إسكندنافيا: أرقام ضعيفة لإصلاح الأسر رغم الحوافز

17 يوليو 2022
رغم المشاكل، تحتل العائلة موقعاً مركزياً في حياة الإسكندنافيين (ميشال سيتبون/ Getty)
+ الخط -

بات كثيرون من سكان إسكندنافيا يعيشون بمفردهم، مع تزايد حالات الطلاق خلال الأعوام الماضية مقارنة بباقي مواطني اوروبا. ويفرض ذلك تشتت أطفال كثيرين بين الوالدين، ويتسبب في تراجع نسب الولادات، ويجعل مظاهر الشيخوخة واضحة في المجتمعات. في السويد، تظهر إحصاءات ارتفاعاً سنوياً في عدد حالات الطلاق منذ بداية الألفية الجديدة. وشهد العام الماضي وحده أكثر من 23 ألفاً و600 طلاق، ما يعني وجود نحو 22 ألف امرأة مطلقة و21 ألف رجل مطلق، أما الفارق فيتعلق بحالات طلاق لأشخاص تزوجوا خارج السويد، أي أن زواجهم مسجل في دولة ثالثة. ويعلّق خبراء بأن هذه الأرقام تؤثر مباشرة على الأوضاع الاجتماعية، سواء على صعيد مشاكل الأطفال، أو التأخير في الإنجاب الذي يتراجع منذ أعوام. 

وتوضح الأرقام الرسمية السويدية أيضاً، أن متوسط بقاء الزوجين معاً قبل الطلاق وصل العام الماضي إلى نحو 11 عاماً، فيما عاش بعضهم معا 31 عاماً في المتوسط، كما استمر زواج آخرين نحو 50 عاماً، ولم تفرقهم سوى الوفاة. واللافت أن الأرقام تظهر أن الفئة العمرية بين 35 و49 عاماً هي الأكثر اختياراً للانفصال، من دون أن يعني ذلك أن من يتجاوزون الـ 50 لا يفعلون ذلك، إذ إن حوالي 9 آلاف من الفئة العمرية بين 50 و59 عاماً اختاروا الطلاق العام الماضي. 
أيضاً، يتجاوز عدد حالات الطلاق أكثر من النصف بقليل عدد الزيجات السنوية البالغ 46 ألفاً. ويقول خبير الإحصاءات توماس يوهانسون إن "السويد تشهد شهرياً حوالي ألفي حالة طلاق، وتتراوح أعمار الأكثر إقداماً على تنفيذ هذه الخطوة بين 35 و46 عاماً، وقد نجد طلاق وقع لشخص تجاوز سن الـ 85 أو أقل من 19 عاماً". ويؤكد باحثون أن بعض الأشخاص احتفلوا بمرور 10 سنوات على زواجهم، قبل أن تتدهور علاقتهم إلى مستوى طلب الطلاق بعد سنة أو سنتين فقط من الذكرى. ويشيرون إلى أن السويد تسير نحو تجاوز متوسط الطلاق الأوروبي. 
وفيما توضح الإحصاءات إلى أي مدى يعيش مجتمع السويد (نحو 10 ملايين نسمة) مشكلة حقيقية مع تزايد الطلاق، تزداد في الدنمارك (5.6 ملايين نسمة) في شكل مطرد حالات العيش في شكل فردي منذ عام 2014. وفي "دول الشمال" (النرويج والسويد وأيسلندا وفنلندا والدنمارك) يعيش نحو 57 في المائة بلا زواج. 
وفي ظل جائحة كورونا عام 2020، ارتفعت حالات الطلاق في معظم الدول الإسكندنافية، وسجلت السويد 22 ألف حالة، والدنمارك 15 ألفاً، لكن مؤشر الطلاق في الدنمارك لم يبلغ ذروته على غرار عام 2014 الذي شهد 19.400 طلاق.
وتتقدم دول الشمال الأوروبي على جنوب القارة على صعيد نسب الطلاق التي لا تتعدى 0.7 في المائة لكل ألف مواطن في إيطاليا، و1.1 لكل ألف مواطن في اليونان، بينما تصل في السويد والدنمارك إلى 3 لكل ألف مواطن. 

الصورة
46 في المائة من الأوروبيين بين 18 و34 عاماً يعيشون مع والدهم أو أمهم. (ميشال فلودرا/ Getty)
46 في المائة من الأوروبيين بين 18 و34 عاماً يعيشون مع آبائهم أو أمهاتهم (ميشال فلودرا/ Getty)

وفي المتوسط الأوروبي، يعيش 2.4 شخص تحت سقف منزل واحد، وترتفع الأرقام في رومانيا ومالطا وقبرص وإيطاليا إلى 3 أشخاص، أما في الدول الإسكندنافية فالرقم 2، أي أما مطلق أو مطلقة مع طفل واحد. 
ولا تمر حالات الطلاق في الدول الإسكندنافية، وبينها لأشخاص ذوي أصول مهاجرة من دون مشاكل تتعلق بحضانة الأطفال، وخلافات مالية حول الممتلكات. وعلى صعيد الصغار، تصل الشجارات على الحضانة إلى المحاكم غالباً بعد فشل الزوجين في التوصل إلى اتفاق مرضٍ. لكن ذلك لا يمنع قدرة 75 في المائة من الدنماركيين على حل المشاكل بمفردهم من دون تدخل السلطات، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الأطفال.
ويعيش في الدنمارك والسويد طفل واحد من أصل 3 مع والدين منفصلين. وبين 350 ألف حالة طلاق في الدنمارك، يفقد نحو 13 في المائة من الأطفال تماماً العلاقة والتواصل مع أحد الوالدين.  لكن ذلك لا يمنع استمرار الموقع المركزي للعائلة في حياة الإسكندنافيين، ويحتفل آلاف الأزواج في الدنمارك والسويد مثلاً سنوياً بما يسمى محلياً "اليوبيل الماسي" الخاص بمرور 60 سنة على الزواج. وفي سياق أوروبي أوسع، تحاول السلطات تخفيف سرعة توجه الأزواج نحو فسخ الزواج، من خلال مؤسسات وعيادات متخصصة بـ"جلسات الإصلاح الأسري"، كما تحاول أنظمة في الدول الإسكندنافية، مع تراجع نسبة الخصوبة وانخفاض الولادات، منح الزوجين إجازة مدفوعة في حال رزقا بمولود جديد، وتخصيص إعانات مالية دورية للمساعدة في رعاية الأسر الصغار. 
ولا تنحصر معاناة تراجع الولادات في دول إسكندنافيا، ففي أوروبا عموماً، تلد النساء 1.5 طفل في المتوسط، وهو معدل لا يكفي للحفاظ على مستقبل المجتمعات التي تتطلب نسبة خصوبة 2.4 طفل على الأقل. ومع توقع بلوغ أعمار الأطفال المولودين حديثاً في أوروبا 79.2 عاماً في المتوسط في مقابل 67.6 عاماً في المتوسط في العالم، تشغل الحاجة المستقبلية لتغطية النقص في الولادات بال مسؤولي القارة العجوز. 

يُذكر أن 46 في المائة من الأوروبيين بين 18 و34 عاماً لا يزالون يعيشون مع آبائهم أو أمهاتهم. وتشير إحصاءات أوروبية إلى أن الفئة العمرية بين 25 و34 عاماً، وبينهم نسبة 32 في المائة من الذكور و20 في المائة من الإناث لم يغادروا بعد منازل أهاليهم، خصوصاً في دول جنوب وجنوب شرقي القارة، علماً أن النسبة للفئة العمرية ذاتها لا تتعدى واحدا في المائة للذكور و3 في المائة للإناث في بعض الدول الإسكندنافية.

المساهمون