حتى لا يُصبح قدّيساً

13 نوفمبر 2017
رصّ صور الحريري لإعادة إنتاج "قديس" (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

أنتجت السياسة اللبنانية عشرات المظلوميات الطائفية على مرّ التاريخ، منذ الاستقلال حتى اليوم. ولأن حياة "الزعيم" أكثر قيمة من حياة الفرد، في مُجتمع دأب على تبني أشكال التبعية الطائفية والقبلية والسياسية، احتّلت الاغتيالات والإخفاءات للزعماء حيزاً واسعاً من مظلومية الطوائف.

قدّس اللبنانيون من قُتل أو سُجن أو اختفى من زعمائهم، وبات كُل خارج عن "نهج الراحل" شيطاناً رجيماً، فاستحال التعايش بين أحياء يتعثّرون برفات مشاريع أمواتهم المُتعارضة. بررّ الخصوم الاغتيال السياسي والمعنوي، وحتى الجسدي، لخصومهم، حتى أصبحت لغة القتل أداة من أدوات التخاطب السياسي في لبنان. ومن نجا من سكاكين الداخل، طاولته أدوات القتل الاستخباراتية، العربية والأجنبية، التي وجدت في لبنان ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.

وبات طبيعياً توقّع "موت غير طبيعي" لكثير من اللاعبين الأمنيين والسياسيين في لبنان، في إطار طي الصفحات أو إنجاز التسويات. ولا يخلو حزب أو مؤسسة أمنية أو عسكرية، أو فصيل مُسلّح، من قائمة تضم عدداً من القيادات المُغتالة، التي تستمر الأحزاب بشرعية دمائهم، لا بشرعية مشروع سياسي واضح يُغير الواقع التعيس للمواطنين اللبنانيين. واليوم، وبسرعة كبيرة، يُعاد إنتاج "قديّس" جديد وُلد من رحم بيت سياسي قُتل مُؤسّسه في تفجير هائل هزّ بيروت والشرق الأوسط في العام 2005. هي عدة العمل ذاتها. أغاني وإعادة رص صور سعد الحريري في الشوارع والساحات، للمطالبة بعودته من الرياض، بعد أن أعلن منها فتح جبهة لبنانية ضد إيران.

لا يجب أن يتجاوز ضجيج التضامن مع الحريري صوت القراءة الهادئة لكل المعطيات السياسية الواقعية، التي أدت بالنظام اللبناني إلى إعادة إنتاج أزمة جديدة وُلدت من فشل محاولات التوافق المحلي ومن تصاعد الخلاف الإقليمي. والحريري ابن الأزمتين معاً. هو ابن "نهج التسوية"، الذي أدى به لتقديم عشرات التنازلات الكبيرة للمحور السوري – الإيراني، الذي أثبتت التجربة أنه لا يشبع سياسياً، وأن كل تنازل يُعزز مبدأ "خذ وطالب" الذي ينتهجه هذا الفريق. وأيضاً هو ابن المحور السعودي، الذي انفلشت أخطاؤه التكتيكية والاستراتيجية على طول خارطة المنطقة وعرضها. وإن كان جائزاً لوم الفريق اللصيق بالحريري الذي دفعه إلى انتهاج التسويات، فبالتأكيد لا يجوز تحويله إلى قديس جديد في عملية تسمح بإعادة إنتاج الأخطاء السياسية وتبريرها.

المساهمون