أموال الاتحاد الأوروبي للبنان تضيع في النفايات

أموال الاتحاد الأوروبي للبنان تضيع في النفايات

11 اغسطس 2023
أزمة النفايات في لبنان لم تحل من جذورها (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

في الثاني عشر من يوليو/ تموز الماضي، اتخذ البرلمان الأوروبي قراراً بشأن الوضع في لبنان، مجدداً دعوته الحكومة اللبنانية لـ"اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتفكيك منظومة الفساد بما في ذلك التهرب الضريبي وتحويل رأس المال العام بما يضمن الاستقلال الكامل لأعضاء المؤسسة الوطنية لمكافحة الفساد". كما حث السلطات اللبنانية على "تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد وغسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب" لاستعادة الثقة في السياسات الحكومية وتعزيز النمو الشامل. وحمّل البرلمان مسؤولية الوضع الحالي للسياسيين من عموم الطبقة الحاكمة وللأحزاب المسلحة بشكل غير قانوني، وهو ما "يعطل العملية الديمقراطية والدستورية"، داعياً النخبة السياسية اللبنانية إلى تحمل نصيبها من مسؤولية الوضع الراهن في البلاد.
وفي البند 12 من توصياته، أعرب البرلمان الأوروبي عن "قلقه إزاء العديد من حالات سوء الإدارة والاحتيال المتعلقة بالمشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي بسبب الافتقار إلى الشفافية والرقابة وضعف معايير الاختيار والعطاءات وحفظ السجلات"، داعياً المفوضية ومكتب المدعي العام الأوروبي (EPPO) للنظر في قضية سوء الاستخدام المزعوم لأموال الاتحاد الأوروبي لمرافق إدارة النفايات. 
وكانت منظمة "مبادرة الإصلاح الاقتصادي والشفافية" (RITE)، والتي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، قد نشرت تحقيقاً مفصلاً عن "سوء إدارة الاتحاد الأوروبي وشريكه التنفيذي اللبناني OMSAR" لمشروع معالجة النفايات بكلفة فاقت 30 مليون يورو. وخلص التحقيق إلى "غياب التخطيط الكافي لضمان نجاح المشروع وتنفيذه" قبل منح الأموال الطائلة تلك. وأدان التحقيق الاتحاد الأوروبي لموافقته على "التصاميم الخاطئة أصلاً للمعامل والمعدات"، وغياب المساءلة والشفافية في متابعة مراحل تنفيذ المشروع، إذ إن "التفاوت في أسعار إعمار المعامل لم يكن واضح الأسباب". كما أن النقص في الحفاظ على السجلات لم يكن مبرراً، بالإضافة إلى الإشكاليات المتعلقة بـ"معايير اختيار المتعهدين خلال عمليات المناقصة". وطالب التحقيق بـ"ضوابط أكثر صرامة بغض النظر عن هوية الشركاء المنفذين"، علماً أن الشريك المنفذ هو OMSAR، أي مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية المقرّب من التيار العوني، كما وفّر أدلة على "عدم نجاح التعاون مع شركة خاصة في أكبر معمل أنشئ"، وهو معمل الفيحاء لمعالجة النفايات في مدينة طرابلس، بالإضافة إلى الدور "غير المجدي" الذي قام به برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عبر توظيفه مدراء للمشروع ومشاركته بلجنة إدارته.  

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ورداً على التحقيق الذي نشرته RITE، دعا البرلمان الأوروبي شركاءه اللبنانيين والدوليين إلى نشر جميع الوثائق ذات الصلة التي تسمح بالتدقيق المستقل من قبل مؤسسات المجتمع المدني، كما دعا جميع المانحين الأوروبيين بمن فيهم الاتحاد الأوروبي نفسه إلى "ضرورة مشاركة هذه المعايير وأفضل الممارسات".
في هذا السياق، تقول مديرة منظمة RITE المحامية منى طيارة ديلي، لـ"العربي الجديد"، إن التوصيات التي أطلقها البرلمان الأوروبي "مؤثرة ومهمة للغاية لكنها غير كافية في الوقت ذاته، لأنه غير مسؤول عن التنفيذ النهائي"، ما يتطلب ملاحقة الجهات الأوروبية الأخرى الموجودة على الأرض.

الصورة
مديرة منظمة RITE المحامية منى طيارة ديلي (العربي الجديد)
مديرة منظمة RITE المحامية منى طيارة ديلي (العربي الجديد)

وترى أن تلك التوصيات تمثل "منعطفاً إيجابياً"، إذ إن الاتحاد الأوروبي يدين الفساد في لبنان باستمرار ويشير إلى مواطن الخلل التي تحمل السلطات اللبنانية مسؤوليتها، لكنها للمرة الأولى التي "يعترف فيها بالتقصير" ويتحمّل مسؤوليته في ملف الفساد، واصفة الأمر بـ"الخطوة الجريئة".
يشار إلى أن منظمة RITE تأسست عام 2021 في المملكة المتحدة بمشاركة عدد من الشخصيات اللبنانية لـ"معاونة اللبنانيين في الخارج والداخل وتحسين ظروف التمويل الخارجي إلى لبنان لا سيما عقب الانهيار الاقتصادي". وتنطلق المؤسسة في عملها من "مراقبة المشاريع بشكل مستقل وتقديم توصيات مستندة إلى الحقائق".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

 
وتصرّ المؤسسة على أنها مبادرة "غير طائفية وغير حزبية"، وأنها تمارس دورها كمؤسسة مجتمع مدني مستقلة على الرغم من صعوبة الأمر والتعقيدات المرتبطة به. وتشير طيارة إلى أن مسؤولية الانهيار الذي وصل إليه لبنان مشتركة بين جميع الجهات والأطراف السياسية والحزبية وأن عمل مؤسستهم لا ينطوي فقط على تحديد هوية المتورطين في الفساد، بل وأيضاً على كيفية تفادي هذه السياسات التي لا تخلو من "الاستهتار"، على حدّ وصفها. يبقى أن المؤسسة لا تمتلك أي "أداة قانونية" تتيح لها ممارسة دورها المفترض بشكل سلس وفعال، إلا أنها تعوّل على التوصيات التي قدّمها البرلمان الأوروبي مطالباً الحكومة والمفوضية بـ"الانفتاح" على مؤسسات المجتمع المدني. 

المساهمون