كيف تفكر الحكومة الجزائرية؟

14 اغسطس 2018
تزداد حيرة الجزائريين من أداء حكومتهم(بلال بن سالم/فرانس برس)
+ الخط -
يقلب الجزائريون كفاً على كف، كلما تحدث وزير في الحكومة زاد في حيرتهم، وعزز الدهشة ما إذا كانت حكومتهم تعيش عصرها أم في أي عصر آخر. وزير الجامعات والتعليم العالي الطاهر حجار أدلى بتصريح مذهل تناقلته الصحف والقنوات لمدة أسبوع وجعل من سمعة البلد العظيم سخرية في بعض القنوات الدولية. قال الوزير إن الجزائر ليست بحاجة إلى جائزة نوبل، وإن الدولة ليس لديها ما تفعل لصالح النوابغ المتفوقين في الدراسة، و"لن تخصص وضعية خاصة لهؤلاء النوابغ وسيدرسون مع زملائهم في الجامعات كما كانوا يدرسون معهم في الثانوية".
لا فرق لدى الحكومة في الجزائر بين طالب مجتهد حصل على معدل 18 أو 19 من عشرين، وبين طالب نجح بالمعدل الأدنى، 10 من عشرين. تفكر الحكومة أن هذا هو العدل بين مجموع الطلبة، والحقيقة أنه ظلم قاسٍ وظلامية سياسية تغتال الكفاءات والكوادر المتميزة، تدمر قيم العلم وتقمع النزوع إلى التفوق، وتعطي الانطباع لتلاميذ المدارس أنه لا معنى في الجزائر للاجتهاد والتفوق، عدا حفل تكريم رسمي وصورة مع وزير.
في الحقيقة تصريح وزير الجامعات الجزائري يعبر عن جوهر تفكير السلطة إزاء العلم والنوابغ والإبداع، وعن عمق نظرة المؤسسة السياسية الرسمية إلى النخبة والمبتكرين والمخترعين، ويعبر عن السلوك الحكومي الذي ظل يعتبر العلم والخبراء والنخب هامشاً ليس ذا قيمة، وهو التعبير الحقيقي عن برنامج التدمير الشامل، خصوصاً في العقد الأخير، لمنظومة التعليم والبحث العلمي التي صممت لإنتاج متعلمين أكثر منها حاضنات للبحث والابتكار العلمي، وركزت على بناء الجامعات كمنشآت، دون أي اهتمام بالمخرجات العلمية والمعرفية للجامعة.
لا توفر الجزائر أية برامج لرعاية المتميزين والنوابغ والمبتكرين، ولا توفر برامج للبحث العلمي الذي لا تتعدى موازنته من الناتج الخام 0.3 في المئة، أقل كثيرا من موازنة نادٍ لكرة القدم. ومن مخرجات العطب في السياسات الحكومية أن باتت الجزائر ضمن الدول الأقل تسجيلاً في براءات الاختراع والابتكار. في عام 2017 لم يسجل معهد الملكية الصناعية سوى 145 براءة اختراع، وإحصائيات وزارة الجامعات نفسها تقرّ بتسجيل 237 براءة اختراع فقط منذ 2011 أغلبها ظلت على الورق لغياب الدعم والإسناد، ولذلك خسرت الجزائر في العقدين الماضيين مليوناً من كفاءاتها التي هاجرت إلى الخارج وستة آلاف طبيب، وعشرات المخترعين والمبتكرين الذين لم يجدوا من الحكومة سوى الأبواب الموصدة، أحدهم كبير علماء البرمجيات والإنترنت بلقاسم حبة، يعمل بين اليابان والولايات المتحدة، ويحوز وحده على ألف اختراع في مجال الإعلام الآلي مسجلة بين أميركا واليابان، و250 ألفاً من الكفاءات الجزائرية حصلت على جنسيات دول أخرى وفرت لها مخابر البحث والرعاية.
السلطة في الجزائر لا تحتاج إلى العباقرة والمبتكرين ولا إلى جائزة نوبل كما قال الوزير، السلطة تحتفي باللصوص وتجار الكوكايين وترفع من قدرهم وقد بوأت بعضهم مقاعدَ في البرلمان، بحسب رواية زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون. تصريح وزير الجامعات ليس استثناء، قبله كان رئيس الحكومة قد قال إنه لا يولي اهتماماً لتحاليل الخبراء الاقتصاديين. وقال وزير الطاقة إن "الحرارة من عند الله وليس بيد الحكومة ما تفعل للسكان"، ووزيرة الاتصالات زعمت "البحث عن سوق للإنترنت في أفريقيا"، فيما تصنف الجزائر بين أسوأ الدول في خدمة الإنترنت، وأخيراً قال وزير الثقافة إن الدولة لا تدار بالفيسبوك، والحقيقة أن ترامب يدير العالم ويرفع أسعار النفط ويهوي بالبورصة عبر تويتر، والرئيس التركي أفشل انقلاباً عسكرياً بكلمة على فايس تايم.

المساهمون