أميركا بلا حليب... نموّ الأطفال مهدد بسبب إغلاق مصنع

أميركا بلا حليب... نموّ الأطفال مهدد بسبب إغلاق مصنع

29 مايو 2022
+ الخط -

خَلَت العديد من رفوف المحال التجارية في الولايات المتحدة الأميركية من علب حليب الأطفال، بعدما تسببت شركة "أبوت نيوترشن"، أكبر منتج لحليب الأطفال في البلاد، في تسمم ووفاة رضع، بسبب مخاوف من تلوث منتجاتها. وبرزت أزمة حليب الأطفال في المجتمع الأميركي خلال الفترة الماضية، ونشر كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي قصصاً عن أهل يضطرون للسفر من ولاية إلى أخرى بحثاً عن علبة حليب واحدة، وطالبوا بإيجاد حل لهذه الأزمة.
والنقص في حليب الأطفال مردّه مشكلة سلسلة التوريد بسبب تفشي وباء كورونا، وإغلاق شركة "أبوت نيوترشن" مصنعها في ستورغيس بولاية ميشيغان بسبب عدوى جرثومة كرونوباكتر ساكازاكي (Cronobacter sakazakii) في الحليب. 

ومنذ بداية العام، أُدخل 4 أطفال رضع ممن يستهلكون منتجات الشركة إلى المستشفى مصابين بالتهابات جرثومية، وتوفي اثنان منهم، ما استدعى إغلاق المصنع على الفور. وسحبت الشركة منتجاتها من السوق، وأصدرت إدارة الأغذية والأدوية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تعليمات إلى العائلات بالتحقق من موقع شركة "أبوت" الإلكتروني لمعرفة إن كان لديهم منتج للتسليم.
وأظهرت التحقيقات الخاصة بإدارة الغذاء والدواء، بعد قيامها بجولة داخل مصنع الشركة في ولاية ميشيغان، وجود أنواع مختلفة من الجراثيم الضارة. وتنتج الشركة حليب الأطفال المسحوق من أنواع "سيميلاك" (Similac) أو "أليمنتوم" (Alimentum) أو "إليكير" (EleCare).
 
مشكلة قومية
وتتحكّم أربع شركات في حوالي 90 في المائة من سوق حليب الأطفال في الولايات المتحدة، وهي "أبوت" التي تنتج حوالي نصف احتياجات السوق، وشركة "ميد جونسون نيوترشن" (Mead Johnson Nutrition)، وشركة نستله (أميركا) وشركة بيريجو (Perrigo). وتستورد البلاد 2 في المائة فقط من احتياجاتها من حليب الأطفال الصناعي. 
وتفرض إدارة الغذاء والدواء الفيدرالية الأميركية (FDA) قواعد صارمة على الشركات الجديدة، الأمر الذي يجعل دخولها السوق أمراً صعباً. في هذا الإطار، فإن إقفال أي مصنع يؤثّر على الأسواق بشكل كبير، وينعكس على صحة الأطفال والرضع. وحتى الآن، ما من أرقام دقيقة عن معدلات الإصابة بالبكتيريا. وقدرت المسؤولة في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية ﻣﻨﻬﺎ (CDC) جوليا هاستون أن عدد الإصابات ربما وصل إلى 18 حالة، بحسب ما نقلته عنها صحف أميركية.
وجرثومة كرونوباكتر ساكازاكي يمكن أن تسبب التهابات خطيرة تهدد الحياة أو التهاب الأغشية التي تحمي الدماغ والعمود الفقري. كما قد تتسبب في تلف الأمعاء، وتنتشر عبر الدم إلى أجزاء أخرى من الجسم. وتقول اختصاصية الأمراض المعدية في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها جانين جايسون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن وجودها في علب الحليب يشير إلى عدم اتباع المصنع معايير عالية من النظافة.
 
الاستهلاك الأميركي
وتشير تقديرات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أنّ 72.6 في المائة من الأطفال والمراهقين يستهلكون الحليب يومياً، وهي نسبة مرتفعة جداً. بالتالي، فإن نقص الحليب من شأنه أن يؤدي إلى أمراض عدة تطاول شريحة كبيرة من المجتمع. والحليب أحد العناصر الأساسية لنمو الأطفال، وخصوصاً الرضع. وتوصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) أن يتناول الرضع ما يوازي 6 إلى 8 أكواب من الحليب حتى عمر الستة أشعر، لينخفض عدد الأكواب مع بدء تناول الأطعمة. أما بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و24 شهراً، فتوصي بأن يتناولوا 2-3 أكواب من الحليب. وفي ما يتعلق بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 2 و5 سنوات، فتوصي بضرورة أن يتناولوا ما بين 2 إلى 2.5 أكواب من الحليب يومياً. كذلك يشير موقع Healthychildren الأميركي إلى أن كمية الحليب التي يجب أن يتناولها الطفل بحسب وزنه (حوالي 75 ميليتراً لكل 450 غراماً)، ما يعني أن الرضيع الذي يصل وزنه إلى 3 كيلوغرامات يجب أن يتناول 450 ميليمتراً تقريباً.

الصورة
نقص الحليب في أميركا (بول هينيسي/ فرانس برس)
نقص الحليب في أميركا (بول هينيسي/ فرانس برس)

مخاطر نقص الحليب 
الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية كان لها تأثير كبير على العائلات الفقيرة. وتقول صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير لها إن النقص الحاد في الحليب أرهق بعض العائلات، وخصوصاً الرضع الذين يعانون من أمراض في المعدة، والذين بدأت حالتهم الصحية تسوء تدريجياً. في هذا الإطار، تقول اختصاصية الأطفال والرضع مها الشيخ لـ "العربي الجديد": "في بعض الحالات تعجز أمهات عن إرضاع أطفالها وتلجأ إلى الحليب الصناعي لتغذيتهم. وعليه، فإن غياب أو نقص عبوات الحليب يسبب الجفاف في المرحلة الأولى ونقصاً حاداً في العناصر الغذائية ما يهدد حياة الرضيع". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد": "لا بد من التمييز بين الحاجة الماسة لحليب الأطفال وبين إمكانية أن يلجأ الأهل إلى الرضاعة الطبيعية؛ بعض الأطفال، وخصوصاً من الذين يعانون من أمراض المزمنة، لا يمكنهم تناول إلا أنواع معينة من الحليب الصناعي، وخصوصاً المصابين منهم بأمراض الدم أو الجهاز الهضمي والعصبي، أو لديهم حساسية من اللاكتوز (سكر الحليب). هؤلاء لا يمكنهم تناول حليب الأم ويحتاجون إلى الحليب الصناعي". 

هل يمكن تعويض النقص؟
دفع نقص علب الحليب الكثير من المواطنين في الولايات المتحدة إلى البحث عن وسائل لتأمين احتياجاتهم، منها صناعة الحليب في البيت، أو تخفيف كميات استهلاكه من خلال إضافة المزيد من المياه، أو شراء علامات تجارية غير معروفة قد لا تتلاءم مع أعمار الرضع. ما سبق دفع ريبيكا روميرو من فريق التغذية الإكلينيكية والرضاعة في مستشفى "نيشن وايد" للأطفال في أوهايو إلى تحذير المواطنين من اتباع هذه الأساليب بسبب مخاطرها. وتشير إلى أن التركيبة المنزلية أو خلط الأطعمة غير المخصصة للرضع مع الحليب الصناعي وغير ذلك قد تكون محفوفة بالمخاطر وتضر بصحة الرضّع.

بدورها، تؤكد الشيخ أنّه لا يمكن اللعب بتركيبة حليب الرضع، أو استبدالها بعبوات حليب مخصصة للأطفال الأكبر سناً، أو إضافة كميات كبيرة من المياه. تضيف أن تركيبة حليب الرضع من عمر شهر إلى 6 أشهر تحتوي على عناصر معينة من الفيتامينات والأملاح المعدنية المناسبة لمعدة الأطفال، فيما تختلف تركيبات الحليب للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 أشهر إلى سنة، أو من سنة إلى 3 سنوات كونها تحتوي على عناصر مركبة ومعقدة من الأملاح المعدنية. كما تشير إلى أن استبدال الحليب الصناعي بحليب البقر المبستر في الفترة الأولى من الولادة يتسبب في حدوث حساسية، وبالتالي لا يجب تناوله قبل بلوغ الطفل عامه الأول.  

المساهمون