تدهور الأوضاع بين كوسوفو وصربيا: التاريخ ساري المفعول

تدهور الأوضاع بين كوسوفو وصربيا: التاريخ ساري المفعول

29 مارس 2018
رحّلت كوسوفو ماركو ديوريتش تحت حراسة الشرطة (فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي بدا فيه أن بلغراد وبريشتينا استأنفتا الحوار لتطبيع العلاقات بينهما، عادت الأوضاع لتتدهور بين البلدين أخيراً على خلفية توقيف كوسوفو مسؤولاً صربياً وترحيله، ما استدعى تدخلات دولية في محاولة لنزع فتيل الأزمة التي صعّدت من الاتهامات مجدداً بين الطرفين. ودعت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيدريكا موغريني، الثلاثاء، كلاً من صربيا وكوسوفو إلى التهدئة ومواصلة الحوار السلمي بين البلدين، في حين حثّت الولايات المتحدة جميع الأطراف على تجنّب المزيد من التصعيد وحل النزاعات سلمياً.


وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، أعلنت كوسوفو، عام 2008، الاستقلال عن صربيا، لكن بلغراد ما زالت تعتبرها جزءاً من أراضيها، وتدعم أقلية صربية في كوسوفو، في ظلّ انقسام دول العالم بشأن الاعتراف باستقلال الإقليم، الذي اعترفت به الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية. ورغم محاولات الاتحاد الأوروبي للدفع بالمحادثات بين البلدين اللذين تحاربا في تسعينيات القرن الماضي، ورعايته توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بينهما في 2013، مهّد الطريق لبدء مفاوضات لانضمام صربيا إلى الاتحاد بعد عام على ذلك، لا تزال تحكم العلاقات بينهما حالة من عدم الثقة، وتبادل مستمر للاتهامات والتهديدات. ولعل تصريح الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، أخيراً يؤكّد ذلك، عندما قال "سأستأنف الحوار مع (الكوسوفيين) لمحاولة حلّ مشاكلنا، على الرغم من أنني لا أثق بهم... ولكن ليس أمامنا خيار".

والعداء بين الطرفين قديم العهد، وإن كانت الحرب قد انفجرت في تسعينيات القرن الماضي. وهو يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر عندما أصبح الألبان المسلمون الأغلبية في منطقة كوسوفو. ولكن في عام 1974، أصبحت كوسوفو الوحدة الفيدرالية السابعة في يوغوسلافيا وفقاً للدستور، وهو ما سمح بأن تقوم كوسوفو بتسيير أمورها بحرية أكثر، ما أدى إلى ازدياد الكراهية والتوترات بين سكان كوسوفو الصرب والألبان.

في عام 1988، عندما أصبح سلوبودان ميلوسيفيتش رئيساً ليوغوسلافيا، بدأ بتفعيل الوطنية الصربية، إلى أن تم سحب صلاحيات كوسوفو للحكم الذاتي في عام 1990، لتدار مباشرة من قبل صربيا. ولاحقاً وبفعل حصول دول أخرى على استقلالها، مثل سلوفينيا وكرواتيا واندلاع المعارك في البوسنة عام 1992، أدى هذا إلى تشدد بعض الكوسوفيين، وتخلوا عن فكرة المقاومة السلمية من أجل إنشاء دولة كوسوفو، إلى أن بدأت عام 1997 قوات "جيش تحرير كوسوفو"، وهي منظمة مسلحة قومية، بمهاجمة قوات يوغوسلافيا وصربيا، ما أدى إلى ردة فعل قاسية من قبل قوات الأمن الصربية، وهو ما ساعد في انضمام المزيد من الكوسوفيين للمقاومة ضد الصرب.

وفي يونيو/ حزيران 1998، صعّد ميلوسيفيتش حملته ضد الكوسوفيين، ودانت الأمم المتحدة الإرهاب الصربي ضد الألبان، إلى أن تدخّل حلف شمال الأطلسي في 24 مارس/ آذار عام 1999 وبدأ بقصف يوغوسلافيا، ما أدى لانسحاب القوات الصربية من كوسوفو ونشر قوات دولية على الحدود التي ظلّت، ولا سيما في شمال كوسوفو، تشهد مصادمات واشتباكات بين الأغلبية الألبانية والأقلية الصربية، وكان آخرها ما حصل في مدينة "شمال ميتروفيتسا"، عندما أوقفت السلطات الكوسوفية منسق مكتب الحكومة الصربية، ماركو ديوريتش، ورحلته خارج البلاد.

ودعت موغريني، الثلاثاء، كلاً من صربيا وكوسوفو إلى التهدئة ومواصلة الحوار السلمي بين البلدين، وذلك خلال زيارة غير معلنة مسبقاً للعاصمة الصربية بلغراد. كذلك دعت، خلال لقائها فوتشيتش، إلى إيجاد سبل جديدة بشأن حلّ المشاكل العالقة بينهما، وفق بيان للرئاسة الصربية. وأضافت "ينبغي ألّا تتكرر الأحداث التي وقعت أمس (توقيف وترحيل ديوريتش)، والاتحاد الأوروبي يتطلع إلى الحفاظ على السلام بنضج وإرادة".

وكانت السلطات الكوسوفية أوقفت ديوريتش لدخوله مدينة "شمال ميتروفيتسا"، للمشاركة في ملتقى صربي، دون موافقة رسمية من كوسوفو، ورحلته من معبر "مرداره" الحدودي بين كوسوفو وصربيا تحت حراسة الشرطة. ودخل ديوريتش أراضي كوسوفو، الاثنين، للمشاركة في اجتماع علني في "شمال ميتروفيتسا". و"شمال ميتروفيتسا" هي مدينة في شمالي كوسوفو تم تقسيمها بين الغالبية الألبانية في الجنوب والغالبية الصربية في الشمال، ويعيش فيها نحو 50 ألف صربي في منطقة موالية لصربيا.


وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصربي، قال ديوريتش إنه تعرض للضرب في كوسوفو. وأضاف: "أحدهم حاول جعل الحوار بين صربيا وكوسوفو لا معنى له، وإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى المصالحة". من جهتها، دانت الولايات المتحدة بشدة الاحتكاك الأخير بين كوسوفو وصربيا، قائلة إنه يمكن أن "يزيد من التوترات بدون داع ويهدد الاستقرار الإقليمي". وحثّ بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، أمس الأربعاء، جميع الأطراف على تجنّب المزيد من التصعيد وحل النزاعات سلمياً.

إلى ذلك، قرر الوزراء والأعضاء الصرب في حكومة راموش هاراديناي، الثلاثاء، مغادرة مناصبهم في بريشتينا بعد اعتقال ديوريتش وطرده. وقال غوران راكيتش، رئيس اللائحة الصربية، أكبر حزب للأقلية الصربية في كوسوفو، إثر اجتماع مع فوتشيتش في بلغراد، إن النواب الصرب "سيغادرون الحكومة التي لن تحظى بعد اليوم بدعمنا". ومن شأن هذا القرار أن يضعف حكومة هاراديناي التي تعوّل على دعم النواب الصرب. لكن هاراديناي أكّد أنّ الحكومة "لن تسقط"، لافتاً إلى أنه "لا يتفهم" القرار. ويتولى الصرب ثلاث وزارات ومنصب نائب رئيس الوزراء في حكومة هاراديناي التي تضم 18 عضواً. يذكر أن الحرب بين الطرفين أسفرت عن مقتل 13 ألف شخص، منهم حوالى 10 آلاف من سكان كوسوفو الألبان.

(العربي الجديد، الأناضول، فرانس برس، أسوشيتد برس)

دلالات