جدال ألماني داخلي بشأن الانخراط في سباق التسليح

جدال ألماني بشأن الانخراط بسباق التسليح: قلق من الصادرات لدول عربية وإسرائيل

19 نوفمبر 2017
غواصة "دولفين" في تل أبيب (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -


أعاد تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد الألمانية حول منح السلطات في برلين تصاريح جديدة لصفقات تصدير الأسلحة إلى الواجهة. وقد فتح هذا الأمر جدلاً جديداً حول مشاركة برلين في سباق التسلّح في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن الآليات المعتمدة في تلك الصفقات والهدف منها، بعد أن تضمّن التقرير أرقاماً واضحة عن قيمتها التي زادت أكثر من 3 أضعاف عن العام الماضي. ودار النقاش حول التوقيت الدقيق لتواصل تسليم الأسلحة ضمن هذه الصفقات والإمدادات، إلى بعض الدول، ومنها السعودية ومصر وكذلك صفقة الغواصات مع إسرائيل، التي أثيرت أخيراً الكثير من التساؤلات حولها. وفنّدت البيانات المفصّلة للوزارة، الزيادة في التصدير، وذلك كردٍّ على طلب نائب حزب اليسار شتيفان ليبريش.

في هذا السياق، أشارت صحيفة "تاغس شبيغل"، إلى أن "الجواب في التقرير تضمّن الموافقة على أصول الدفاع السعودية بقيمة 148 مليون يورو في الربع الثالث من هذا العام، علماً أنه وفي نفس الفترة من العام الماضي كانت حوالي 41 مليون يورو، فيما بلغ حجم الصادرات إلى مصر نحو 298 مليون يورو، بعد أن كان 45 مليوناً في عام 2016". وكشف التقرير أيضاً أن "صادرات الأسلحة الألمانية زادت إلى 1.27 مليار يورو في الربع الثالث من هذا العام، بينها 871 مليون يورو سيتم توريدها إلى بلدان خارج الاتحاد الأوروبي، وهي ليست دولاً أعضاء في حلف شمال الأطلسي".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كان لافتاً التصويب من قبل خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية، على صفقة الغواصات الألمانية التي تمّت الموافقة عليها أخيراً إلى إسرائيل، بعد أن أُثيرت الكثير من علامات الاستفهام حولها، نتيجة شبهات في تل أبيب بالفساد وتبييض أموال حولها. وتمّ تعليقها لفترة محدودة، قبل أن تعود سلطات برلين، الشهر الماضي، لتوافق على إتمام الصفقة بشروط، إثر الاتفاق على توقيع مذكرة تفاهم ضد الفساد. وهو ما ذكره موقع "شبيغل أون لاين" أخيراً، مشيراً إلى أن "تسليم الغواصات لن يتم إلا بعد انتهاء القضاء الإسرائيلي من النظر في القضية وحفظ كافة التحقيقات، وإبداء خلاصة بكل الملابسات التي رافقتها". مع العلم أن المتحدث باسم الحكومة شتيفان زايبرت أكد أخيراً، أن "صفقة بيع ثلاث غواصات ألمانية نوع دولفين من صناعة شركة تيسينكروب الألمانية سلكت طريقها"، ومن أن "ألمانيا ستمول الصفقة بـ540 مليون يورو، أي ما يوازي ثلث قيمتها البالغة نحو 1.5 مليار يورو، وذلك عملاً بمسؤوليتها تجاه أمن إسرائيل. مع الإشارة إلى أنه كان هناك خشية إسرائيلية من إلغائها بالمطلق، إنما ما حال دون ذلك تدخّل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين مباشرة لدى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارته في أغسطس/آب الماضي لبرلين.

كل ذلك دفع بعض المسؤولين الألمان للمطالبة بفرض قيود شديدة على صادرات الأسلحة الألمانية في المحادثات الاستشرافية للتحالف المتوقع للائتلاف الحكومي، الجامع لأحزاب الاتحاد المسيحي والليبرالي الحر والخضر، وذلك لمساهماتها في تأجيج الصراعات في الإقليم الذي تسوده الكثير من الاضطرابات والمواجهات والتهديدات العسكرية، ما تسبب في زيادة الأوضاع الإنسانية مأساوية. بالفعل فإن هذه الأرقام دفعت بالنائب اليساري شتيفان ليبريش للتعبير عن موقفه باستهجان قائلاً إنه "إذا لم تجر الحكومة الاتحادية الجديدة تغييرات جوهرية في سياسة صادرات الأسلحة، فإنها ستكون متواطئة في عدد لا يحصى بها من الوفيات في الصراعات في أنحاء العالم وحظر تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاعات، فضلاً عن مطالبة آخرين لحزب الخضر، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بالعمل على قانون يلزم بآلية محددة لإتمام صادرات السلاح إلى مناطق الأزمات، بعيداً عن الدور الذي تقوم به الحكومة الاتحادية في تنظيم صادرات السلع الحساسة وفي إعداد لوائح الأسلحة المعدة للتصدير.



في هذا السياق، اعتبر رئيس حزب الخضر، جيم أوزديمير، المشارك في مباحثات الائتلاف الحكومي، بأن "هناك هدفاً مشتركاً لتخفيض صادرات الأسلحة". وهو ما أكدت عليه أيضاً النائبة عن حزب الخضر أنيسكا بروغر، بالقول إن "حزبها يسعى لورقة توضح آلية مراقبة عمليات تصدير الأسلحة". في وقت قال المتحدث باسم الحزب أوميد نوريبور، إن "تقييد مبيعات السلاح لدى حزبه لها أولوية قصوى في المفاوضات مع الاتحاد المسيحي والحزب الديمقراطي الحر"، مؤكداً في حديثٍ لـ"تاغس شبيغل" أن "الأمر سيتغيّر عندما نحكم".

وعلى غرار حزب الخضر، وعد الحزب الليبرالي الحر، في برنامجه الانتخابي بوضع قانون لعمليات تصدير الأسلحة، على أن "يتم تفسير المبادئ التوجيهية التي تتحكم بعمليات التصدير بدقة". وهذا ما شكّك فيه كثيرون انطلاقاً من أنه حتى ولو تم تشكيل الائتلاف الحكومي فإن حضور حزب الخضر الرافض لعمليات تصدير السلاح، دافعاً بهذا الاتجاه، إنما عملياً لا قدرة لديه لذلك، نظراً لحجمه داخل الائتلاف المتوقع. ومن المرجح استمرار عمليات توريد السلاح لما لها من منفعة اقتصادية على البلاد، إنما هذا لا يمنع من أن تكون المعارضة أكثر شراسة وصراحة في الدفاع عن موقفها في هذا المجال.

بدورهم، رأى باحثون أنه "على الرغم من أن تصدير الأسلحة يطرح إشكالية في البلاد، إلا أنه يتم التعامل مع الكثير من الدول في القضايا الأمنية والسياسية المشتركة، على أولوية أساسية تقوم على مكافحة الإرهاب". في وقت اعتبر الخبير في شؤون الشرق الأوسط الألماني غيدو شتاينبرغ، في مقابلة مع مجموعة "فونكه" الإعلامية أخيراً، أن "تزويد ألمانيا لدول النزاعات في المنطقة العربية وبلدان الشرق الأوسط بالأسلحة والمعدات واللوازم العسكرية الألمانية، ليست حاسمة في مهام القوات العسكرية لتلك الدول". مع تأكيده على أن "سياسات بعض الدول في المنطقة العربية أصبحت أكثر عدوانية في السنوات الأخيرة وباتت تشارك في مهمات قتالية"، مضيفاً بأن "هذه الدول تنوّع في عمليات الاستيراد، وتشارك دولاً أوروبية أخرى في تلك الصفقات، بينها فرنسا وبريطانيا". وأوضح أن "أهم المعدات والأسلحة وأكثرها فعالية تصل من الولايات المتحدة التي تشارك بشكل غير مباشر في الحروب".



المساهمون