انتخابات باكستان: صراع حزبي مستعر والجيش خلف الكواليس

11 يونيو 2018
خان المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة (عامر قريشي/فرانس برس)
+ الخط -


وسط تاريخ حافل بالانقلابات أكملت ثاني حكومة ديمقراطية بقيادة حزب الرابطة الإسلامية، جناح نواز شريف، فترتها المحددة في باكستان الشهر الماضي، على الرغم من الكثير من التطورات التي كان من شأنها الإطاحة بها لولا الجيش الذي غيّر سياساتها. في السابق لم يترك الجيش فرصة إلا وانتهزها لأجل السيطرة على الحكم، وإسقاط الحكومة الشرعية مهما كان الثمن، بيد أنه غيّر سياسته منذ 2001 من الحكم المباشر إلى تأييد من يرضخ لسياساته. ويعود السبب للحرب على الإرهاب وانشغال الجيش في شتى الجبهات.

في هذا السياق، قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني الجنرال أصف غفور، في مؤتمر صحافي في مدينة راولبندي في 4 يونيو/حزيران الحالي إن "الجيش يحافظ على سیاسة عدم الانحياز لأية جهة سياسية، ولا ينوي التدخل في السياسة والانتخابات (25 يويلو/تموز المقبل)"، مطالباً جميع الجهات بـ"تجنّب أي عمل قد يجبر المؤسسة العسكرية على التدخل". ولا شك أن الجيش ليس في وضع يمكنه الاستيلاء على الحكم كما كان يفعله في السابق، لكن هذا لا يعني التخلي عن الساحة السياسية كلياً، لا سيما أنه بحاجة إلى أن تكون المتغيرات السياسية مؤيدة لإستراتيجيته المستقبلية، في ظلّ مواجهته الكثير من التحديات داخلياً وعلى مستوى المنطقة.

هذا التغير في سياسة القوات الباكستانية جاء مع انطلاق الحرب على الإرهاب عام 2001، إذ كانت متفرّغة في السابق لإدارة البلاد، ولكن مع بدء تلك الحرب، وتحوّل باكستان وأفغانستان والمنطقة إلى خط النار الأول فيها، إنشغل الجيش الباكستاني في الكثير من القضايا، وبالتالي لجأ إلى تغيير سياسته من الاستيلاء المباشر على الحكم إلى اللعب من وراء الكواليس والقضاء على نفوذ كل من يعارضه في السياسة، وتأييد الموالين له.
بات حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، الذي أنهت حكومته فترتها القانونية الشهر الماضي، معروفا في الأوساط الباكستانية بمعارضته لسياسات وإستراتيجية الجيش، لذا كانت حكومته دائماً مهددة بملفات عديدة. كما واجه شريف شخصياً قضايا خلال فترات حكومته أبرزها إنقلاب الجيش عليه بقيادة القائد العسكري برويز مشرف في عام 1999. ويدّعي أنصار حزب الرابطة أن الجيش وراء ما يواجهه شريف حالياً من الملاحقات القضائية والتي نجم عنها إقالته عن منصبه كرئيس للوزراء في شهر يوليو/تموز الماضي.

ليس هذا فحسب بل يرى شريف أن "الإنتخابات المقبلة ستشهد الكثير من التزوير لصالح أحد الأحزاب المقربة من الجيش وهي حركة الإنصاف بزعامة عمران خان"، الذي نظم اعتصامات عدة لأجل إسقاط حكومته خلال السنوات الماضية.

في هذا الصدد قال شريف أمام المحكمة العليا في 5 يونيو الحالي، إن "التزوير في الانتخابات قد بدأ قبل إجرائها لصالح الآخرين"، مشيراً إلى أن "سحب الأهلية عنه كزعيم لحزبه ومنعه من ممارسة السياسة، ثم الملاحقات القضائية المتعددة لأعضاء حزبه كل تلك لأجل الانتخابات كي يشغل حزبه على هذه الملفات وتتضرر شعبيته". وأشار إلى أن "هناك أمورا كثيرة تقع هذه الأيام فقط لأجل التأثير على الانتخابات، ومنها انشقاق القياديين من حزبه وانضمامهم إلى أحزاب أخرى". وتساءل شريف "لماذا لا تنظر المحكمة العليا في هذه القضية وقضايا أخرى متعلقة بأحزاب أخرى غير حزبه"؟



بالنظر إلى الساحة السياسية الباكستانية والأحزاب المتنافسة في الانتخابات المقبلة يتوقع أن تفوز أحد الأحزاب الثلاثة: حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، وحركة الإنصاف بزعامة عمران خان وحزب الشعب الباكستاني بزعامة أصف زرداري الرئيس السابق. ويبدو أن الأخير خسر شعبية نسبية، لا سيما أنه يعاني من إنشقاقات داخلية. ومع خوض شريف مواجهة حادّة مع الجيش والمؤسسة القضائية، بدا خان وكأنه مدعوم من الجيش والقضاء معاً، بحسب اتهامات شريف، علماً أن خان مرشح أساسي لرئاسة الوزراء عن حركة الإنصاف.

كما يقلق حزب شريف الانشقاقات المتزايدة منه، وانضمام هؤلاء إلى حزب حركة الإنصاف. فقد انضم تسعة قيادييين في الحزب منتمين إلى جنوب إقليم البنجاب، إلى حركة الإنصاف، بعد أن وافقت على مطلبهم بتأسيس إقليم مستقل لجنوب البنجاب. آخر المنشقين كان أحد أبرز القيادات في حزب الرابطة ذوالفقار كوساه، وهو من أقرب القياديين لنواز شريف.

مع ذلك، ثمّة اعتقاد سائد بأن بعض الحلقات في الاستخبارات الباكستانية تسعى لتأجيل الانتخابات لصالح أحزاب دون أخرى. وكلما تأجلت الانتخابات كلما ازدادت الانشقاقات في صفوف أحزاب مناهضة، كما أنه بمرور الوقت ستلاحق قضايا أخرى السياسيين المعارضين للجيش والاستخبارات. وسبق لمحكمتي لاهور وبلوشستان أن طعنتا في أوراق ترشيح الناخبين وأمرتا بتعديلها. وثمة من يتهم حركة الإنصاف ووراءها الجيش بأنهما يفعلان ذلك لأن تأجيل الانتخابات يضر بالأحزاب الأخرى ولكن الحركة ترفض الاتهامات. وقال المتحدث باسمها فؤاد شودري، إن "الحركة كغيرها من الأحزاب تدعو جادة إلى عقد الانتخابات في وقتها المحدد لها".

منذ استقلال باكستان كانت الأحزاب الدينية بتياراتها المختلفة معروفة بالصراعات الداخلية بينها، حتى وصلت إلى تكفير بعضها البعض. ولكن في عام 2002 توحدت كل تلك الأحزاب تحت مظلة مجلس العمل الموحد. المجلس كان يعارض السياسات الأميركية وكان أعضاؤه مقربين من طالبان والجماعات المسلحة. فجأة ودون التوقعات حصل المجلس على الأغلبية في إقليم خيبربختونخوا المجاور لأفغانستان وشكل حكومة فيها، كما كان شريكاً في حكومة إقليم بلوشستان. تلاشى المجلس في عام 2005 بسبب الخلافات الداخلية. الآن ومع اقتراب موعد الانتخابات أعيد تأسيس المجلس من جديد وجمع مع المعارضين. السؤال الذي يفرض نفسه هل هناك قوة تجمع هؤلاء؟ وهل تلك القوة هي الجيش؟

وأيضاً منذ شهرين تقريباً برزت حركة الحماية عن البشتون. شعار تلك الحركة رفع ملفات كانت تنتظرها البشتون منذ عقود. لذا القبائل برمتها لا سيما الشباب وقفوا مع الحركة، على حساب أحزاب دينية وأخرى قومية كانت منطقة البشتون حاضنة لها، لذا يتوقع في الفترة المقبلة أن تلك الأحزاب ستخسر شعبيتها أكثر، لا سيما عند الانتخابات. واللافت أن الصراع قد بدأ بين قبائل البشتون من جهة والحكومة والجيش وتلك الأحزاب من جهة ثانية. ولا شك أن الحركة مدعومة من الخارج ولها شعبية فاقت شعبية كل الأحزاب القومية والدينية.