الأحزاب الجزائرية تغيب في ظلّ أزمة كورونا

09 ابريل 2020
أخلت معظم الأحزاب الساحة للحكومة لمواجهة كورونا (فاروق باتيش/الأناضول)
+ الخط -

تكاد أزمة تفشي وباء كورونا أن تجمّد العمل الحزبي والسياسي في الجزائر، إلا بشكل قليل. ففي خضم هذه الأزمة، غابت كثير من الأحزاب عن المشهد المحلي تماماً، وأخلت الساحة للحكومة لإدارة الأزمة، على الرغم من أنّ ظروفاً كهذه تستدعي مساهمة القوى السياسية في إسناد السلطة التنفيذية، وطرح بدائل ومقترحات للتخفيف من حدة الوضع، ومراقبة الأداء الحكومي والتنبيه إلى أوجه التقصير المحتملة.

وفي الوقت الذي كانت فيه الأحزاب الجزائرية تستعد لبدء مناقشة مسودة تعديل الدستور التي انتهت اللجنة الدستورية من صياغتها، ودخول مرحلة حيوية من النقاش السياسي الساخن، جاءت أزمة كورونا لتلغي ذلك وتفرض حالة من الصمت السياسي. وقليلة هي الأحزاب الجزائرية التي كيّفت نشاطها الحزبي مع طبيعة الأزمة الوبائية، واستمرت في التفاعل مع الأحداث والتطورات المتعلقة بالأزمة وتداعياتها وآفاق ما بعدها. وإذا كانت تدابير الحجر الصحي قد عطّلت كل نشاط سياسي، فإنّ ذلك كرّس في المقابل هيمنة السلطة التنفيذية على كل نواحي الحياة السياسية في البلاد، وكشف ضعفاً هيكلياً لدى الأحزاب التي بدت في غالبيتها عاجزة عن مواكبة أدوات الإدارة الرقمية للعمل في مثل هذه الظروف.

يستثني رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، في ندوة صحافية افتراضية عقدها قبل يومين، حزبه من لائحة الغياب، قائلاً "لا يجوز التعميم، نحن نقوم بعمل متواصل منذ بداية الأزمة، وعبر الإدارة الإلكترونية نعمل ليل نهار لمواجهة كورونا، وندير شبكة كبيرة من الهياكل والجمعيات والمنظمات للمساعدة في تسيير وتخفيف أعباء الوباء. كما أنّ مناضلينا موجودون في الميدان للعمل على مواجهة الأزمة"، مضيفاً أنّ "الظرف غير مناسب للحديث عن إنجازات هياكلنا في الميدان".

في الإطار ذاته، قال المتحدث باسم "مجتمع السلم"، عبد الله بن عجمية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحجر الصحي فرض علينا تعطيل الاجتماعات والأنشطة الحضورية، لكن مع ظرف الأزمة الوبائية لم يكن ممكناً أن نغيب عن الساحة، ولذلك واصلنا اجتماعاتنا المركزية ومع هياكلنا في الداخل وفي الخارج باستخدام الرقمنة، ونتابع كل تفاصيل أزمة كورونا وتداعياتها".

أمّا حركة "البناء الوطني"، التي كان مرشحها عبد القادر بن قرينة قد حلّ ثانياً في آخر انتخابات رئاسية جرت في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فتحاول البقاء في المشهد، خصوصاً أنها تدير أيضاً شبكة موازية من الجمعيات والفعاليات الخيرية. كما كانت السباقة في الدعوة إلى هدنة سياسية واجتماعية بين السلطة وكافة المكونات الوطنية بسبب الأزمة، واقتراح صندوق تضامني والعمل مع بعض الجمعيات. وقال رئيس الحركة، عبد القادر بن قرينة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "البناء الوطني حرصت على مواكبة الأزمة الوبائية منذ اللحظة الأولى، وهذا دورنا، وقيادات الحركة وكوادرها موجودون في الميدان لدعم كل جهد في هذا الظرف". ولفت بن قرينة إلى نموذج لأحد نواب الحركة في البرلمان، وهو عبد الحميد تواقين، الذي فضل العودة إلى مهنته الأصلية كطبيب، والعمل كمتطوع في أحد المستشفيات الحكومية.

أكثر الأحزاب التي غيبتها أزمة كورونا هي أحزاب الكتلة الديمقراطية، التي استهلكت طاقتها السياسية في الحراك الشعبي، إذ ركنت إلى الهامش بعد تعليق التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية، كـ"جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" وحزب "العمال" و"الحركة الاجتماعية الديمقراطية"، والتي يقتصر حضورها في هذا الوقت على متابعة تطورات قضايا الناشطين والملاحقات الأمنية والقضائية بحقهم. وزاد عدم امتلاك هذه الأحزاب لأذرع أهلية ومدنية يمكن أن تلعب دوراً في مواجهة أزمة كورونا، من ضيق مساحات تحركها في زمن الأزمة.

الأحزاب الموالية للنظام السابق التي كانت تملأ الساحة بالصخب السياسي، وعلى الرغم من أنها ما زالت تهيمن على البرلمان والمجالس المحلية، إلا أنها توارت تماماً خلف الأزمة بانتظار مصيرها السياسي المحتوم في أول استحقاق انتخابي، في ظلّ قطيعة شعبية أحدثها الحراك الشعبي مع هذه الأحزاب. فثلاثة منها، هي "جبهة التحرير الوطني" و"الحركة الشعبية الجزائرية" و"تجمع أمل الجزائر"، في حالة عطب تنظيمي وهيكلي بفعل وجود كبار مسؤوليها في السجن، وملاحقة عدد من كوادرها في قضايا فساد، إذ إنّ اثنين من الأمناء العامين لحزب "جبهة التحرير" موجودان في السجن، وهما جمال ولد عباس ومحمد جميعي، فيما الأمين العام لـ"الحركة الشعبية" عمارة بن يونس، ورئيس "تجمع أمل الجزائر" عمار غول، هما أيضاً رهن الاعتقال. أما "التجمع الوطني الديمقراطي"، فهو الوحيد الذي ضمن انتقال مقاليد القيادة من الأمين العام الموقوف في السجن في قضية فساد، أحمد أويحيى، إلى وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، لكن ذلك لم يغيّر من وضع الحزب الذي توارى أيضاً.

ويعتقد مراقبون أنّ غياب الأحزاب السياسية في الجزائر عن مشهد الأزمة، مرتبط بعدم وجود تقاليد حزبية للعمل في مثل هذه الظروف من جهة، ولكونها تعتبر أنّ الظرف فرض عليها إخلاء الساحة للحكومة، منعاً لتفسير مواقفها على أنها استغلال للأزمة. وفي هذا الإطار، رأى المحلل السياسي بن ناصر عدادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الأمر يتعلّق "بغياب التقاليد من جهة، وترسخ مفهوم ملتبس في العمل السياسي في الجزائر بسبب طبيعة النظام الحاكم، إذ تعتبر الأحزاب نفسها غير مسؤولة عن إدارة الأزمة، وتنخرط تلقائياً في أقصى الحالات في إصدار بيانات دعم للحكومة، مع أنّ الظرف يقتضي أن تتواجد عبر طرح بدائل ومقترحات مفيدة تخفف من كلفة الأزمة، أو إبداء الملاحظات الضرورية في حينها بالنسبة لأداء الحكومة وتسييرها للأزمة، والانتقادات حتى".

وأضاف عدادي: "يفترض أنّ الحزب السياسي يملك قواعد محلية قريبة من العمق الشعبي، حيث تتجلى تداعيات الأزمة بشكل أكثر وضوحاً، مثلاً في تموين الناس وتوزيع المساعدات، بما يساعد الحزب على تشكيل صورة أوضح عن أداء الحكومة وحجم الأزمة، وهذا دور محوري للأحزاب قاعدياً"، متوقعاً أن تراجع الأحزاب أدوات عملها في مرحلة ما بعد كورونا على أكثر من صعيد.

وإضافة إلى استسلامها للوضع، فإنّ جزءاً كبيراً من الأحزاب السياسية في الجزائر تعاني من ضعف لافت في استخدام الرقمنة لإدارة العمل السياسي في ظروف كهذه، فضلاً عن ضعف كبير في التعاطي مع التكنولوجيا الاتصالية، وهو ما كشفته أزمة كورونا بوضوح، ما غيّب هذه الأحزاب السياسية عن المشهد، وعن لعب أي دور في دعم المجهود الحكومي والمراقبة في إدارة الأزمة الوبائية.

ويتزامن غياب الأحزاب السياسية عن الأزمة الوبائية مع غياب لافت للبرلمان الجزائري أيضاً، إذ كان الأخير قد قرّر تعليق كل جلساته العامة وأعمال اللجان القطاعية، منذ منتصف مارس/آذار الماضي بسبب فيروس كورونا، ولم يعقد أي نشاط نيابي منذ تلك الفترة، بما في ذلك لجنة الصحة التي من المفترض أن تتابع تطورات الأزمة، عدا لقاء وحيد لها مع وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد في وقت سابق. وهو ما دفع كتلاً نيابية إلى المطالبة أخيراً بإعادة تفعيل العمل النيابي وعقد جلسات عامة واجتماعات اللجان النيابية، باستخدام التكنولوجيا الرقمية، بما يتيح للنواب متابعة الأزمة الوبائية، والقيام بمسؤولياتهم الرقابية، والمساهمة في المجهود العام للدولة ومساءلة الحكومة بشأن أي إخفاقات في ذلك.

وفي السياق، قال النائب في البرلمان أحمد صادوق، لـ"العربي الجديد"، إنه فوجئ "شخصياً بأنّ رئيس المجلس جمّد نشاطه من دون استشارة النواب"، مضيفاً أنه "في الوقت الذي يفترض فيه تجنيد كل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة التشريعية، يجري التجميد وإدخال المجلس في حالة ركود، وهو ما جعل النواب في مرمى انتقادات كثير من الساخطين". وأشار إلى أنّ "هناك مساعٍ لاستدراك الأمر. لقد طلبنا رسمياً من المجلس أن يتحمّل مسؤوليته ويتأقلم مع هذه الأوضاع الطارئة حتى نتجاوز معاً هذه الأزمة".