"العتبة الانتخابية" التونسية: رفض من المعارضة وبعض شركاء الحكومة

21 فبراير 2019
العتبة الانتخابية تقلّص عدد الأحزاب في البرلمان (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
كان من المتوقع أن تكون الجلسة العامة المخصصة للتصويت على مشروع تعديل قانون الانتخابات التونسية لرفع العتبة الانتخابية إلى 5 في المائة، متشنجة، لأن الآراء في هذا المشروع تتباين تماماً ولا تلتقي في أي من بنوده. وبالفعل، استحالت المناقشات في البرلمان قبل يومين من دون تجاذبات، فأُرجئت المصادقة على المشروع إلى حين إتمام توافقات بين كتل الغالبية البرلمانية والمعارضة. وينص المشروع على رفع العتبة الانتخابية إلى 5 في المائة، وهو ما يحرم أي حزب من أي مقعد برلماني في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلا إذا حصل على خمسة في المائة وأكثر من عدد الأصوات الكلي في الدائرة الانتخابية، من دون احتساب الجزئيات المائوية (الكسور التي تقلّ عن النقطة المائوية الواحدة). ومنذ تقديم الحكومة هذا المشروع إلى البرلمان، انتفضت المعارضة تنديداً به، ورافقتها أطياف عدة من النشطاء والمجتمع المدني في ذلك، مع تسجيل رفض بعض الأحزاب المنضوية في صفوف الغالبية الحاكمة لمشروع القانون. وفي كل الديمقراطيات عموماً، تسعى الأحزاب "الكبيرة" إلى رفع العتبة الانتخابية قدر الإمكان، لتستحوذ على أكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات، لأنها تضمن حصول لوائحها على الحد الأدنى من الأصوات (العتبة الانتخابية)، بينما تتمسك أحزاب الأقلية، خصوصاً "الأحزاب الصغيرة" نسبياً، بإزالة العتبة أو تخفيض مستواها.

وعند نقل المشروع إلى الجلسة العامة للبرلمان التونسي، حضرت عشرات الشخصيات الاعتبارية وممثلي منظمات المجتمع المدني على غرار المفكر يوسف الصديق وعميد القانون الدستوري الصادق بلعيد وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل قاسم عفية، ورؤساء أحزاب غير ممثلة في البرلمان، لمساندة معارضي "العتبة". وأكدت المعارضة من خلال مداخلات النواب أن العتبة المراد إقرارها، تهدف أساساً إلى إقصائها والتخلص منها، واعتبرت ذلك خطراً على الديمقراطية التونسية. وقال رئيس كتلة الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة في البرلمان، أحمد الصديق لـ"العربي الجديد"، إن تغيير القانون الانتخابي قبيل ثمانية أشهر فقط من الانتخابات أمر لا يصح، لأن ذلك يحتاج إلى حوار واتفاق بين سائر الأطياف المعنية بالمحطة الانتخابية، لا أن يتم قبل الانتخابات بأشهر ومن دون علم مسبق من الأحزاب بنيّة الحكومة في ذلك. واعتبر الصديق أن التذرع بتشتت المشهد البرلماني في ظل غياب عتبة انتخابية معتبرة، أي وصول عدد كبير من النواب من أحزاب كثيرة، "مجرد حجة واهية". واستنكر الصديق ما سماه رغبة الائتلاف الحاكم في تغيير النظام الانتخابي الذي وُضع وفق منهجية الحوار المطول سنة 2011 (بعد الثورة). واشترط الصديق الانتهاء من مرحلة الانتقال الديمقراطي وتكريس الدستور في تونس، وتركيز المحكمة الدستورية، قبل أن تتم مراجعة القانون الانتخابي.


من جانبها، استنكرت القيادية في التيار الديمقراطي، سامية عبو، في مداخلتها خلال الجلسة العامة للبرلمان، ما اعتبرته "جشع السلطة والعودة إلى مربع الاستبداد"، من خلال مشروع قانون العتبة الانتخابية، قائلة إن "البعض لم يكفه المال السياسي الفاسد واستعمال أجهزة الدولة والسيطرة على بعض وسائل الإعلام من أجل بسط اليد على الحكم، فأراد أيضاً تحديد العتبة لكي يكون البرلمان من دون ألوان ويسيطر عليه حزب فائز واحد أو اثنان". وتساءلت عبو عما يمنع أن تتفتت الأحزاب الفائزة عند صعودها إلى البرلمان المقبل كما حصل سابقاً (مع حزب نداء تونس الذي انشق عنه عدد كبير من النواب)، وتعود حالة التشتت من جديد إن كانت الغاية الأساسية من رفع العتبة الانتخابية هي محاربة التشتت في البرلمان. وفي تقدير القيادية في التيار الديمقراطي، إن المعركة الحقيقية هي مع من لا يؤمنون بالديمقراطية.


من جانبها، تقدمت كتلة "مشروع تونس" الذي يرأسه محسن مرزوق، بمقترح للتخفيف من وقع العتبة الانتخابية على الأحزاب "المتوسطة" و"الصغيرة"، وهو موقف ينم عن معارضة لمقترح الحكومة التي يدعمها حزب "المشروع". وقال رئيس كتلة "الحرة"، حسونة الناصفي لـ"العربي الجديد"، إنه تم تقديم مقترح لتخفيض العتبة إلى 3 في المائة بدل 5، وهو ما يضمن تجمع شتات الأحزاب من جهة، والتنوع داخل البرلمان المقبل من جهة ثانية. ويأمل الناصفي أن يحظى هذا المقترح بتوافق الكتل عليه لتجاوز هذا الخلاف، لا سيما في ظل تباين الآراء.

وعلى خلاف كتلة "الائتلاف الوطني" الداعمة للحكومة الحالية والتي دافعت بشراسة عن مشروع العتبة الانتخابية، فإن شريكتها، حركة "النهضة"، سجلت تردداً في الموقف، قبل أن تصدر المداخلات متفقة على رأي موحد يؤيد العتبة على نقيض ما كان عليه الوضع إبان المناقشات داخل اللجنة الفرعية. ودافع عضو كتلة "النهضة"، الحبيب خذر، في مداخلته، عن مشروع القانون، واعتبر أن عتبة الخمسة في المائة ستضمن وضوحاً أكبر في التمثيل الحزبي داخل البرلمان المقبل، فيُضحي التنافس حول الرؤى والبرامج. وأضاف أن العتبة الجديدة "ستدفع لتحقيق نضج أكبر للحالة الحزبية وستدفع الأحزاب للتجمع والعمل الجماعي".

في المقابل، دعا القيادي في "النهضة"، أحمد المشرقي، إلى إلغاء مشروع تعديل قانون الانتخابات وعتبته الجديدة، وقال في مداخلة مطولة إنه "إذا كانت الأحزاب تتجه فعلاً نحو بناء الديمقراطية التشاركية، فعليها التخلي عن العتبة المائوية، وأن يتم النأي عن تعديل القانون بفصول قد تُقصي تيارات وعائلات سياسية بأكملها". وشرح المشرقي أن الديمقراطية التي أسس لها التونسيون في دستورهم هي "ديمقراطية تشاركية وتعني وجوب حفظ حق الآخرين في المشاركة والتمثيل، وخصوصاً الأقليات".

وتنكب لجنة التوافقات داخل البرلمان على إيجاد مخرج يرضي ما أمكن من كتل في البرلمان حول المشروع الذي ترفضه المعارضة وبعض الأحزاب المنضوية في الغالبية الحاكمة، تحديداً بعدما تعهد الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني أمام البرلمان بأن يتم تعديل المشروع، الذي "لا ترى الحكومة أنه يشكل أولوية حيوية وإنما طرحته للرأي العام، ومجلس النواب هو الذي يقرر بشأنه".