اليمين المتطرف يخطف الانتخابات والإيكولوجيون ثالث قوة سياسية بفرنسا

اليمين المتطرف يخطف الانتخابات والإيكولوجيون ثالث قوة سياسية في فرنسا

27 مايو 2019
تمكنت لوبان من قيادة حزبها لفوز جديد (فرانس برس)
+ الخط -

لا توجد أية مفاجأة فيما يخص الفائز الأول الكبير في الانتخابات الأوروبية في فرنسا، فحزب "التجمع الوطني" حقق نفس النتيجة تحت اسم "الجبهة الوطنية" سنة 2014، وأرسل 24 نائباً إلى البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ.

وهذه المرة أعاد الحزب الكرَّة، محققاً ما يقترب من 24 في المائة. ولكن الشيء الذي منح كثيراً من التشويق هو سعي الرئيس ماكرون ومارين لوبان إلى جعل هذه الانتخابات "مبارزة" بينهما، فلوبان تريد هزيمة الرئيس وماكرون يريد هزيمة اليمين المتطرف.

أُشهرت في المبارزة كل الأسلحة، إلى درجة أن الرئيس تعهد بهزيمة لوبان، وهو ما لم يستطع تحقيقه، وحلّ حزبه ثانياً، بنسبة 22 في المائة، والنتيجة في حد ذاتها تعتبر هزيمة للرئيس، وهو ما جعل قياديي "التجمع الوطني"، يطالبون الرئيس ماكرون باستخلاص العِبَر، وهو ما يعني حلَّ البرلمان.

الرابحون:
الرابح الأكبر هو "التجمع الوطني"، فيما حققت حركة رئيس الجمهورية نتائج متقاربة مع ما حققه المرشح ماكرون في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية سنة 2017.

ولكن الرابح الذي لم تتوقعه استطلاعات الرأي، فهو حزب الإيكولوجيين، الذي قاد يانيك جادو، لائحته الانتخابية، محققاً المرتبة الثالثة، بنسبة تقترب من 13 في المائة. وكانت التوقعات تمنحه الرتبة الخامسة، بعد "الجمهوريون" و"فرنسا غير الخاضعة".

الخاسرون الكبار:
على رأسهم حزب "الجمهوريون"، الذي قاد حملة انتخابية نشيطة، وخاصة رئيس اللائحة الفيلسوف، بيلامي، الذي حل رابعاً، بنسبة 8 في المائة، وهي نتيجة كارثية ومخيّبة، خصوصا، إذا علمنا أن طموح الحزب كان يتمثل في منازعة المتصدرَين، وأيضا، بسبب قوته الكبرى في البرلمان، بنوابه المائة، وبأغلبيته الساحقة في مجلس الشيوخ. ويبدو، باعتراف كثير من قيادييه أن خسارته كانت بسبب "التصويت المفيد"، الذي استفادت منه مارين لوبان، في ركوبها على موجة "السترات الصفراء" ومقارعتها لسياسات ماكرون.

وحمّل فوكييز، رئيس الحزب، الرئيس ماكرون مسؤولية تحويل الحملة الانتخابية إلى عملية "شيطنة اليمين المتطرف"، استفاد منها اليمين المتطرف، وحقق الانتصار فيه.

والخاسر الثاني الأكبر، هو حركة ""فرنسا غير الخاضعة"، التي لم تستطع أن تعيد نتائج ميلانشون في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وبالتالي فإن حلول الحركة في الرتبة الخامسة، وخاصة بعد الإيكولوجيين، الرتبة الثالثة، يحرم الحركة من لعب دور ريادي كانت تطمح إليه من أجل تجميع اليسار في الانتخابات القادمة، البلدية والرئاسية.

وتعتبر نسبة 6 في المائة فشلاً كبيراً للحركة، التي كانت استطلاعات الرأي تمنحها نسباً ما بين 8 و10 في المائة.

وفيما يخص الاشتراكيين، فعلى الرغم من نتيجتهم، التي تتجاوز 6 في المائة، وهي أفضل من نتائج الحزب في رئاسيات 2017، وعلى الرغم من تواضعها، إلا أن الأمل الذي عبر عنه رئيس اللائحة، الفيلسوف رافائيل غلوكسمان، قد تحقق، وهو إرسال نواب إلى البرلمان الأوروبي، بعد أن كان المراهنون المتشائمون يتوقعون فشلها في الوصول إلى نسبة 5 في المائة، وهي نسبة ضرورية لإرسال نواب إلى البرلمان الأوروبي.

يبقى أن نشير إلى أن المشهد السياسي الفرنسي تشظى بشكل غير مسبوق. فلأول مرة يفشل الحزبان التقليديان الكبيران، "الجمهوريون"، ممثلين لليمين التقليدي، والاشتراكيون، في تجاوز عتبة 10 في المائة. في حين أن الإيكولوجيين، أصبحوا، إن شاؤوا، أن يكونوا قاطرة لليسار الفرنسي، وهي مهمة صعبة، للغاية، بسبب الصراعات العميقة بين قادة اليسار.

وإذا شئنا أن نحصي نتائج اليسار كله، بما فيه الحزب الإيكولوجي، فهي نتائج تصل إلى 30 في المائة، وهي نتيجة محترمة.

وبلغة الأرقام فالأحزاب الفرنسية سترسل 79 نائباً إلى ستراسبورغ، حصة "التجمع الوطني"، منها، 24 نائباً برلمانياً، وهي نفس حصته السابقة في البرلمان المنتهية ولايته، في حين أن حركة الرئيس إيمانويل ماكرون سترسل 22 نائباً، والإيكولوجيون سيحصلون على 13 نائباً، وأما "الجمهوريون"، فسيحصلون على 8 نواب، وأخيراً، ستحصل "فرنسا غير الخاضعة" و"الاشتراكيون وحلفاؤهم" على 6 نواب لكل واحد منهما.

الدروس المستفادة:

إذا استثنينا الرضا الذاتي الذي عبر عنه حزب "التجمع الوطني"، بحصوله على الصدارة المريحة، التي تجعل منه حزب المعارضة الأول، فإن هذه النتائج ستحدث كثيراً من التحولات داخل الأحزاب الأخرى.

فحركة الرئيس ماكرون، اعترفت، على لسان رئيس الحكومة، مساء اليوم، بأنها لم تنتصر، لأنها حلّت ثانية، وهو ما يستوجب قراءة هذه النتائج، على الرغم من استبعاد أي تعديل حكومي.


ولكن اليمين الفرنسي التقليدي، "الجمهوريون"، الخاسر الأكبر، لن يخرج سالماً من هذه الهزيمة، وهو ما يهدد قيادة الحزب فوكييز، الذي لن يستطيع مواصلة فرض نهجه المتشدد على التيارات الأخرى، وهو ما يستوجب استعادة الحزب للشخصيات المبعدة، أو التي فضلت الابتعاد، كفاليري بيكريس وجيرار لارشي، رئيس مجلس الشيوخ، من أجل استعادة توهج الحزب ومكانته الريادية.

وأخيراً، يكتشف جان لوك ميلانشون، هذا المساء، أن خطه السياسي "الاستعلائي" لم يُؤت نتائجه في معظم الاستحقاقات الانتخابية، كما أن تسلطه وروح الهيمنة التي يعبر عنها، أو التي تشعر بها قوى اليسار الأخرى، ينفّر منه قوى اليسار، على الرغم من الأيدي الممدودة لقياديين يساريين، سواء في الحزب الاشتراكي أو الشيوعي، أو حركة "أجيال"، من أجل استعادة الوحدة في مواجهة سياسات ماكرون واليمين بشقيه التقليدي والمتطرف.

ولعلّ تحقيق أنصار ميلانشون والاشتراكيين لنتائج متقاربة، 6 نواب لكل منهما، قد يشجعهما على بداية الحوار في مسار الاتحاد، الطويل الأمد. ​