينة إدلب بالخضراء نسبة إلى شجرة الزيتون دائمة الخضرة الموجودة على امتداد أراضيها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويضيف: "بما أن المواد الأولية لصناعة الصابون والبيرين موجودة لدى سكان إدلب، فقد أبدعوا بالاستفادة من الشجرة، وحتى من مخلفاتها، فهناك معامل خاصة لمخلفات الزيتون، مثل معامل البيرين المستخدم للتدفئة، في ظل غياب المازوت أو غلائه إن وجد، أو لتشغيل بعض المعامل التي تحتاج إلى النار لتقليل تكاليف التشغيل، ومعامل صناعة الصابون، حيث تُحوَّل بقايا بذرة الزيتون إلى صابون الغار الذي يستخدم منذ زمن بعيد للعناية بالشعر والبشرة لكونه منتجاً طبيعياً، وكلما كانت جودته أعلى، ارتفع سعره، وهناك عائلات توارثت هذه المهنة عن الأجداد، وهم يعرفون أساليب الصناعة بالطريقة الصحيحة، وبالمقادير الصحيحة، وأثبتت العديد من المصانع اسمها، وجودة منتجاتها، ومنها صابون الصناع، وزنابيلي، وغيرها من الأسماء المشهورة".

المساهمون