عسكرة وزارة التموين المصرية:هكذا أطاح صراع القمح خالد حنفي

07 سبتمبر 2016
حنفي خلال مشاركته بمنتدى في بيروت العام الماضي(بلال جاويش/الأناضول)
+ الخط -
يتكامل اختيار اللواء محمد علي الشيخ، لتولي وزارة التموين والتجارة الداخلية في الحكومة المصرية، خلفاً للوزير المستقيل، خالد حنفي، مع معلومات جديدة حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر مطلعة في وزارة التموين ومجلس الوزراء، تؤكد أن استقالة حنفي جاءت على خلفية خلاف حاد، بينه وبين عدد من المسؤولين العسكريين، بسبب دفاعه عن المصالح التنافسية لرجال أعمال كبار في مواجهة رغبة الجيش في توسيع أنشطته الاقتصادية، في مجال استيراد القمح وإدارة منظومة إنتاج الخبز التمويني.

تروي المصادر معلومات متطابقة عن أن خروج قصة إقامة وزير التموين السابق في فندق سميراميس (فئة خمسة نجوم بوسط القاهرة)، والتي تم الترويج لها باعتبارها شاهداً على فساده، كانت من ثمار "مخطط أداره عدد من المسؤولين العسكريين، بالتعاون مع الدائرة الاستخباراتية-الرقابية، التي شكلها رئيس النظام، عبدالفتاح السيسي، لإدارة المشهد السياسي، والتي نجحت في الترويج الإعلامي الواسع لهذه القصة كدليل على فساد الوزير وعلاقاته خارج إطار العمل الرسمي من خلال النائب البرلماني والصحافي المقرب من السلطة، مصطفى بكري". وتوضح المصادر أن قصة الخلافات بدأت في شهر أبريل/نيسان الماضي، عندما تقدم جهاز مشاريع الخدمة الوطنية من خلال وزير الدفاع، صدقي صبحي، إلى مجلس الوزراء بمقترح مفاده دخول الجهاز كمستورد ومخزن أساسي للقمح المستورد، واستغلال الصوامع الجديدة التي أنشأها الجيش في عدد من الموانئ الجديدة لهذا الغرض، ووقف أنشطة رجال الأعمال في استيراد القمح جزئياً.

وبرر جهاز الخدمة الوطنية هذا المقترح بتلقي هيئة الرقابة الإدارية (التي شهد عهد السيسي اتساعاً مطرداً في صلاحياتها وسلطاتها) عدداً من الشكاوى حول وجود شبهات فساد في تعامل بعض رجال الأعمال في مجال القمح المستورد، مثل تقاضي أموال من الحكومة مقابل حصص من القمح، وعدم سدادها بالمواصفات المحددة، أو تقاضي مبالغ من وزارتي التموين والزراعة مقابل زراعة القمح في عدد من الأراضي، وزراعة منتجات أخرى أكثر ربحية.

وكان جهاز الخدمة الوطنية يدرك جيداً أن دخوله في هذا النشاط سيؤدي بالضرورة إلى الحد من المنافسة فيه، كما حدث في جميع الأنشطة التي دخلها الجيش خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومنها مقاولات الطرق والإنشاءات الحكومية، والبنزين والطاقة، وإعلانات الطرق، واستيراد اللحوم رخيصة الثمن وغيرها. ووفقاً للمصادر، أبدى حنفي معارضة شرسة للمقترح العسكري لسببين؛ الأول يتمثل بخوفه من تآكل سوق استيراد القمح وعدم استيراد أنواع مختلفة ومتدرجة من القمح، الذي يسمح بتصنيع منتجات ذات مستويات مختلفة، مما يؤدي إلى كساد السوق أو زيادة تكلفة الخبز التمويني الذي يعتبره حنفي محور المنظومة التموينية الجديدة، التي طبقها اعتباراً من شهر يوليو/تموز 2014 وكانت محل ثقة وإشادة دائمة من السيسي. أما السبب الثاني فهو مراعاة المصالح التنافسية لرجال الأعمال الناشطين في مجال استيراد القمح، والذين يدافع عن مصالحهم رجل الأعمال، أحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية، والمعروف بعلاقته الوطيدة بحنفي. وتعود علاقة هذين الرجلين إلى نحو 10 سنوات، عمل فيها حنفي كمستشار محاسب للوكيل من خلال موقعه كأستاذ في كلية التجارة. وخلال هذه الفترة توطدت العلاقة بينهما إلى حد الصداقة الوثيقة، بل إن اسم حنفي طُرح لأول مرة كمرشح للوزارة من قبل الوكيل المعروف بعلاقته الوطيدة أيضاً برئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب.


ويعتبر الوكيل نموذجاً لرجل الأعمال الذي يبذل كل جهوده للحفاظ على مكاسب الفئة الاجتماعية، التي ينتمي إليها. وعلى الرغم من تأييده الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي، واختياره عضواً في لجنة الخمسين التي أعدت الدستور الحالي، إلاّ أن هذا لم يمنعه من المجاهرة بمعارضة سياسات السيسي في العديد من الملفات، وعلى الأخص توسيع أنشطة الجيش الاقتصادية، بل إن الوكيل كان وراء تحريك عدد من الدعاوى القضائية ضد هيئات عسكرية مختلفة نتيجة الأضرار، التي لحقت برجال أعمال ومستثمرين محليين بسبب احتكار الجيش عدداً من الأنشطة الاقتصادية.

وكان الوكيل مؤيداً شرساً لحق شركات الدعاية والإعلان في التنافس مع الجيش على حقوق استغلال إعلانات الطرق، وهي المشكلة التي وصلت إلى القضاء، وصدرت فيها أحكام لصالح الشركات المدعومة من الوكيل، مما اضطر الجيش إلى تسوية القضية ودياً خارج المسار القانوني.

كذلك، عارض الوكيل بشدة مقترح الجيش بالتدخل في مجال القمح، عندما عرضه عليه وزير التموين السابق، وأدى هذا إلى تشبث الوزير بموقفه المعارض أكثر، مما أثار حفيظة وزير الدفاع وقيادات جهاز الخدمة الوطنية. وتكشف المصادر عن أن وزير الإنتاج الحربي، اللواء محمد العصار، وهو معروف بعلاقته الوطيدة بوزير الدفاع وبمدير مكتب السيسي، عباس كامل، تدخل في المشكلة بذريعة البحث عن حل لها، يرضي الطرفين، وبما يسمح للجيش بالتدخل بحجة تأمين استيراد القمح، ويكفل استمرار المنافسة في الاستيراد.

وحاول حنفي إرضاء العصار من خلال طرح مشروع مشترك بينهما مع وزارة التخطيط لتنقية قواعد بيانات بطاقات التموين والخبز المدعم، بواقع 20 مليون بطاقة، يستفيد منها 80 مليون مواطن. واقترح أن تدير وزارة الإنتاج الحربي هذه المنظومة إلكترونياً وإدارياً، وأن يقتصر دور وزارة التموين على التعامل مع التجار ومقدمي الخدمة. وتشير المصادر إلى أن العصار وافق على ذلك.

وعلى عكس المتوقع، لم يؤد هذا المشروع إلى تصفية الأجواء، بل إن العصار انتقل إلى صف وزارة الدفاع، وأعلن تأييده دخول جهاز الخدمة الوطنية مجال استيراد القمح. وهذه المرة ليس لمجرد أنه عضو في الحكومة من خلفية عسكرية، بل باعتباره المسؤول الأول عن قاعدة بيانات بطاقات التموين والخبز المدعم. وبحسب المصادر، قال العصار في اجتماع لمجلس الوزراء إن البيانات، التي أعدتها وزارة التموين بشأن القمح الوارد إلى البلاد والخبز المدعم، كشفت عن وجود فقدان مبالغ مالية كبيرة، داعياً إلى التحقق من الأمر وفحصه. وهو الأمر الذي احتج عليه بشدة حنفي، لكن الأوان كان قد فات عملياً. فبعد أيام معدودة من هذه الواقعة بدأ الصحافي، مصطفى بكري، بإيعاز من جهات "سيادية"، عملية التشهير بحنفي وإقامته في فندق سميراميس. وتلقفت الصحف القريبة من السلطة هذه المعلومات لتضخيمها بالتزامن مع بدء تحقيقات النيابة في وقائع فساد استيراد القمح.

وتبين المصادر أن إصرار حنفي على موقفه المساند لمصالح رجال الأعمال التنافسية هو ما أدى إلى دفعه إلى الاستقالة، بعد اشتداد الهجوم عليه في مسألة الفندق، على الرغم من أنه لا توجد أية دلائل مطروحة حالياً على ضلوعه أو استفادته من وقائع فساد استيراد القمح، التي تحقق فيها حالياً نيابة الأموال العامة العليا، وأخلت على ذمتها سبيل تسعة رجال أعمال، بعد سدادهم المبالغ محل الاستيلاء. وترجح المصادر أن يشهد عهد اللواء محمد علي الشيخ في وزارة التموين، توسيعاً مطرداً لنشاط الجيش في استيراد السلع التموينية أو الخامات التي تدخل في صناعة السلع المدعمة، وعلى رأسها القمح. وتتوقع أن يتم تقريب المسافات بين الوزارة وجهاز الخدمة الوطنية في ما يتعلق بالتوريد والتسويق، "حتى إذا بلغ الأمر درجة إدخال منتجات للجيش على البطاقات التموينية بدلاً من الموردين المعتادين من المصانع المصرية"، وفق المصادر.

وتشدد المصادر على أن "سيناريوهات تحكم الجيش في قطاع التموين قد تؤدي إلى انتعاش ظرفي لهذه الخدمات، لكنها ستؤدي على الأمد الطويل، إلى القضاء على مظاهر المنافسة الاقتصادية في مجال تصنيع وتوريد السلع الأساسية رخيصة الثمن، بالإضافة إلى إثقال كاهل الجيش بأعباء لا قبل له بها".

تجدر الإشارة إلى أن الشيخ ترأس هيئة الإمداد والتموين للقوات المسلحة بعد عمله فيها لأكثر من 40 عاماً. وكان مسؤولاً عن عملية توفير السلع والأغذية الأساسية في منافذ الجيش خلال الفترات التالية لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وأحداث يوليو/تموز 2013. كما لعب دوراً في صالح السلطة خلال أزمة إضرابات النقل العام بين 2011 و2013 من خلال إدارة النقل التابعة لهيئة الإمداد والتموين.