فلسطينيو سورية في مصر... "جاء دورنا"

فلسطينيو سورية في مصر... "جاء دورنا"

15 مايو 2014
الأمل بالعودة لا يزال يراود قلوبهم (أرشيف/Getty)
+ الخط -

علي، مريم ونسرين. فلسطينيون لم يروا تراب وطنهم قط، جمعهم مخيم اليرموك في سورية، حيث وُلدوا قبل أن يُهجّروا منه.

نكبتهم نكبتان: الأولى عاصرها أجدادهم وآباؤهم منذ 66 عاماً، والأخرى تذوقوا غصّتها بأنفسهم منذ أكثر من عام ونصف العام، ولكن لا يزال الأمل بالعودة وتقبيل تراب فلسطين يراود "قلوبهم".

"فلسطيني إرهابي"

علي الأسدي، وُلد في مخيم اليرموك في سورية من أسرة تنتمي إلى مدينة صفد الفلسطينية المحتلة. يقول علي، لـ"العربي الجديد": كنت أملك محلاً للهواتف المحمولة في المخيم، وكنّا نعيش بشكل جيد، إلى أن بدأت الأحداث تتوالى، وبدأنا نسمع أصوات الانفجارات، ولكنها كانت بعيدة عنّا، ولم نكن نتوقع أن تصل إلينا.

ويوضح الأسدي: "كنا فلسطينيين محايدين، فلا نحن مع نظام بشار الأسد، ولا نحن مع الجيش السوري الحر، ولكن أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة، كان مع النظام السوري، ومن هنا حدث الانقسام بين الفلسطينيين، فقد تفرّق الفلسطيني ورفيقه، واحد في الجيش الحر والثاني في الجيش النظامي".

ويشير علي إلى أن أحمد جبريل "أبلغ أهالي المخيم أن مهمة عناصر تنظيمه ستكون دفاعية، ولكنه سلّم بعض الشباب السلاح، وقال لنا ستخرجون بضعة أيام وتعودون ثانية".

ويتذكر الأسدي كيف خرج من المخيم: كنتُ جالساً أمام محلي أشرب الشاي مع شقيقي، ومرّ علينا ملثمون من الجيش الحر، وفي دقيقتين أغلقوا لنا المحل، وبعدها بأقل من يوم، قصف طيران الجيش النظامي المخيم.

ويشرح الأسدي، الذي اتخذ قراره سريعاً بالخروج من المخيم مع زوجته وولديه ووالديه وجدته، أنهم ركبوا السيارة "وخلفنا بمسافة قليلة سقط صاروخ على مسجد عبد القادر الحسيني، إذ تم قصفه من قبل طيران النظام، وقتل الكثير من جيراننا وأصدقائنا الذين كانوا يحتمون فيه".

قرار الخروج من المخيم كان صعباً على الأسدي، إذ خرجوا من دون أخذ أي من أغراضهم معهم "وذهبنا لمدينة جرمانا في ريف دمشق، حيث لا يزال أبي وأمي وجدتي هناك، بعدما رفضوا المجيء معي إلى مصر"، لأنهم رفضوا تكرار ما فعلوه مرة أخرى ومغادرة سورية، "فلنمت هنا، لن نترك الأرض".

ويقول الأسدي، الذي لا يزال يتجرع معاناة جديدة في مصر، إن "زوجتي سورية، ومن حقها الحصول على المساعدة التي توفرها هيئة الإغاثة الإسلامية هنا للسوريين شهرياً، ولكنها ذهبت مرات عدة، وفي كل مرة يرفضون إعطاءها المساعدة، وفي آخر مرة ذهبت فيها وجدت أحد الموظفين يكتب على ملفها: الزوج فلسطيني إرهابي".

ويختم الأسد حديثه بالقول: "مع أني لم أرَ فلسطين، لكنني إذا خُيّرت بين العودة إليها أو العودة إلى سورية فسأختارها، فهي بلادي ودمي".

الجوع أكبر ظلم

مريم إبراهيم خطاب، ولدت هي الأخرى في مخيم اليرموك، ولكن أهلها كانوا يشرحون لها، منذ الصغر، أن لبلدها قضية مأساوية. تروي مريم ما حدث معها وأسرتها، وتقول إن الأحداث في سورية بدأت "ولم نخرج إلا بسبب الظلم والجوع"، بعدما توفي زوجها منذ ثلاثة أشهر في مخيم اليرموك بسبب الجوع.

وتتابع مريم: أتيتُ إلى مصر، لكن أبنائي جميعهم، وهم 4 شبان وابنتان، ذهبوا مع أزواجهم إلى دمشق، فهم ممنوعون من دخول مصر، وأنا لن أتمكن من العودة لسورية بسبب الحرب.

وتوضح زوجة الشهيد  أن "سورية كانت جميلة، زوجي كان لديه محل موبيليا، وكنا مستورين، وأتيت بعد تدهور الأحداث إلى مصر، والآن لا أتمنى شيئاً سوى العودة لفلسطين، لأقبّل تراب وطني".

مريم التي تعيش بمفردها في مدينة السادس من أكتوبر في القاهرة، وتعيش من المساعدة التي تعطيها لها السفارة الفلسطينية في القاهرة، تختصر مأساتها مع أقرانها بالقول: "نحن شعب جبار، تحملنا نكبتين والحمد لله صامدين، وإيماننا بالله كبير".

لا عمل ولا تعليم

نسرين محمد المصري، ابنة مخيم اليرموك كانت لها قصة أخرى. تكشف نسرين أنها قدمت إلى مصر منذ عام وثلاثة أشهر مع أبنائها الخمسة، وتركت زوجها محمود المصري في المخيم، "فقد كان مؤيداً لنظام (الرئيس بشار) الأسد، ولكني فوجئت باعتقاله من قبل النظام منذ أكثر من 8 أشهر ولا أعرف عنه شيئاً".

عمليات القصف والاشتباكات وقتل المدنيين في مخيم اليرموك جميعها أصابت نسرين بأزمة نفسية بدأت تتعافى منها أخيراً.

وتضيف نسرين: "كان لدينا محل جِزارة، وكنا سعداء، وحياتنا كانت جميلة، ولكن ما حدث في المخيم ذكّرني بفلسطين، فجاء دورنا اليوم".
لم يكمل أطفال نسرين تعليمهم بسبب الصعوبات المادية، ولذلك اضطر ابنها الأكبر، 16 عاماً، أن يعمل في أحد محلات الجزارة في مدينة السادس من أكتوبر، فيما لا تزال هي تبحث عن عمل حتى الآن.

وتوضح نسرين أنه "حتى هنا في مصر، يوجد تفرقة بين السوري والفلسطيني، فالأول له مساعدات شهرية من جهات مختلفة، أما نحن فلنا الله".

ويبلغ العدد الحالي لفلسطينيي سورية، الموجودين في مصر والمسجلين لدى السفارة الفلسطينية بالقاهرة، 3265 لاجئاً، إذ تقوم السفارة بتقديم مساعدات لهم، وتسدّد رسوم مدارسهم، ودفع إيجار السكن لبعضهم، في حين يتم الدفع نقداً وفقاً لظروف كل أسرة.