"النفط" عنوان التدخّل في جنوب ليبيا

21 ديسمبر 2014
احتمالات متعددة لمستقبل الجنوب (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
وجّهت دول الساحل الإفريقي الخمس (تشاد، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، السنغال)، في ختام قمّة لها في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، يوم الجمعة، نداء إلى مجلس الأمن الدولي، من أجل "تشكيل قوة دولية، بالاتفاق مع الاتحاد الافريقي، للقضاء على الجماعات المسلّحة والمساعدة في المصالحة الوطنية، وإقامة مؤسسات ديمقراطية مستقرة في ليبيا".

وسبق النداء، مطالبة رؤساء تشاد ومالي والسنغال، على هامش اجتماع بالعاصمة السنغالية داكار قبل أيام، الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بالتدخّل عسكرياً ضد ما سموه "معاقل الجماعات الجهادية بجنوب ليبيا"، والتي رأوا فيها تهديداً لأمن المنطقة بالكامل.

وبحسب ما جاء في موقع صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، في تقرير لها الجمعة، فإن "اجتماع نواكشوط كان بتدبير فرنسي ودعم أميركي، عقب عملية سيرفال، التي نفذتها فرنسا في مالي سنة 2013. وهدف الاجتماع إلى ضمان تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الخمس، والتخطيط للعمليات العسكرية وتشكيل قوات مشتركة".

وتدور الدول الإفريقية الخمس التي طالبت بالتدخّل عسكرياً بليبيا في الفلك الفرنسي، بحكم التاريخ الاستعماري والعلاقات الاقتصادية والسياسية، وهو ما يفسر موقفها المخالف لما درجت عليه هذه الدول، من رفضٍ للتدخل الأجنبي في شؤونها. وتُعدّ هذه البلدان ضعيفة مؤسساتياً وعرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية، حتى إن البلدان الافريقية نفسها، كانت ترفض التدخل عسكرياً في ليبيا، خشية أن تتخذ الدول الكبرى القرارات الأممية مطية للإطاحة بأنظمة الحكم فيها.

وثمّة تفسير آخر، يورده بعض المراقبين الليبيين، لهذا الاندفاع الإفريقي نحو التدخل المسلح في الشأن الليبي، إذ تملك ليبيا من أيام نظام العقيد معمر القذافي، استثمارات بمليارات الدولارات، في قطاعات السياحة والاتصالات والنفط.

وتهدف هذه الدول في حالة التدخل العسكري في ليبيا وتوجيه ضربات، إلى انهيار كامل للدولة الليبية، ومن ثم إمكانية التلاعب باستثماراتها أو تأميمها، فتمنحها الحرب الوقت الكافي لإعادة جدولة هذه الاستثمارات.
إلا أن استخدام فرنسا لهذه الدول في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، من خلال البوابة الليبية الجنوبية، هو الدافع الأكبر وراء تحرّكها. إذ تحصر فرنسا اهتمامها بالجنوب الليبي، الذي كان تحت سيطرتها قبل الاستقلال، أوائل خمسينيات القرن الماضي.

وما يهمّ فرنسا في الجنوب الليبي حالياً، هو السيطرة على منافذ التهريب والتحكم فيها، بحيث تتمكن من مواجهة شبكات تهريب السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية، وتجفيف منابع تمويل الجماعات المتشددة التي تتغلغل في العمق الإفريقي من خلال الجنوب الليبي.

كما لا يمكن لصانع القرار الفرنسي، تجاهل الاستثمارات الهائلة في مجال النفط والطاقة واستخراج المعادن والمواد الأولية، التي يحظى بها جنوب ليبيا، كأحد المصادر الهامة للاقتصاد الفرنسي في حال خضوعه للهيمنة الفرنسية، بحجة الحرب على الإرهاب.

لكن هل ستستطيع فرنسا توظيف الدول الإفريقية المجاورة لليبيا، والدائرة في فلكها في السيطرة على الجنوب الليبي، في مقابل صفقات متبادلة بين فرنسا وهذه الدول؟ يرى بعض المحللين أن "المشروع الفرنسي في ليبيا يصطدم كثيراً بمشاريع غربية أخرى، كالمشروع الأميركي القائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على محاربة الإرهاب واستقرار الأوضاع في المنطقة".

وترى الولايات المتحدة أن "خطر الجماعات المتشددة بليبيا، يمكن احتواءه من دون تدخل عسكري غربي، يفاقم من خطورتها في منطقة شاسعة، لا يمكن ضبط حدودها، وخصوصاً أن دول طوق ليبيا، الإفريقية منها والعربية، تواجه كثيراً من المشاكل الداخلية، التي تُصعّب من إمكانية مساندة هذه الدول لأي عملية عسكرية محتملة".

وتحاول فرنسا تحقيق طموحات امتدادها في العمق الإفريقي والهيمنة على الجنوب الليبي من بوابة التدخل العسكري الغربي، أو الإفريقي، تحت مظلة قرارات دولية، وهو ما تراه الولايات المتحدة وبريطانيا مغامرة كبيرة يصعب الرهان عليها، في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ بها المنطقة برمتها.

لا شك أن الاتحاد الإفريقي والمؤسسات المنبثقة منه، والمعنية بشؤون الاتحاد، أضعف من أن تتخذ قراراً بشأن التدخل في ليبيا عسكرياً، إلا أن المطالبة بهذا التدخل، قد يُضاف كورقة، إذا ما تمّ تقرير التدخل عسكرياً في ليبيا. فكل الخيارات مفتوحة في بلد أصبح الانهيار عنوانا رئيسيا لكل مؤسساته السياسية والأمنية.
دلالات