ترامب يتابع مسلسل انسحاباته: التخلّي عن معاهدة نووية

ترامب يتابع مسلسل انسحاباته: التخلّي عن معاهدة نووية

22 أكتوبر 2018
انسحب ترامب من اتفاقيات عدة (مايك ثيلر/ Getty)
+ الخط -


استعادت لغة التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا وهجها، قبل نحو أسبوعين على الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، في سياق استمرارية التأرجح في العلاقة بين البلدين، وذلك مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء السبت، أنّ "واشنطن ستنسحب من معاهدة حول الأسلحة النووية المتوسطة المدى أبرمتها مع موسكو خلال الحرب الباردة (1947 ـ 1991)"، متّهماً روسيا بـ"انتهاكها منذ سنوات عديدة". وبدت هذه الخطوة وكأنها استمرارية لسلسلة طويلة من انسحابات مماثلة لترامب من اتفاقيات ومعاهدات عدة في عهده، الذي بدأ في 20 يناير/ كانون الثاني 2017.

في هذا السياق، قال ترامب للصحافيين في مدينة إلكو بصحراء نيفادا، إنّ "روسيا لم تحترم المعاهدة، وبالتالي فإنّنا سننهي الاتفاقية وسنطوّر هذه الأسلحة". وتابع "نحن لن نسمح لهم بانتهاك اتفاقية نووية والخروج وتصنيع أسلحة في حين أنّنا ممنوعون من ذلك. نحن بقينا في الاتفاقية واحترمناها ولكن روسيا لم تحترمها للأسف". وتأخذ إدارة ترامب على موسكو نشرها منظومة صاروخية من طراز "9 إم 729" التي يتجاوز مداها، بحسب واشنطن، 500 كيلومتر، ما يشكّل انتهاكاً للمعاهدة.

وسارعت موسكو، مساء السبت، إلى الردّ على لسان مصدر في وزارة الخارجية، معتبرة أنّ "الولايات المتحدة تحلم بأن تكون هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم"، متّهمة واشنطن بأنّها "تتعمد تقويض هذه المعاهدة منذ سنوات". واعتبر المصدر، حسبما نقلت عنه وكالة "ريا نوفوستي" الحكومية، أنّ "واشنطن اقتربت من هذه الخطوة على مدى سنوات عديدة من خلال تدميرها أسس الاتفاق عمداً وبالتدريج". وأضاف أنّ "هذا القرار يندرج في إطار السياسة الأميركية الرامية للانسحاب من الاتفاقيات القانونية الدولية، التي تضع مسؤوليات متساوية على عاتقها كما على عاتق شركائها وتقوّض مفهومها الخاص لوضعها الاستثنائي".

كذلك أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس الأحد، أن "الانسحاب الأميركي الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب من المعاهدة النووية التي تم توقيعها خلال الحرب الباردة خطوة خطيرة". واعتبر في تصريح لوكالة "تاس" الروسية أنها "ستكون خطوة خطيرة للغاية وأنا واثق من أن المجتمع الدولي لن يفهمها وستثير إدانات جادة".



من جهته، اعتبر السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف، في تغريدة على "تويتر" أنّ "قرار ترامب الانسحاب من المعاهدة هو ثاني ضربة قوية تتلقّاها منظومة الاستقرار الاستراتيجي في العالم، بعد انسحاب واشنطن من معاهدة الحدّ من الصواريخ المضادة للبالستية (معاهدة إيه بي إم) في عام 2001". وأضاف: "مجدّداً فإن الولايات المتحدة هي الطرف الذي بادر للانسحاب من المعاهدة". وأعلن ترامب عن قراره، فيما توجه مستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون، يوم السبت، إلى موسكو "لمواصلة الحوار بين الرئيسين الأميركي والروسي" الذي بدأ في يوليو/ تموز الماضي. وينوي المستشار، المعروف بمواقفه المتشددة، لقاء كبار المسؤولين الروس اليوم الاثنين، وبينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، وسكرتير مجلس الأمن نيكولاي باتروشيف. وذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية أن "بولتون هو من يضغط على الرئيس الأميركي من أجل الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى. كما أنه يعيق المفاوضات حول توسيع معاهدة (ستارت الجديدة) للحدّ من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية التي ينتهي العمل بها في عام 2021 وترغب روسيا في تمديدها". وقد يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة إلى توجيه الأنظار نحو الصين التي يمكن أن تطور دون قيود أسلحتها النووية المتوسطة المدى، بما أنها لم توقع على الاتفاق.

وتوترت العلاقات بين واشنطن وموسكو بعد اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية المقبلة. ووجّه القضاء الأميركي الاتهام، يوم الجمعة الماضي، إلى الروسية إيلينا أليكسييفنا خوسيينوفا، بالاشتباه بأنها "موّلت حملة دعاية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على مجرى الانتخابات التشريعية والمحلية المقررة في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل". واتهمت موسكو واشنطن بأنها "لفّقت" التهمة بهدف فرض مزيد من العقوبات على روسيا. وكان الرئيس الأميركي قد وعد قبل انتخابه بإقامة أفضل العلاقات مع روسيا، إلا أن شكوكاً تحوم حول تواطؤ فريق حملته مع الكرملين خلال انتخابات 2016 الرئاسية. ويتولّى المدعي الخاص روبرت مولر التحقيق منذ أكثر من عام في القضية. وأبدى ترامب في يوليو/ تموز الماضي موقفاً مهادناً للغاية حيال نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحافي مشترك جرى بعد قمتهما الأولى في هلسنكي الفنلندية في 16 يوليو/ تموز، ولا سيما في ما يتعلق باتهامات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تنفيها موسكو. وسيلتقي الرئيسان في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في باريس للمشاركة في إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918).

وكانت "معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى" قد وُقّعت في عام 1987 بين الرئيس الأميركي في حينه رونالد ريغان ورئيس الاتحاد السوفييتي يومذاك ميخائيل غورباتشوف. وتحظر المعاهدة التي تساعد على حماية أمن الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأقصى، على الولايات المتحدة وروسيا امتلاك أو إنتاج أو إطلاق صواريخ كروز تطلق من الأرض ويبلغ مداها بين 300 إلى 3400 ميل، ووضعت المعاهدة التي ألغت فئة كاملة من الصواريخ يراوح مداها بين 500 و5000 كيلومتر حدّاً لأزمة اندلعت في الثمانينيات بسبب نشر الاتحاد السوفييتي صواريخ "إس.إس-20" النووية التي كانت تستهدف عواصم أوروبا الغربية.

كما أن انسحاب ترامب من الاتفاقية لم يكن الأول من نوعه في الانسحابات من اتفاقيات أخرى، ففي عام 2017 انسحب من "الميثاق العالمي حول الهجرة"، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاق باريس حول المناخ، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وفي عام 2018 انسحب من الاتفاق النووي مع إيران. كما أعاد رسم هيكلية اتفاقية "نافتا" الموقّعة مع كندا والمكسيك، بتحوّله إلى اتفاقات ثنائية بين البلدان الثلاثة.
(فرانس برس، أسوشييتد برس)