ألمانيا المنحازة... حظر وقمع مفرط ضد تظاهرات فلسطين

ألمانيا المنحازة... حظر وقمع مفرط ضد تظاهرات فلسطين

06 نوفمبر 2023
قمع حشود دعم غزة في برلين (كونييت كاراداغ/الأناضول)
+ الخط -

مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منعت الشرطة الألمانية التجمعات والمسيرات التي دعت جمعيات فلسطينية إلى تنظيمها في مدن مختلفة للمطالبة بوقف آلة القتل الإسرائيلية، وإنهاء الحصار. لكن هذا الحظر جرى خرقه رغم مضايقات الشرطة واستخدامها القوة المفرطة والضرب.

وتجمع نحو ألف شخص لدعم فلسطين في العاصمة برلين مؤخراً، قبل أن تطالبهم الشرطة بالتفرّق بسبب وجود قرار بحظر التظاهر، لتنتهي التظاهرة باعتقال بعض المتظاهرين بعد مواجهات مع الشرطة التي استخدمت القوة المفرطة.
وفي برلين مجدداً، شارك نحو 8500 شخص، السبت، في تظاهرة مؤيدة لوقف الحرب في غزة دعا إليها تحالف يضم مجموعات داعمة للقضية الفلسطينية، ومنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط، كما حظيت التظاهرة بدعم من جماعات يسارية، وهتف المتظاهرون بالحرية لفلسطين، ووجهوا اتهامات لإسرائيل بـ"الفصل العنصري" و"الإبادة الجماعية"، قبل أن تنتهي التظاهرة التي حصلت على إذن مشروط بعدم رفع شعارات تحريضية أو معادية للسامية، بإصدار الشرطة 64 بلاغاً بحق مشاركين، لكن كانت التظاهرة الأكبر في دوسلدورف، حيث شارك أكثر من 17 ألف شخص.
ومع إعلان وزارة الداخلية الفيدرالية الأسبوع الماضي، حظرأنشطة حركة "حماس" في البلاد، وحلّ شبكة "صامدون" للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، يطرح السؤال في شأن تداعيات القرارفي ظل إصرارالناس على التظاهر رغم رفض العديد من سلطات الولايات منح تراخيص لهذه التظاهرات، والإصرارفي برلين على حظرارتداء الكوفية الفلسطينية في المدارس لعدم إثارة المزاج العام، ومنع أي ملصقات ورموز تحمل كتابات مؤيدة لفلسطين.

وبعدما كانت شبكات "صامدون" و"فلسطين تتكلم" ولجنة "العمل الفلسطيني" دعت لتنظيم تظاهرات بشعار"من أجل فلسطين حرة"، وهو ما رفضته الشرطة الألمانية "لأنها تشكل مصدر خطرعلى السلامة العامة والنظام"، اعتبر العديد من أبناء الجاليات العربية المناصرين لقضية فلسطين أن "قرارات السلطات الألمانية تعسفية ومنحازة، وتنتهك الحقوق الدستورية وحرية التعبيرعن الرأي، والحق في التظاهرللتنديد بجرائم إسرائيل في بلاد تعتبر نفسها تتغنى بالديمقراطية". وسخّف هؤلاء تبرير الشرطة الأمر "بوجود مخاوف أمنية تهدد السلامة والنظام العام، وإطلاق المشاركين صيحات معادية للسامية، وتمجد الترهيب والعنف".
واعتبر نائب رئيس مركز أبحاث معاداة السامية في جامعة برلين التقنية، أوفا ينسن، أنه "بصرف النظر عن الوضع الحالي يصعب أن يعبر الفلسطينيون عن آرائهم من دون أن يواجهوا اتهامات بمعاداة السامية، لكن ذلك لا يعني أن الحظر المفروض على التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين لا يجب أن يكون شاملاً، بل يجب تقدير كل حالة على حدة، أما التعبير علناً عن الفرح بما نفذته حركة حماس فلا طعم له، ويثير الاشمئزاز".
إلى ذلك حذرت المسؤولة عن مكافحة السامية في حزب الخضر، مارلين شونبرغر، من جمع تبرعات لصالح حركة "حماس"، في حين دعت زميلتها في الحزب نفسه لمياء القدور الجمعيات الإسلامية الى النأي بنفسها بشكل أكثر وضوحاً. أما السياسية كاترينا غونثر، فقالت إن "أي سلوك أو تعبير عن الرأي يمكن فهمه بأنه موافقة على الهجمات ضد اسرائيل، وهذا أمر غير مقبول ومحظور".

الصورة
القوة المفرطة لاعتقال متظاهر (كونييت كاراداغ/ الأناضول)
القوة المفرطة لاعتقال متظاهر (كونييت كاراداغ/الأناضول)

وأكدت المحكمة الدستورية الفيدرالية أن "متطلبات الحظر مرتفعة للغاية، علماً أن الشرطة تسبق إصدار القرارات الخاصة بهذا الأمر عبر إجراء تحقيق دقيق في شأن التنظيم. وهي تفرض على سبيل المثال شروطاً معينة لمنع وقوع صدامات وأعمال شغب اثناء التظاهرات أو التجمعات، خصوصاً أنها مطالبة بإعداد التوقعات بالمخاطر في حال الطوارئ".
وأوضحت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أن "قرارات الحظر تستند إلى قانون الجمعيات، ويجب تنفيذه في أسرع وقت لأن الأمر يتعلق بتقديم رسالة واضحة تفيد بأن الحكومة ستوقف أي تضامن ودعم لإرهاب حماس". 
وأفادت تقارير بأن حركة "حماس لا تتمتع بهياكل واضحة في ألمانيا، بل تعتبر منظمة أجنبية، وهي مصنّفة من قبل الإتحاد الأوروبي بأنها منظمة إرهابية. وهذا ما راجعته وأكدته محكمة العدل الأوروبية، لذا لا تملك هذه المنظمات الأجنبية التي تنشط في ألمانيا هياكل ثابتة تنفيذاً للقوانين المطبقة، ويحظر نشاطها". 

وأورد تحقيق أجرته شبكة "إيه آر دي" الإخبارية أن "القانون يميّز بين شكلين من الحظر، أولهما التنظيمي الذي يهدف الى حل الجمعية بالكامل، ويمكن أن يطاول الجمعيات المحلية والأجنبية التي تملك هياكل فرعية بعضها في ألمانيا. وهذا ما سيحصل مع شبكة صامدون التي تعتبر، بحسب السلطات، لاعباً رئيساً في الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل والمعادية للسامية في برلين، والتي تدعو حالياً إلى تنظيم تظاهرات يتوقع أن يردد المشاركون فيها شعارات تعتبرها السلطات الألمانية تحريضية ومعادية للسامية". 
وأوضحت وزارة الداخلية الاتحادية أن "الخطر كبير في ألمانيا بسبب تزايد التعبئة والتفاعل"، في إشارة إلى أهمية تعزيز حماية المؤسسات اليهودية والإسرائيلية، علماً أن عمدة منطقة نيو كولن في برلين، مارتن هيكل، دعا إلى حظر جماعة "صامدون".

الصورة
اعتقال شخص خلال تظاهرة لدعم غزة في برلين (كونييت كاراداغ/ الأناضول)
اعتقالات خلال تظاهرة لدعم غزة في برلين (كونييت كاراداغ/ الأناضول)

وكانت ألمانيا قد شددت إجراءات الأمن حول المعابد والمدارس والمعالم الأثرية اليهودية في أراضيها بعد ساعات من احتفال بعض أنصار الفلسطينيين في شوارع برلين بالهجوم المفاجئ الذي شنته حماس ضد إسرائيل. وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر: "تنسق الحكومة الفدرالية والأقاليم أعمالها بشكل وثيق، والسلطات الألمانية تراقب عن كثب أي "مؤيدين محتملين لحماس".
ونقلت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية أيضاً عن مسؤولين في المكتب الاتحادي للاستخبارات الداخلية الألمانية قولهم إن "وزارة الداخلية قد تفرض حظراً على 450 شخصاً مناصرين لحركة حماس في ألمانيا، في حين تشير "زود دويتشه تسايتونغ" إلى أن الجهات الأمنية تعتبر شبكة "صامدون" المقرر حظرها أيضاً إحدى الشبكات التي تنشر دعاية للفلسطينيين المتطرفين.
وعموماً يمكن حظر الجمعيات التي تتعارض أغراضها وأنشطتها مع القانون الجنائي أو تتوجه ضد النظام الدستوري في البلاد. لكن ذلك لا يمنع مواجهة قرار الحظر عقبات كبيرة لأن الجمعيات تستطيع التذرع بحرية تشكيلها، وهذا حق أساسي يرتبط غالباً بالحريات الأخرى المرتبطة بتنظيم الأندية اجتماعات أو تعبر عن رأي مشترك. 
أيضاً، يجب أن يعتمد الحظر على سلوك النادي أو الجمعية، في وقت لا تكفي الإجراءات الجنائية أو غير الدستورية من قبل الأفراد لتطبيق الحظر. وفي حال التعارض تقرر المحاكم الأمر.
وعلى وقع تعاطف آلاف من أبناء الجاليات المسلمة في ألمانيا مع الشعب الفلسطيني على خلفية ما ترتكبه إسرائيل بحقه بعد عملية "طوفان الأقصى"، طرحت تساؤلات عن إمكانية فرض عقوبات في حقهم. 

وذكرت شبكة "إيه آر دي" أنه "وفقاً للمادة 140 من القانون الجنائي يمكن أن يُنسب للأشخاص المعنيين شبهة مكافأة الجرائم والتغاضي عنها". وتوضح أن الشروط الأساسية للمسؤولية الجنائية بموجب هذا الحكم هي أن يوافق الشخص علناً على جرائم معينة، مثل القتل أو القتل غير العمد والاغتصاب، وحتى أخذ رهائن، وأن يكون سلوكه أيضاً قادراً على تعكير الصفو العام للبلاد". ويخلص تحقيق الشبكة إلى أنّ "أي شخص يحتفل بما فعلته حماس عبر التظاهر علناً في الشوارع قد يتعرض لمحاكمة". 
وفي هذا الشأن، طرأت عام 2020 تعديلات على القانون الجنائي لحظت معاقبة كل شخص يُتلف أو يشوّه علم دولة أجنبية، في اشارة إلى إقدام عدد من الأفراد على حرق العلم الإسرائيلي خلال تظاهرات تأييد وتعاطف مع فلسطين.
ومع إعلان الوزيرة فيزر أن ألمانيا ستستخدم جميع السبل القانونية لطرد داعمي حركة "حماس" من ألمانيا، توضح "إيه آر دي"، أن القرار سيُتخذ في كل حالة على حدة مع التمييز بين الأجنبي الذي يحمل إقامة وصاحب الجنسية الألمانية ومقدار تهديده السلامة العامة والنظام العام. 
وتورد المادة 54 من قانون الإقامة أنّ "التوجه إلى طرد شخص قد يكون أخطر إذا كان أجنبياً يحرّض على الكراهية ضد مجموعة من السكان، باعتبار أنه قد يكون له تأثير هادف على الآخرين ضد مجموعات عرقية أخرى أو ديانات معينة".

المساهمون