القضاء الإداري يسقط مرسوماً للرئيس التونسي.. هل تُراجع إجراءات قيس سعيّد؟

27 مارس 2022
قرار القضاء الإداري يفتح الباب أمام طعون أخرى (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أوقف القضاء الإداري في تونس تنفيذ قرارات تطبيقية للمرسوم الرئاسي الخاص بجواز التلقيح الصحي في سابقة منذ 25 يوليو/ تموز، حين اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيّد جملة إجراءات استفرد من خلالها بالحكم، ما قد يفتح المجال لمراقبة بقية المراسيم التي أصدرها لتنظيم "حالة الاستثناء".

وصدر عن الدائرة القضائية الجهوية للمحكمة الإدارية بمحافظة المنستير (وسط شرق تونس) قرار ابتدائي يوم الخميس الماضي، يقضي بـ"عدم شرعية" المرسوم الخاص بجوازات التلقيح ضد فيروس كورونا.

وتسبب تطبيق المرسوم في إيقاف عدد من العاملين من أعوان المندوبية الجهوية للتربية والتعليم بمحافظة المنستير بسبب عدم حملهم الجواز الصحي كما يفرض المرسوم، ما دفعهم إلى تقديم طعون والمطالبة بوقف تنفيذه.

وخلصت المحكمة الإدارية إلى أن "تحصين المراسيم من دعوى تجاوز السلطة لا يحول دون بسط رقابة القاضي الإداري عليها، سواء من حيث رقابة احترامها للدستور أو المعاهدات الدولية"، وذلك في إطار آلية "الدفع بعدم الشرعية" متى أثيرت لديه.

واستندت المحكمة إلى الفصل 49 من الدستور لمعرفة مدى مراعاة المرسوم المذكور لقاعدتي "الضرورة والتناسب".

وانتهت المحكمة إلى أن فرض المرسوم بخصوص إيقاف الأعوان العموميين غير الحاملين لجواز التلقيح عن العمل "يكون بذلك قد أخلّ بقاعدة التناسب بين الإجراء الاستثنائي والجزاء الملائم له، واحترام قاعدة التدرج"، واتجه بذلك إلى الدفع بعدم شرعيته.

وشرحت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم الأحد، القرار بالقول إنه "لم يتم استعمال عبارة الدفع بعدم الدستورية، بل تم استعمال عبارة الدفع بعدم الشرعية".

وأضافت منى كريم الدريدي: "يفسر ذلك بسببين؛ أولهما أن القاضي يعتبر أن الشرعية أشمل من الدستورية، وأن الدستورية ركن من أركان الشرعية، وثانيهما أن القاضي تفادى أن يمارس اختصاصاً لا يخوله له الدستور، وهو رقابة دستورية القوانين عبر آلية الدفع، وذلك لاعتبار قيمة المرسوم اليوم من قيمة القانون".

وتابعت أنه "استعملت عبارة الدفع، باستثناء اللاشرعية، ولكن في نفس الوقت قال إن عملية الرقابة تمت على أساس عدم احترام الفصل 49 من الدستور، وعدم احترام قاعدة عدم التناسب".

وشددت كريم الدريدي بالقول إنه على "القاضي الإداري حجب الرقابة عن المراسيم ورفع الحصانة عن المراسيم ونزع القدسية عنها"، مبينة أن ما حدث هو "ثورة في القضاء".

لكن أستاذة القانون الدستوري استدركت بالقول: "صحيح أن المراسيم غير قابلة للطعن بالإلغاء، ولكن لا يمنع ذلك أنه يمكن أن تسلط عليها رقابة غير مباشرة بإلغاء القرارات التي تم اتخاذها على أساس المراسيم إذا كانت هذه القرارات مست بالمرافق الأساسية للأفراد".

انتهت المحكمة إلى أن فرض المرسوم بخصوص إيقاف الأعوان العموميين غير الحاملين لجواز التلقيح عن العمل "يكون بذلك قد أخلّ بقاعدة التناسب بين الإجراء الاستثنائي والجزاء الملائم له، واحترام قاعدة التدرج"، واتجه بذلك الدفع بعدم شرعيته

وذكرت أن قرار القضاء الإداري "وقف تنفيذ، وليس نظراً في الأصل، ولكنه خطوة إيجابية، لأن القضاء الإداري خول لنفسه رقابة لم يمنحه إياها الأمر 117 المتعلق بحالة الاستثناء".

وشددت على أن "المهم أيضا في هذا القرار أن القضاء الإداري اعتبر أن الدستور لا يزال قائم الذات، بما أنه راقب احترام الفصل 49، بما يعني اعترافا صريحا منه بأن الدستور مازال موجودا، كما راقب المرسوم لا على أساس احترام الأمر الرئاسي عدد 117، وإنما على أساس مدى احترام الدستور والمعاهدات الدولية، والتي هي أعلى مرتبة من المرسوم".

وبينت أن "تبعات هذا القرار على بقية المراسيم تؤكد أنه تم رفع الحصانة عنها، وبالتالي فإن لم يتمكن القضاء من إلغاء المرسوم، فإنه يمكن إلغاء القرارات التي اتخذت على أساس هذا المرسوم، وهو أهم، فإلغاء القرارات التنفيذية أهم من نص المرسوم نفسه"، مبرزة أن "هذا يرتبط بالطعن في القرارات، فإذا لم يتم الطعن فيها لا يمكن مراقبتها".

ولفتت منى كريم الدريدي إلى أنه "بخصوص الطعون الأخرى المتعلقة برفع الحصانة وامتيازات النواب، ووقف عمل البرلمان، يمكن للقضاة أن يقوموا بدورهم بالرقابة، خصوصاً أنه أصبحت هناك سابقة قانونية في ذلك"، مشيرة إلى أن "الأمر تحول إلى مسألة جرأة وشجاعة في اتخاذ القرارات، لأنه سابقا كان القاضي الإداري يرفض أن ينظر الطعون في المراسيم، واليوم تم كسر حاجز الصمت".

وفي تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، قال المتحدث باسم المحكمة الإدارية، القاضي عماد الغابري، إن "المحكمة الإدارية تلقت ما لا يقل عن 15 طعناً في الأمر الرئاسي عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر/ أيلول 2021".

وأضاف الغابري أن "مضامين الطعون المقدمة للمحكمة الإدارية، منها ما تعلق بعدم شرعية الأمر الرئاسي 117 برمته، ومنها ما تعلق ببعض أحكامه على غرار الفصول المتصلة برفع الحصانة ووضع حد للمنح والامتيازات المسندة لأعضاء مجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله منذ 25 يوليو/ تموز الماضي، والإعلان عن تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ تدابير استثنائية".

وأوضح المتحدث ذاته أن "الطعون صدرت في أغلبها عن نواب البرلمان المعلقة أشغاله، إلى جانب عدد من نواب المجلس الوطني التأسيسي الذين قدموا أساساً طعوناً في الأمر الرئاسي عدد 117 برمته".

وحول اختصاص المحكمة الإدارية في إيقاف قرارات الرئيس من عدمه، كان الغابري قد أكد أن "الإقرار باختصاص المحكمة الإدارية من عدمه يبت فيها القضاء الإداري، الذي لا يمكن استباق أعماله وجلساته"، بحسب تفسيره.

المساهمون