"اختناق" سكاني وخدماتي في بغداد

"اختناق" سكاني وخدماتي في بغداد

19 ديسمبر 2021
يوم شاق في كل مكان (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

كشفت بيانات حكومية في العراق تزايد كثافة السكان في شكل لا سابق له في العاصمة بغداد، ما أثرّ في شكل لافت على الخدمات التي تعاني أصلاً من نقص كبير، خصوصاً الكهرباء والماء والنظافة. وما يزيد الأعباء نزوح سكان من محافظات أخرى للعمل والبحث عن معيشة أفضل، في ظل تردي الأحوال المعيشية في مدنهم.
وأعلنت وزارة التخطيط في مطلع يونيو/ حزيران الماضي أن سجلات نفوس العاصمة ضمت أكثر من 8.5 ملايين شخص عام 2020، وهو عدد السكان الأكبر في البلاد. وأشارت إلى أن محافظتي نينوى (شمال) والبصرة (جنوب) حلتا بعدها، علماً أن عدد سكان العراق يبلغ 40 مليوناً و150 ألفاً، بينهم 5.5 ملايين في محافظات إقليم كردستان. ويشكل الذكور نسبة 50.5 في المائة من عدد السكان والإناث 49.5 في المائة.
وأوضحت أن الكثافة السكانية في بغداد تبلغ 4500 شخص لكل كيلومتر مربع، و"هذه نسبة كبيرة جداً مقارنة بمساحتها الأصغر من بقية المحافظات".

ورغم النقص الكبير في خدماتها تعتبر بغداد الأكثر نشاطاً اقتصادياً، بالتالي المقصد الأهم لشبان المحافظات الباحثين عن فرص عمل، وسط الارتفاع الشديد لمعدلات البطالة التي تشهدها البلاد عموماً. 
وهكذا انتشرت عبارة "محافظات" بين سكان بغداد، وتطلق على الأشخاص الوافدين من محافظات أخرى للعمل والسكن.
يقول صادق عيدان المتحدر من محافظة الناصرية (جنوب) والذي تخرج حديثاً من الجامعة لـ"العربي الجديد": "جئت إلى بغداد كي أعمل وأساعد أسرتي، وأسكن حالياً مع ستة شباب من محافظات جنوبية في بيت مستأجر داخل حي الرحمانية الشعبي المكتظ وسط بغداد". يضيف: "فرص العمل أكثر في بغداد، رغم أن البطالة مرتفعة فيها أيضاً، لكن حركتها التجارية والتسوق أكبر من بقية المحافظات، ما يجعلني أحاول إيجاد أكثر من فرصة عمل".
وعموماً، يستطيع الوافدون الى بغداد مزاولة أكثر من مهنة، لكن غالبيتها أعمال شاقة تتطلب جهداً بدنياً كبيراً. وهم مجبرون أيضاً على تقليل الإنفاق، لذا يتشاركون السكن في منزل متواضع يأتون إليه للنوم في نهاية النهار بعد قضاء يومهم في العمل.
ويشرح مسؤول في وزارة التخطيط طلب عدم نشر اسمه لعدم حصوله على إذن بالتصريح لوسائل الإعلام، أن الوافدين الذي يُطلق عليهم اسم "المحافظات" لا يُدرجون في أرقام إحصاءات سكان العاصمة. ويقول لـ"العربي الجديد": "يعتمد الإحصاء السكاني على البيانات الرسمية للمولودين في بغداد، مع تأكيد عنوان سكنهم الصريح. وهذه الصيغة معتمدة في إحصاءات كل المدن". ويقدر أن سكان بغداد الذين يسكنون فترات مؤقتة للعمل قد تمتد شهوراً أو أعواماً قد يرفع إجمالي عدد سكان العاصمة إلى 9 ملايين.
وفيما من الطبيعي أن يحتاج هؤلاء السكان إلى خدمات أهمها الكهرباء والماء ومجاري الصرف الصحي والتنظيف، تؤكد الوقائع الميدانية أنها تشهد نقصاً كبيراً بسبب سوء التخطيط والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة، علماً أن العراق يحتل المرتبة 160 بين 180 دولة في تقرير مؤشر الفساد الذي تصدره كل عام منظمة الشفافية الدولية.

الصورة
عابرون أمام متاجر (صباح عرار/ فرانس برس)
عابرون أمام متاجر (صباح عرار/ فرانس برس)

وتعاني البلاد من نقص كبير في الطاقة الكهربائية، يجعل على سبيل المثال فوزية رجب تدفع 220 ألف دينار عراقي (نحو 150 دولارا) للحصول على كهرباء من مولد خاص في الحي الذي تسكنه، وهو حال الجميع.
لكن فوزية لا تحصر معضلة انقطاع الكهرباء بالفساد الحكومي، إذ تربطه أيضاً بالكثافة السكانية في العاصمة. وتشير في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن "الوافدين من المحافظات رفعوا عدد السكان، ما زاد النقص في الطاقة الكهربائية. ولا يؤثر ذلك على الكهرباء بل على مختلف الخدمات"، علماً أن هذا الأمر يؤيده كُثر في العاصمة.
ويقول المهندس المعماري المتقاعد غانم السامرائي لـ"العربي الجديد": "لم تعد بغداد تحتمل مزيداً من السكان. كل طرقاتها وأحيائها وخدماتها لم تتغير منذ 30 عاماً، ولم تخضع لتحسينات، في وقت زادت كثافة الأحياء السكانية أكثر من 10 أضعاف، خصوصاً في الأحياء القديمة".
يضيف: "في الزقاق الذي أسكنه لم يعد يتوفر بيت واحد لم يقسم الى أكثر من ثلاثة، ما زاد العبء على الخدمات إذ تحدث انقطاعات كبيرة في الماء، وفيضان مستمر في المجاري الصحية وضجيج مستمر، إضافة الى التلوث وسوء حال الطرقات. وإلى جانب تزايد عدد السكان بغداد، ضاعف العاملون الوافدون من المحافظات الأخرى الذين فرضت عليهم الظروف البحث عن عمل، مأساتها".

ويعرف في العراق تفضيل المواطنين السكن في بيوت مستقلة. ونتيجة ارتفاع التكاليف المعيشية بالتزامن مع قلة الوظائف وغلاء السكن، قسّم العراقيون بيوتهم إلى أكثر من منزل للانتفاع من ثمنها أو لتأمين مسكن لمزيد من أفراد الأسرة، ما جعل الخدمات تعاني من حمولة زائدة لم تنجح السلطات في حلها حتى اليوم. 

المساهمون