"العربي الجديد" في الباب: مدينة غارقة في حقل ألغام

19 مارس 2017
الدمار طاول كل شيء في المدينة (العربي الجديد)
+ الخط -



الباب تحت حكم تنظيم "داعش" ليست كما بعده. هذه الخلاصة من زيارة إلى مدينة الباب، بعد أن تمكّنت فصائل المعارضة المسلحة من طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" منها، عقب حربٍ طاحنة استمرّت لأشهرٍ طوال. معالم الباب تغيّرت تماماً، ووجوه أبنائها كذلك، فالمدينة التي كانت منكوبة تحت حكم التنظيم، تنفض اليوم عن نفسها غبار الحرب، وتبحث عن إعادة الحياة إلى شرايينها، فلطالما كانت هذه المدينة أيام السلم أحد أهم المراكز التجارية والزراعية في ريف حلب، ومقرّاً لتجارة المواد الغذائية وغيرها من الأمور التي تلزم السوريين بشكلٍ يومي. ولا تزال المدينة في مرحلة إزالة الركام عنها، وفتح الطرقات وإغلاق الخنادق التي حفرها التنظيم، فيما تتجلّى الصعوبة الأبرز في الألغام التي لم تترك شارعاً أو بقعة إلا وتم زرعها فيها.

دمار هائل
مشاهد مرعبة تعود بالذاكرة إلى أحداث الحرب العالمية الثانية، تجدها داخل مدينة الباب، فلا يكاد يكون هناك مركز أو مستشفى أو مدرسة أو حتى منازل المدنيين إلا وطاولها الدمار الكبير، وهو ما يجعل تأهيل المدينة أمراً غاية في الصعوبة ويحتاج للكثير من الأموال والأهم الأيدي العاملة التي هاجرت من المدينة.




وبحسب تقرير حول الدمار للجنة إعادة الاستقرار اطّلعت "العربي الجديد" عليه، فإن نسبة الدمار العام في المدينة بلغت 45 في المائة، توزّعت على 30 في المائة من منازل المدنيين، 30 في المائة من المدارس، 60 في المائة من المرافق الرسمية، 30 في المائة من الطرق الرئيسية، 20 في المائة من شبكات المياه الفرعية، 30 في المائة من شبكة التيار الكهربائي المنخفض و2 في المائة من شبكة الصرف الصحي. إضافةً إلى ذلك، فإن مسجدي أبو بكر وعجّان الحديد دُمرا بشكلٍ تام، في حين دمرت مساجد الراهب، عائشة، وأسامة بن زيد بشكلٍ جزئي، فيما بقيت المساجد الأخرى سليمة.

تحديات أمام المجلس المحلي
المجلس المحلي للمدينة الذي تشكّل أخيراً، يواجه تحدّياتٍ حقيقية لإعادة نهوض المدينة، وهو تشكّل عبر انتخابات من رئيس ونائب و25 عضواً آخرين، توزعوا على الخدمات البلدية، المكتب الصحي، المكتب التعليمي، الخدمة الاجتماعية، الشؤون الدينية، التسجيل والإحصاء، المالية، الزراعة، السجل المدني والديوان. يقول رئيس المجلس جمال العثمان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن المجلس تشكّل في المرحلة الأولى من 15 عضواً، وكانت مهمته تسيير أمور أهالي الباب الذين نزحوا إلى أعزاز. ويضيف أن الأمور تطورت بعد بدء عملية "درع الفرات" في المدينة، فبدأ التفكير الجدّي بتشكيل مجلس يكون نواةً لإدارتها، لافتاً إلى أنه فُتح باب الترشيح وتم انتخاب الأعضاء الحاليين من أبناء المدينة. خسرت المدينة خلال حربها الطاحنة معظم بناها التحتية، ولا سيما تلك التي تؤمّن المياه والكهرباء والاتصالات، الأمر الذي قطع هذه الخدمات عن المدينة. يوضح الناشط أبو العلاء الحلبي لـ"العربي الجديد"، أن حال الكهرباء في المدينة يشبه حال معظم المدن في ريف حلب الشمالي، فهي مقطوعة منذ زمن طويل، ويتركز اعتماد الأهالي على المولّدات الكبيرة، باستثناء مدينة جرابلس التي حصلت على الكهرباء بشكلٍ مجاني من الطرف التركي.


بالنسبة للمياه، لاحظت "العربي الجديد" خلال جولتها في المدينة، أن لجنة إعادة الاستقرار قدّمت مولداً لإعادة ضخ المياه من المضخّة الرئيسية للمدينة، فيما أفاد الأهالي لـ"العربي الجديد"، بأن مسألة ضخ المياه لا تشكّل مشكلة أمامهم بسبب وجود آبار في معظم البيوت ويستطيع الناس تدبّر أمرهم من خلالها. يقول أبو يوسف، وهو أحد الذين عادوا أخيراً إلى المدينة، لـ"العربي الجديد"، إنه تمكّن من تأمين المياه بشكلٍ سلس من خلال البئر الموجود في شارعه، فيما اشترك مع مزوّد كهرباء ليتمكّن من تشغيل المعدّات الرئيسية في منزله. من جهته، يقول جمال العثمان إنه لا يمكن الاعتماد بشكل دائم على آبار المياه، موضحاً أن مشكلة المياه تعود إلى أن مدينة الباب تتغذى على محطة الخفسة التي سيطرت عليها قوات النظام السوري أخيراً.




ويكشف أنه تلقّى وعوداً من الطرف التركي بأن مدينة الباب سوف تتغذّى على الكهرباء التركية كحال مدينة جرابلس، وذلك اعتباراً من الخريف المقبل، لافتاً إلى أن الوعود تشمل إنشاء أربعة أفران للمدينة، لكنه يشير إلى أن العمل اليوم يتركّز على ترحيل بقايا الأنقاض إلى مواقع تم تحديدها وسد الفجوات التي حُفرت في الأراضي.

مدارس ومستشفيات مدمّرة
في مدينة الباب يوجد مستشفى وحيد، وهو مستشفى الجبل المطل على الجهة الشرقية لمدينة الباب، لكنه دُمّر بشكلٍ كامل جراء الحرب، إذ كان تنظيم "داعش" يستخدمه كغرفة طبيّة له، لذلك فإن الجانب الصحّي بات يشكّل تحدّياً كبيراً أمام المجلس المحلي الناشئ في المدينة. كذلك فإن معظم المدارس تحوّلت في عهد التنظيم إلى مقرات حربية ومطابخ لتصنيع المفخّخات والألغام والعبوات الناسفة، لذلك كانت من القطاعات الأكثر تضرّراً. ووفقاً لمشاهدات "العربي الجديد"، فإن معظم المدارس لم يتم تشغيلها حتى اليوم بسبب الانشغال في التعامل مع الألغام في المدينة والتي من الممكن أن تؤثّر على الطلاب.



ويوضح جمال العثمان أنه خلال أيام سيعاد تأهيل المستشفى بشكلٍ جزئي، ليتمكّن من استقبال الحالات الطارئة تمهيداً لإعادة تأهيله بشكلٍ كامل، مع تحديد أرض جديدة لبناء مستشفى جديد في المدينة بسعة 250 سريراً، مشيراً إلى أن بناء هذا المستشفى سيكون بالسرعة القصوى. ويشير إلى أن المؤسسات الإغاثية والحكومية التركية زارت الباب خلال الأيام القليلة الماضية أربع مرات وشدّدت على ضرورة تأهيل المستشفى بأسرع وقتٍ ممكن، إضافةً إلى تأهيل المدارس والمساجد المدمّرة، والتي تم تعهّدها من قبل شركات تركية متخصّصة في البناء الفني لتقوم بإعادة تأهيل كل المساجد التي تضرّرت.

الألغام نقطة ضعف المدينة
في الفترة الواقعة بين 26 فبراير/ شباط والسادس من مارس/ آذار، سقط 54 قتيلاً مدنياً و60 جريحاً، وفقاً لما أحصاه "المكتب الإعلامي للمدينة"، وذلك بسبب الألغام التي جاءت على شكل حجارة وأدوات عادية يُمكن استخدامها من قبل الأطفال أو أي طرف آخر لكنها في الحقيقة مفخّخة.



المركز السوري للأعمال المتعلّقة بالألغام ومخلّفات الحرب، دخل في 25 فبراير الماضي إلى الباب عقب طرد "داعش" منها، وأجرى مسحاً شاملاً في المدينة، وأعدّ خرائط لأماكن الألغام وكميّتها ووضع شاخصات تحذيرية في بعض الأماكن تمهيداً لوضع خطّة استجابة لبدء نزع هذه الألغام، وإعادة المدنيين إلى مناطقهم من دون أي أخطار على حياتهم. ويوضح جمال العثمان أن الألغام هي أكبر العوائق التي واجهت المجلس والمدنيين داخل المدينة، لافتاً إلى أنّها منتشرة في كل مكان داخلها، وأن التنظيم لم يترك منزلاً للمدنيين أو شارعاً أو حجراً أو شجرة إلا قام بتفخيخها. ويشير إلى أن عملية نزع هذه الألغام تسير بوتيرة بطيئة بسبب عدم وجود جهات قويّة مدربة ومتخصّصة وإنما يقتصر الأمر على جهاتٍ فردية ومنظّمات بإمكاناتها المتوافرة.

وحول عدد السكان في المدينة، يلفت العثمان إلى أنهم كانوا 162 ألفاً مع بدء الصراع السوري، لكن من بقي منهم اليوم فعلياً لا يزيد عن 30 ألفاً فقط، أي أن أكثر من ثلاثة أرباع أبناء المدينة هم إما نازحون إلى القرى والبلدات الأخرى في ريف حلب، أو لاجئون في دول الجوار والدول الأوروبية. ويشرح العثمان أن توقيت مناشدة المدنيين للعودة لم يحن بعد، بسبب وجود الكثير من الألغام داخل المدينة والتي تؤدي لمقتل كثير من المدنيين، وعلى أساس ذلك فإن عملية إعادتهم إلى منازلهم بأمان تتطلّب نزع كل هذه الألغام وتأمين المياه من مصادر بديلة ليُصار إلى عودتهم لمنازلهم.