"الهجمات الصوتية" توتّر علاقات واشنطن وهافانا

29 أكتوبر 2017
سحبت واشنطن الكثير من دبلوماسييها في هافانا(أدالبرتو روك/فرانس برس)
+ الخط -
كأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عازم على إسقاط كل "إنجازات" سلفه باراك أوباما، فبعد انسحابه من اتفاقية المناخ، ورفضه التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي، ها هو ترامب يعيد توتير الأجواء مع كوبا، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها أوباما في مارس/آذار 2016 إلى هافانا، وأنهت سنوات من المقاطعة وفتحت المجال لتطبيع العلاقات بين البلدين.

وجاء التحقيق حول الحوادث الغامضة التي سبّبت أضراراً جسدية لدبلوماسيين أميركيين في كوبا، لتخلق أزمة جديدة بين البلدين، مع تأكيد ترامب أن كوبا "مسؤولة" عن ذلك، بينما اعتبر البيت الأبيض أن هافانا كانت "تملك وسائل لوقف الهجمات". في المقابل، قال الكوبيون إنهم برهنوا على حسن نية باستقبالهم محققي مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) ثلاث مرات هذه السنة. لكن واشنطن تجاهلت هذه الوقائع وسحبت في منتصف سبتمبر/أيلول أكثر من نصف طاقمها الدبلوماسي في كوبا وأبعدت 15 دبلوماسياً كوبياً عن الأراضي الأميركية. ومنذ حوالي شهر أوقفت الولايات المتحدة منح التأشيرات في كوبا، في إجراء اعتبرته هافانا "غير مبرر".
ورأى الأستاذ في جامعة تكساس ريو غراند فالي، الخبير الكوبي ارتورو لوبيز-ليفي، أنه باتخاذ إجراءات من هذا النوع من دون انتظار نتائج التحقيق، يقوم ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون "بنقل العلاقة مع كوبا إلى مستنقع، من دون أن يقترحا أي إمكانية للخروج من الأزمة".

ومنذ الكشف عن القضية في أغسطس/آب الماضي، أثار التحقيق فيها جدلاً بين البلدين. وفي برنامج وثائقي بثه التلفزيون الحكومي الكوبي مساء الخميس الماضي، رفض مسؤولون كوبيون عن التحقيق تحميل هافانا أي مسؤولية وانتقدوا الجانب الأميركي بسبب عدم تعاونه. وأكد مسؤول عن الشق الطبي من التحقيق، الطبيب مانويل فيار، أن واشنطن رفضت تقاسم الملفات الطبية للأشخاص المتضررين أو السماح للأطباء الأميركيين بتبادل المعلومات مع زملائهم الكوبيين. وقال إن "التعاون كان معدوماً والتقارير التي تلقيناها لا توضح ما حدث".


وتتعارض روايات مختلف الأطراف عن هذه الحوادث الغامضة. وقال دبلوماسيون أميركيون إن هذه "الهجمات" التي أثرت على 24 دبلوماسياً بين نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وأغسطس/آب 2017 في منازل وفنادق في العاصمة الكوبية، نُفذت بواسطة أجهزة صوتية. لكن هذه الرواية دحضها ما خلص إليه فيلم وثائقي بثّته السلطات الكوبية مساء الخميس، وأشارت فيه إلى غياب الأدلة التي تؤكد أسباب أو مصدر الأضرار الجسدية التي يجري الحديث عنها في الولايات المتحدة (صداع وغثيان وأضرار دماغية طفيفة وإصابة بالصمم...). وقالت هافانا إن الخبراء المحليين حللوا من دون التوصل إلى أي نتيجة، عدداً من العينات التي أخذت من محيط المقار الدبلوماسية والفنادق المعنية، وحققوا في عدد من الفرضيات مثل وجود سموم أو أمواج كهرمغناطيسية أو حشرات تصدر أصواتاً. وبث عدد من وسائل الإعلام الأميركية الأسبوع الماضي، تسجيلاً صوتياً عُثر عليه في هاتف أحد الضحايا.

لكن خبراء قالوا إن هذا التسجيل يشبه إلى حد كبير صوت صرصور أو جندب ولا يوضح شيئاً. وقال البروفسور كوسيك ساركار من معهد الهندسة في جامعة جورج واشنطن الذي حلل الصوت في المختبر: "بوصفه هذا لا يبدو أن الصوت يسبّب أي ضرر".
وشكك عدد من الخبراء في الولايات المتحدة وكوبا في إمكانية تنفيذ مثل هذه الهجمات. لكن مدير متحف التجسس في واشنطن، بيتر ارنست، ذكّر بأن "عدداً كبيراً من المنظمات عملت في الماضي في مجال استخدام الصوت سلاحاً". من جهته، قال الخبير الفرنسي في مجال البيولوجيا الكهرطيسية، دوني بيدا، إن بث أمواج تحت صوتية بسرية ومحددة الأهداف يصعب التفكير به لأنه يتطلب مكبرات صوت قوية ومساحات كبيرة لتكون قادرة على التسبب بأضرار جسدية. لكن بث أمواج فوق صوتية مضرة انطلاقاً من أجهزة لا يمكن رصدها "أمر وارد تماماً من وجهة النظر التقنية"، مثل استخدام هوائي عن بُعد أو من علبة صغيرة تحوي أجهزة بالقرب من الهدف. وقال ارنست "قرأت التقارير حول الهجمات في الفنادق وهذا أمر غريب جداً. قد يكون الأمر حادثاً ما أو نشاطاً صناعياً أو عملية ما فاشلة".

(فرانس برس)