معركة انتخابات باريس تَعِدُ بحملة قاسية: تسريبات وقضايا تقصير

18 يوليو 2019
غريفو يقدم نفسه مرشحاً قوياً (ستيفان دي ساكوتين/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت الحملة الانتخابية للتنافس على منصب عمدة باريس مبكراً، واشتدت أكثر منذ انتخاب الأغلبية الرئاسية، ممثلة بحزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام" للمرشح بنجامان غريفو، من أجل إطاحة العمدة الحالية الاشتراكية آن هيدالغو.

ويحاول غريفو مسح الآثار الجانبية التي طبعت انتخابه من قبل اللجنة الوطنية للانتخابات، ودون اللجوء إلى انتخابات فرعية، كما فعل الحزب الاشتراكي و"الجمهوريون" من قبل، التي أثارت امتعاض المرشح سيدريك فيلاني، الذي تحدّث علانيةً عن غريفو باعتباره مرشحاً مفروضاً سلفاً، مفضِّلاً لحدّ الساعة تأجيل موقفه الرسمي من ذلك.

ولكن غريفو يجد صعوبة في التخلص من الصورة المعروفة عنه كشخص متكبّر، ولا يحترم خصومه، كما كان حين عمل ناطقاً باسم الحكومة، رغم أن الفوز ببلدية كبرى كباريس يُحتّم كثيراً من التواضع في مخاطبة الخصوم والباريسيين أيضاً، وهذا ما أفلحت فيه إلى حدّ ما هيدالغو.

ومما يعقد خطوات غريفو، نشر الصحافة تصريحات سابقة له مُهينة لمنافسيه، لم تكن موجَّهَة للرأي العام. ولا شك بأن ذلك سيؤثر عليه سلباً، رغم أن استطلاعات الرأي كانت تمنحه في نهاية شهر يونيو/ حزيران الصدارة في السباق بـ25 في المائة من نيات التصويت، متفوقاً على هيدالغو، التي حصلت على 21 في المائة، وعلى مرشحة "الجمهوريون"، التي سحبت ترشحها رشيدة داتي، 15 في المائة.

ومن بين هذه التصريحات التي تحاكي فلسفة ماكرون قوله: "خلافاً لما يُردده كل المخبولين منذ عشرين سنة، لا يمكن الفوز ببلدية باريس بالاعتماد على اليسار، ولكن بالاعتماد على الوسط. ومن أجل الفوز بالوسط، يجب أخذ أصوات من اليمين".

وفي تصريح آخر لم يكن موجَّهاً للجمهور الباريسي، يعترف غريفو بأن تعيين فرانك ريستر، وهو من تيار "Agier" (تيار يجمع القادمين من حزب "الجمهوريون" اليميني، الذين يجدون نوعاً من القرب مع سياسات ماكرون)، في الوزارة (وزارة الثقافة)، لم يكن محض صدفة، بل من أجل إبعاد ممثلي هذا التيار، ومن بينهم بيير-إيف بورنازيل، الذي لم يُخْفِ، قبل أسابيع، رغبَته في الترشح لمنصب عمدة باريس، عن الترشح. وسرّب عن غريفو في هذا الصدد: "من يمسك بأهداب بورنازيل منذ البداية سواي؟".

وليس سرّاً على أحد، أن هذه التصريحات تكشف أن غريفو كان مرشَّحاً منذ البداية، وهو ما يعزز يقينَ منافسيه داخل الأغلبية الرئاسية، ومن بينهم فيلاني، أن عمل "اللجنة الوطنية للانتخابات" كان صورياً فقط.

ولا شك بأن هذه التسريبات هي في صالح العمدة الحالية هيدالغو، التي ترى كل تعثر في خطى منافسها ومرشح الرئيس ماكرون الأكثر خطورة، يصب في صالحها، على الرغم من أن الانتخابات لا تزال بعيدة، وستجرى في مارس/ آذار 2020.


احتمالات الفوز

لا يزال بإمكان هيدالغو الفوز ثانية في الانتخابات، إذا استطاعت استغلال عثرات المرشح غريفو، وأيضاً عقد اتفاقات في الدورة الثانية مع مرشحي اليسار المتعدد، وخاصة الإيكولوجيين الذين استعادوا كثيراً من شعبيتهم بعد إنجازهم الكبير في الانتخابات الأوروبية، وأيضاً الشيوعيين.

وإذا كانت كثير من الأحزاب ستدخل الانتخابات في الدورة الأولى، إلا أن أكثرها خطراً على العمدة الحالية، هو "الأغلبية الرئاسية"، الذي يمثله غريفو، والذي يحظى بدعم مباشر من حزبي الوسط "موديم" و"اتحاد الديمقراطيين المستقلين"، بينما يعرف حزب "الجمهوريون" اليميني، صراعات داخلية عميقة، ونزفاً يدفع بعض ممثليه الباريسيين، الذين يَعتبرون حصيلة هيدالغو، كارثيةً.

أما الشيوعيون، فلا يخفون أنهم يريدون التفاوض مع العمدة لتعزيز مكانهم في التحالف معها، وهو أيضاً موقف الإيكولوجيين، الذين يأملون تحقيق نتيجة مهمة في الدورة الأولى، وهو ما يعني طلب تنازلات كبرى من طرف هيدالغو، أي الحصول على مناصب مهمة وفعّالة في البلدية، وهو ما يعني تطبيق كثير من مقترحاتهم.

وتبقى حركة "فرنسا غير الخاضعة"، هي الوحيدة التي تريد هزيمة آن هيدالغو ومنع غريفو من الفوز، لكنّ مرشحتها دانييل سيموني، لا تجمع من حولها الحشود، وقد حصلت سنة 2014 على أقل من 5 في المائة من الأصوات.

في حين أن اليمين المتطرف، ممثلاً في "التجمع الوطني"، يجد صعوبة في فرض نفسه في العاصمة، كما يفعل في مدن وجهات أخرى، وكان قد حصل في الانتخابات السابقة على 6,26 في المائة.

تفرك عمدة باريس الحالية يديها، ابتهاجاً بأخطاء غريفو، فـ"عدوّ غريفو، كما يقول كثيرون هو غريفو نفسه". ولكنها، وإن كانت ضمنت أصوات كثير من اليهود الباريسيين، إلا أن أصواتاً كثيرة، بينهما جمعيات داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، تطالب بمعاقبتها في الانتخابات القادمة، والكثيرون منهم، لا يُبعدون احتمال قبول ودعم فوز غريفو، ويرونه أقل صهيونية من عمدة لم تفوّت أدنى فرصة لدعم إسرائيل وسياساتها.


ولكن حصيلة العمدة في كل الميادين، التي سيتم تحليلها من قبل منافسيها وخصومها بالمجهر، لن تكون سهلة. وفي آخر المؤاخذات، ما كشفه موقع "ميديا بارت"، اليوم الخميس، من أن البلدية أخفت حقيقة تلوث بمادّة الرصاص أصاب مدارس، بعد الحريق الذي تعرضت له كاتدرائية نوتردام. وهو ما يعني أن البلدية لم تنفّذ تطهيراً عميقاً لمحيط الكاتدرائية، معتَبِرَةً أن "الرصاص لم يتجاوز العتبات القانونية" وهو موقفٌ اعتبرته العالِمة آني تيبو-موني "كذبة إجرامية".

دلالات
المساهمون