أفغانستان: سوق الأدوية أولاً وليس الطبيب

أفغانستان: سوق الأدوية أولاً وليس الطبيب

09 فبراير 2024
سوق الأدوية الحل المتاح لعلاج الأفغان الفقراء (سكوت بيترسون/Getty)
+ الخط -

من العادات السيئة السائدة في أفغانستان شراء المواطنين أدوية من دون استشارة أطباء وبلا وصفات تستند إلى نتائج المعاينة والفحوص التي خضعوا لها على أيدي أخصائيين. واللافت أن كل أنواع الأدوية تتوافر في السوق، حتى تلك المصنّفة بأنها خطيرة وتعطى في حالات خاصة، أما السلطات فلا تطبق أي إجراءات لمنع المواطنين من شراء الأدوية من السوق أو حتى أي مكان.
وبالنسبة إلى الأفغان فهم يصرّون على شراء أدوية من دون وصفات طبية، وتجاهل بالتالي تحذيرات الأطباء ومسؤولي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية بشؤون الصحة من أن ضرر هذا الأمر على الصحة أكثر من منافعه، لأنهم ببساطة غير قادرين على دفع رسوم الأطباء المرتفعة جداً في ظل الأحوال السيئة التي يعيشون فيها.
يقول ويس الدين من سكان ولاية فارياب (شمال) لـ"العربي الجديد": "أدرك جيداً أن شراء أدوية من دون الخضوع لفحص لدى طبيب أمر مضرّ جداً، لكنني لا أملك أي خيار آخر لأن رسم زيارة طبيب مرتفع جداً. ويجعلني ذلك أشتري أدوية من الصيدليات بمساعدة أصحابها أو العاملين فيها أحياناً، أو من خلال معرفتي الشخصية بدواء مناسب لعلاج الأعراض التي أعاني منها".
ويرى ويس الدين أن "أمراضاً كثيرة لا تحتاج إلى مراجعة أطباء، مثل الأمراض الموسمية العادية الخاصة بفصلي الشتاء والصيف التي أعتبر أنه يجب ألا أصرف أموالاً عليها، لذا أتناول ما يتوفر من أدوية في السوق لعلاجها".
لكن الدكتور الأخصائي في الصحة العامة بولاية فرياب، محمد جان، يقول لـ"العربي الجديد": "تتمثل المشكلة في أن الناس لا يكتفون بشراء أدوية من دون وصفات طبية لعلاج أمراض عامة أو موسمية، بل يفعلون ذلك في المراحل الأولى لإصابتهم بأمراض، ويتجنبون بالتالي الذهاب إلى أطباء إلا إذا تدهورت حالاتهم، ما يعني أنه قد يصلون إلى المعاينات الطبية الضرورية المطلوبة في وقت متأخر حين تصبح زيارة الطبيب بلا جدوى، ويصعب علاجهم".
ويشدد على أن "إحدى المعضلات تتمثل في محاولة الناس تناول دواء واحد يعتبرون أنه يصلح لكل حالات مرض معيّن، وهم يستخدمون مثلاً المضادّات الحيوية لمعالجة أي زكام، وأيضاً أي مرض آخر بغض النظر عن إمكان تسببها في مشكلات صحية كثيرة وفي إضعاف المناعة، علماً أن المضادّات الحيوية قد لا تفيد إلا بنسب معينة قد تكون كبيرة في معالجة درجات من الالتهابات الحادّ أو أمراض فتاكة".
ويطالب جان المواطنين بعدم استخدام الأدوية في كل الحالات لأنها قد تتسبب في أعراض جانبية في وقت قد يستطيع الجسم الدفاع عن نفسه في مواجهة أمراض كثيرة. ويلفت أيضاً إلى أن غالبية الأدوية مستوردة من مصادر غير معروفة، وقد لا تكون المعلومات الخاصة بمحتوياتها صحيحة، لذا لا بدّ من تجنّبها بقدر الإمكان، وفي حال الحاجة القصوى لا بدّ من استشارة طبيب قادر على وصفها بفعّالية عالية وتحديد طرق استخدامها".

الصورة
يتجنب الأفغان الذهاب إلى أطباء إلا إذا تدهورت حالاتهم (إليز بلانشار/ Getty)
يتجنب الأفغان الذهاب إلى أطباء إلا إذا تدهورت حالاتهم (إليز بلانشار/Getty)

أما عبد اللطيف الذي يسكن في العاصمة كابول فيقول لـ"العربي الجديد": "يحتاج المريض والأطباء معاً إلى تثقيف في مجال استخدام الدواء، فبعض الأطباء يفرّطون في وصف الأدوية للمرضى، ويعطون أقوى المضادّات الحيوية والفيتامينات لمعالجة أي نوع من التهاب الصدر، ويطلبون من المرضى أن يشتروها من صيدليات معينة يكونون على علاقة مع مالكيها أو حتى يملكونها هم أنفسهم. وهم يحاولون أيضاً أن يبيعوا أكبر كمية من الأدوية كي يحققوا أرباحاً أكبر، ولا ينبع ذلك من جهل بل من انعدام المهنية لديهم والحرص على مصالحهم الشخصية فقط. أما شراء المواطنين الأدوية من السوق واستخدامها فيعكس بالدرجة الأولى جهلهم الكبير بالأمور الصحية".
ورغم أن حكومة حركة "طالبان" اتخذت خطوات في مجال الصحة، لكنها لم تفعل أي شيء في شأن الأدوية التي تباع في السوق.

ويقول الدكتور الأخصائي في مجال الكلى بالعاصمة كابول، محمد جنيد، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن تمنع طالبان شراء الأدوية من السوق، ويحتاج الناس فعلياً إلى تثقيف في شأن شراء الدواء واستخدامه، كما يجب إجراء إصلاحات عامة في المجال الطبي، وتعزيز الخدمات الصحية المجانية التي تؤثر إيجاباً في الواقع السائد لأنها تقلل من اهتمام الناس بشراء الأدوية من الصيدليات، وهو ما يفضلونه حالياً لأن خدمات المستشفيات متدنية ورسوم الأطباء مرتفعة جداً، ما يبقيهم أمام خيار شراء الأدوية من السوق والصيدليات".

عموماً يعترف مسؤولو قطاع الصحة في أفغانستان بوجود مشاكل كثيرة لكنهم يؤكدون أن الإدارات المعنية تعمل ليلاً نهاراً لتحسين الأوضاع، وذلك باستخدام كل الوسائل المتوفرة التي تعترف بأنها ضعيفة، ولا تلبي الاحتياجات.
ورغم قلة عدد المراكز الطبية في عموم أفغانستان، تواجه تلك الموجودة مشاكل عدم تماشي منشآتها وتجهيزاتها مع العصر الحاضر، وعدم القدرة على التعامل مع الكثافة السكانية في البلاد، ويكرر الأطباء المطالبات بتشييد مستشفيات جديدة، معتبرين أن كثيراً من المستشفيات الحالية غير صالحة لاستقبال المرضى.

المساهمون