تسود حالة من الترقب في الساحة الفلسطينية بعد اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه الخميس الماضي في القاهرة، بين حركتي "فتح" و"حماس"، برعاية ومشاركة جهاز الاستخبارات المصرية. ويتساءل مراقبون عما إذا كان التوقيع على اتفاق المصالحة سيعني بالضرورة أنّ المصالحة الداخلية سيجري تنفيذها على أرض الواقع وستصبح أمراً محتوماً. وترتبط المرحلة التالية بعد التوقيع من قبل "حماس" و"فتح"، بالنوايا وتعزيز الثقة بين الطرفين. وفي حال تم ذلك، فهذا يعني أنّ المصالحة لن تصطدم بعراقيل، كما حصل لاتفاقيات سابقة.
لكن في المقابل، يشكك بعضهم في اتفاق المصالحة الجديد، إذ إنّ الطرفين يتعاملان معه حتى الآن كأنه اتفاق مرحلي وتجريبي، لا سيما أنّه على أرض الواقع لم يتغير شيء، ولم تظهر حتى نوايا وبوادر لتغيرات تمس السكان، وهم الطرف الأضعف في الاتفاق السياسي بين "حماس" و"فتح".
ووقعت الحركتان اتفاقات سابقة عدة، وجرى بعد ذلك خلاف عميق بينهما على تفسير نصوصها. وقد يتكرر الخلاف بشأن الاتفاق الجديد، إذ يمكن أن يفسره كل طرف كما يريد، ما يعني العودة لمربع الخلاف الأول بين الطرفين.
وتبدو "حماس" حتى اللحظة مستعجلة في تنفيذ المصالحة على الأرض ورفع عبء العمل الحكومي عن كاهلها، فيما تقابل "فتح" ذلك بالحذر، وحتى التشكيك في نوايا الحركة الإسلامية التي ستبقى قوتها العسكرية كابحاً لجماح سيطرة السلطة الفلسطينية بشكل كامل على قطاع غزة.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، لـ"العربي الجديد"، إن المصالحة الفلسطينية ونجاحها مرهونان بالأطراف التي أنتجتها كالوضع الدولي الذي لم يكن متوفراً سابقاً والدور المصري غير المسبوق الذي كان حاضراً وبقوة هذه المرة في التفاهمات، وفق تعبيره. ويضيف عوكل أن نجاح المصالحة كذلك مرهون بمدى تفسير الحركتين لها وللاتفاق الذي تفاهمتا عليه أخيراً في القاهرة، خصوصاً في ظل وجود بعض الملفات العالقة كـ"منظمة التحرير الفلسطينية" وسلاح المقاومة والانتخابات. ويشير إلى أن هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة، خصوصاً في ظل الإيجابية التي تتعامل بها حركة "حماس"، إلا أن محاولة أي طرف تأويل الاتفاق على قاعدة المنتصر والمهزوم، قد يكون من مسببات عدم نجاح المصالحة، بحسب قول عوكل.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، أن المصالحة الفلسطينية ونجاحها مرهونان بالأطراف الثلاثة ذات العلاقة بها المتمثلة في الراعي المصري وطرفي الانقسام، "فتح" و"حماس"، ومدى التعامل معها على أنها خيار وليس مصلحة. ويقول محيسن لـ"العربي الجديد" إنه إذا كانت الدولة المصرية معنية بما جرى من تفاهمات في القاهرة، فإنها ستعمل على إنجاز سلسلة اتفاقيات سياسية بين الجانبين حتى تفكك الانقسام الداخلي بشكل كامل. ويوضح أن رؤية كل طرف للاتفاق والتفاهمات هي أحد عوامل النجاح، لا سيما في ظل الخشية من العودة لنقطة الصفر مجدداً والاصطدام بملفات كـ"منظمة التحرير" أو غيرها، وذلك بعد تمكين الحكومة من العمل في غزة.
ويؤكد محيسن على ضرورة أن يكون خيار المصالحة طوعياً وليس بسبب الظروف التي ضغطت على الجانبين للتوجه نحو إنجازها. لكنه يميل إلى الاعتقاد بأن هناك تأثيراً للوضع القائم والضاغط على كلا الطرفين، بدءاً من فشل البرامج السياسية ورغبة حركة حماس في التخلي عن الحكم كونه أثقل كاهلها وأثر على عملها كحركة مقاومة، وفق تعبير محيسن. غير أنه يشير إلى أن تصريحات كلا الطرفين، "فتح" و"حماس"، توحي بأن هناك جدية وقناعة حاضرة لديهما، بإنجاز اتفاق المصالحة هذه المرة والعمل على تنفيذه مع بقاء حالة الخوف حاضرة، على حد قوله.
وعن العوامل التي من شأنها إفشال المصالحة، يبيّن محيسن أن المجتمع الدولي المتمثل في الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، يعتبران من أهم الأسباب التي يمكنها التأثير على نجاحها عبر الضغط على الراعي المصري أو على أحد الأطراف للانسحاب وعدم إتمام المصالحة.