تهدئة مع المعارضين تسبق زيارة السيسي إلى واشنطن

تهدئة مع المعارضين تسبق زيارة السيسي إلى واشنطن

31 مارس 2019
السيسي وترامب في البيت الأبيض عام 2017 (Getty)
+ الخط -
يدرك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أن الدعم الذي يتلقاه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سيلتقيه في 9 إبريل/نيسان المقبل في البيت الأبيض، لن يعفيه من مواجهة انتقادات وأسئلة حول وضع حقوق الإنسان في مصر خلال زيارته المرتقبة للولايات المتحدة، لا سيما بعد صدور أقسى تقرير من الخارجية الأميركية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر منذ أسابيع معدودة، وكذلك فتح ملفات حقوقية متعددة مع وزير الخارجية سامح شكري خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

وفي إطار محاولة تحسين صورة النظام قبل هذه الزيارة، أصدرت الدائرة المخابراتية التي تدير المشهد الإعلامي، تعليماتها بوقف الهجوم الحاد الذي شنته وسائل الإعلام الموالية للنظام ونواب الأغلبية البرلمانية "دعم مصر" على الفنانَين خالد أبو النجا وعمرو واكد. وجاءت الهجمة على خلفية مشاركة أبو النجا وواكد، إلى جانب عدد من الحقوقيين والإعلاميين والأكاديميين، في حوار أُجرِي أخيراً في العاصمة الأميركية، عن حقوق الإنسان والأوضاع السياسية في مصر، تحدث خلاله منظمو الفعالية عمّا وصفوه بـ"دسترة القمع".



وكان الإعلام الموالي للسلطة، وعلى رأسه صحيفة "اليوم السابع" المملوكة لشركة "إعلام المصريين" التي تمتلكها المخابرات، قد ردّ على حضور الفنانين بنشر موضوعات عنهما تكتظ بالادعاءات والسباب والقذف، ثم بدأ عدد من المحامين المعروفين بعلاقاتهم بالأجهزة الأمنية يتقدمون ببلاغات ضدهما، ثم اقترح عدد من النواب سن قانون لسحب الجنسية منهما ومن كل من "يستقوي بالخارج" على حد وصفهم، فضلاً عن شطب عضويتهما في نقابة الممثلين.

لكن خطوات مضادة لهذه الحملة بدأت تظهر بشكل مفاجئ قبيل الإعلان الرسمي عن زيارة السيسي، إذ رد رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، على أحد المقترحات التشريعية ضد الفنانين بمعارضة "تتبع الناس على آرائها طالما لم تكن تنطوي على دعم للإرهاب أو تحريض عليه". ويخالف حديث عبد العال السياق العام الذي يدير به الأخير البرلمان. كما يتناقض حديثه مع تصريحات السيسي قبل أيام عن "وجوب معاقبة المتعاطفين مع الإرهاب"، والذي ترجم بعد ساعات معدودة، إلى مشروع لتغليظ عقوبة الدعوة للأفكار المتطرفة حتى لو لم ترتبط بعمل إرهابي مادي في قانون مكافحة الإرهاب الصادر في أغسطس/ آب 2015.
وتقول مصادر إعلامية إنه بعد رد عبد العال بساعات، تم توجيه وسائل الإعلام بضرورة منع الموضوعات والتصريحات التي تدفع باتجاه تجريم تصرف أبو النجا وواكد وأي معارض حضر اللقاءات التي شهدتها واشنطن أخيراً واستضافتها "مبادرة الحرية" ونواب بالحزب الديمقراطي. وبحسب التعليمات، يُسمح بالهجوم عليهم بصفة شخصية والإساءة لهم، دون المطالبة بسن قوانين لسحب الجنسية المصرية منهم وغيرها من مقترحات تُدخل سلطات الدولة طرفاً في الموضوع.

ومن اللافت أن النائب الديمقراطي، توم مالينوفسكي، الذي أشرف على استضافة الفنانين، فاز بمقعده بالكونغرس عن ولاية نيوجيرسي على حساب واحد من القادة الجمهوريين الداعمين للسيسي وهو السيناتور السابق ليونارد لانس. كما أن مالينوفسكي، الذي سبق أن عمل في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قبل التحاقه بمكتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، معروف بمواقفه الثابتة دعماً للربيع العربي وحركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط.
وتشير هذه التطورات، فضلاً عن تزامن تنظيم حوار معارضي النظام مع الاستعداد لاستقبال السيسي، إلى نشاط استثنائي في الفترة الحالية للدوائر المعارضة للسيسي في واشنطن، وهو الأمر الذي تنبهت له أجهزة النظام أخيراً، التي تحاول تخفيف الضغوط المتوقعة خلال الزيارة.

وفي السياق، تؤكد مصادر في وزارة العدل أن قرار إخلاء سبيل الصحافي والباحث المصري هشام جعفر، بعد 3 سنوات ونصف السنة من الحبس الاحتياطي على ذمة قضية غير مفهومة ولا تحتوي على أي تفاصيل إلا اتهامات مرسلة بتلقي "رشوة دولية"، يأتي بهدف تحسين صورة النظام قبل سفر السيسي إلى الولايات المتحدة. وأوضحت المصادر أن "النيابة تلقت تعليمات واضحة بعدم الاستئناف على قرار إخلاء السبيل، على نقيض ما حدث مرتين سابقتين خلال فترة الحبس، علماً بأنه لم يخرج من محبسه حتى الآن وما زال يتنقل بين أقسام الشرطة.
وليس ببعيد عن هذه الخطوات ما يحصل من محاولة إيهام الرأي العام والترويج المقصود من قبل الهيئة العامة للاستعلامات، المنوطة بها مخاطبة الإعلام الأجنبي، لإخلاء سبيل أكثر من 550 شخصاً تنفيذا لقرار العفو السابق صدوره من السيسي بمناسبة عيد الشرطة وثورة يناير منذ أكثر من شهرين، علما بأن القرار يخص السجناء الجنائيين لا السياسيين.

وفي السياق نفسه، يمكن فهم سبب استضافة عدد من الشخصيات التي تعارض التعديلات الدستورية ومنحها الفرصة لعرض وجهة نظر كل منها "بترحيب" في آخر يومين للحوار "المجتمعي" الذي عقده البرلمان، على الرغم من عدم استضافة أي شخصيات معارضة في أولى وثاني الجلسات واللتين كانتا الأهم.
وتأتي زيارة السيسي إلى واشنطن قبل أيام من إجراء استفتاء التعديلات الدستورية في الأسبوع الثالث أو الرابع من إبريل المقبل. وكانت مصادر في الهيئة الوطنية للانتخابات أعلنت إجراء الاستفتاء على مدى 3 أو 4 أيام، بواقع يوم أو يومين للناخبين خارج مصر، ثم يومين للناخبين داخل مصر.

ويتوقع مراقبون اتخاذ النظام خطوات أخرى في الأيام المقبلة لتحسين صورة السيسي قبل زيارة واشنطن، لكن ليس معروفاً حتى الآن ما إذا كانت ستتضمن إصدار قانون الجمعيات الأهلية الذي تلح واشنطن عليه. وتقول مصادر حكومية، تحدثت مع "العربي الجديد" إن هذا الملف لا يزال عالقاً ولم يتم التوصل إلى نسخة نهائية من التعديلات التي وجه السيسي بإدخالها منذ 4 أشهر تقريباً، وهو ما يعزز شكوك الدوائر الغربية عامة في جدية الرئيس المصري بإجراء التعديلات. مع العلم أن وزارة التضامن الاجتماعي، المكلفة بإدارة حوار موسع حول مشروع القانون، تواصلت مع ممثلي السفارات والجهات المانحة من الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى، وتركزت ملاحظاتهم على ضرورة السماح بتدفق الدعم بعد غلق قضية التمويل الخاصة بالمنظمات الأجنبية.