تسيبراس في تركيا: خصومةٌ وعداوة توظف داخلياً

تسيبراس في تركيا: خصومةٌ وعداوة توظف داخلياً

04 فبراير 2019
يزور تسيبراس تركيا للمرة الثالثة(Getty)
+ الخط -
في زيارة هي الثالثة من نوعها، يبدأ رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، يوم غدٍ الثلاثاء، زيارة إلى تركيا تستمر يومين، ووصفت من قبل الرئاسة التركية بأنها زيارة عمل، استجابة لدعوة تلقاها تسيبراس من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وستتضمن إجراء محادثات بين الجانبين، وتناول الخطوات الواجب اتخاذها لتحسين التعاون بين البلدين وتطويره في جميع المجالات، كما تتناول أيضاً التطورات الإقليمية والدولية، حيث سيجري تبادل وجهات النظر بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وقبل وصوله إلى تركيا، أكد تسيبراس في تصريحات لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية، أنه ينبغي على بلاده بناء علاقات مع تركيا من شأنها أنّ تعود بالفائدة على الشعبين التركي واليوناني والمنطقة برمتها، وأن على المجتمع الدولي أن يقدر استضافة تركيا لاربعة ملايين لاجئ، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يبذل ما بوسعه من أجل مساعدتها.

وتحمل هذه الزيارة في طياتها، رغم المجاملات والحديث المنمق عن تطوير العلاقات وتحسينها، خلافات كثيرة، مع تنوع الملفات العالقة بين البلدين، بدءاً من العداوة التاريخية، مروراً بأزمة جزيرة قبرص، وانتهاءً بأزمة شرق المتوسط واستكشاف الغاز، ولذلك فإن أي لقاء من هذا القبيل يتم توظيفه من قبل الطرفين في السياسات الداخلية، من خلال إرسال رسائل متعددة للداخل في حسابات حزبية أكثر من لقاءات استراتيجية.

واعتاد رئيس الوزراء اليوناني زيارة الأماكن التي تعتبر هامة على الصعيد المحلي، فزيارته الأولى لتركيا في 17 و18 تشرين الثاني/نوفمبر في العام 2015، والثانية التي جرت في منتصف 2016، كان الهدف منها منع تدفق اللاجئين السوريين إلى اليونان، لكن الزيارة الأولى تصادفت مع ذكرى تظاهرات 1973 في اليونان، وتزامنت مع تظاهرات ضد التعاون في حلف الشمال الأطلسي بين تركيا واليونان، فجاءت الزيارة في ذلك التاريخ إلى اسطنبول، والتي توجت بمباراة ودية بين منتخبي البلدين، بحضور تسيبراس ورئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو، لتوظف على الصعيد الداخلي اليوناني، وللهروب من الأزمات الداخلية.

كما زار تسيبراس بطركية فنر للروم الأرثوذكس في تركيا، خلال زيارته الأولى. أما زيارته الثانية، فكانت لعقد مجلس التعاون الرفيع الأعلى الرابع بين البلدين، وتمّ اختيار مدينة إزمير، التي تحمل رمزية تاريخية باعتبارها يونانية الأصل، مكاناً لانعقاد الاجتماع، ليكون أول رئيس وزراء يوناني يزور هذه المدينة منذ 95 عاماً. إلى ذلك، تمّ الاتفاق على إنشاء خط قطار سريع من إسطنبول إلى مدينة سلانيك، ورحلات بحرية من إزمير لسلانيك أيضاً، كما اتفق على تسيير رحلات بين إزمير وأثينا بشكل مباشر عبر الخطوط الجوية التركية، وكلها في إطار رسائل مجاملة للداخل والخارج.

أما الملفات العالقة بين الطرفين، فيمكن تلخيصها بالوضع المتأزم دائماً في بحر إيجه بين سلاحي البحرية للبلدين، فضلاً عن موضوع التنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، والمسألة القبرصية، وقضية تراقيا الغربية في اليونان، والتي يتواجد فيها أتراك، وهي ملفات قد يتم تناولها خلال الزيارة المرتقبة غداً لتسيبراس، لكن من دون أن يتم التوصل إلى أي اتفاق حولها، بل سيتم الاكتفاء بإشاعة الأجواء الإيجابية بين البلدين، والحديث عن تفعيل الاتفاقيات الموقعة قبل ثلاث سنوات، من خطوط برية وبحرية إلى سلانيك.

وبحسب مصادر إعلامية تركية، فإن رئيس الوزراء اليوناني سيحاول طمأنة تركيا بأنه يعمل على تهدئة الأمور بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بالتصعيد الإعلامي الحاصل على بحر إيجه، وشرق البحر المتوسط، وخاصة لجهة الاتحاد الأوروبي، حيث تعتبر اليونان نفسها رأس الحربة في مواجهة تركيا، وتسعى لإظهار نفسها الجهة التي تبقي على القنوات مفتوحة بين بروكسل وأنقرة.

لكن حقيقة الأمر أن تسيبراس سيواصل زيارة الأماكن التاريخية التي ترمز لليونانيين واستغلالها داخليا، رغم إرساله قبل شهر فقط رسائل شديدة اللهجة ضد تركيا، حيال المواضيع والملفات العالقة بين الطرفين.

وعلى الصعيد التركي، ستعمل تركيا على استغلال الزيارة لمواصلة الرسائل الإعلامية التي اعتادت على إرسالها للخصوم، حيال المواضيع العالقة، وإظهار النية التركية بتقليل المشاكل مع دول الجوار، ومع الاتحاد الأوروبي، وأنها فتحت صفحة جديدة، في ظل تمسك بمواقفها في القضايا العالقة، ومحاولة استثمار دورها في استقبال اللاجئين السوريين، ومنعهم من الانتقال إلى أوروبا بطرق غير شرعية، وبالنهاية توظيف الأمر داخلياً في مرحلة ما قبل انتخابات الإدارة المحلية التي ستجري في نهاية آذار/مارس المقبل.

كما أن تركيا تستعد الشهر المقبل لقمة مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وسيشكل لقاء أردوغان مع رئيس الوزراء اليوناني حافزاً قوياً لإرسال إشارات عن نوايا أنقرة، واستغلال موضوع اللاجئين السوريين، حيث ساهم اتفاق موقع في العام 2015 بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في استرداد المهاجرين السوريين غير الشرعيين القادمين من تركيا، مقابل تنظيم قبول أوروبا للمهاجرين بشكل شرعي.

كما تعهدت أوروبا بدفع مبلغ ثلاثة مليارات دولار، على أن تتبعها ثلاثة مليارات دولار أخرى، لكن أنقرة تؤكد أنها لم تتلق سوى مبالغ قليلة، على شكل برامج خاصة لـ"الهلال الأحمر التركي"، وتوزيع أموال للسوريين المحتاجين، ودعم برامج التعليم والصحة.

المساهمون