عودة الأهالي لجرابلس... واستعدادات لطرد "داعش" من الشريط الحدودي

27 اغسطس 2016
اطمئنان الأهالي لتسلّم المعارضة مدينة جرابلس(سام أوزديل/الأناضول)
+ الخط -
تشهد مدينة جرابلس الواقعة شمال شرقي حلب، هدوءاً حذراً ترافق مع عودة تدريجية ومستمرة لمعظم سكانها بعد تمكُّن فصائل المعارضة السورية، بدعم من قوات خاصة تركية، الأربعاء الماضي، من خلال عملية "درع الفرات" من السيطرة على المدينة وقرى محيطة بها، إثر طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها. في غضون ذلك، يتواصل قصف المدفعية التركية لمواقع قوات "سورية الديمقراطية" التي تشكل مليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري في القرى التي تسيطر عليها جنوبي مدينة جرابلس، وفي ريف منبج الشمالي.

وعلم "العربي الجديد" من مصادر عسكرية خاصة في مدينة جرابلس أنّ فصائل "الجيش الحر"، مدعومة بقوات تركية، تحضّر لعملية واسعة في المنطقة، من المرتقب انطلاقها خلال الساعات المقبلة، مؤكدة أن الهدف من العملية هو تطهير الشريط الحدودي من التنظيم انطلاقاً من جرابلس شرقاً حتى مدينة أعزاز غرباً بعمق 15 كيلومتراً. وتمتد تلك العملية جنوباً لتشمل مدينة الباب التي كانت قوات "سورية الديمقراطية" تسعى للسيطرة عليها. وبينت المصادر العسكرية أن قوات "سورية الديمقراطية" تسعى للالتفاف على الخطوط الحمر التي اتفق الأميركيون والأتراك عليها، والتي تمنع عليهم التقدم غرب نهر الفرات، وذلك من خلال تغيير أسماء فصائلهم والعمل تحت أسماء توحي بأنهم من أبناء المنطقة.

وأوضحت أن العملية ستكون حاسمة لناحية تطهير المنطقة من وجود "داعش"، ولمنع المليشيا الكردية من التقدم غرب نهر الفرات، وإجبارها على الانسحاب إلى شرقي النهر، مبيناً أن القوات التركية استقدمت تعزيزات إضافية لحسم المعركة بالطريقة ذاتها التي تم فيها حسم معركة جرابلس.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، في حديث لـ"العربي الجديد" إن عملية درع الفرات مستمرة حتى تمشيط الحدود التركية الواقعة غرب الفرات، وطرد الإرهابيين من "داعش" والمليشيات الكردية، وقد تمتد حتى الباب ومنبج. ويكمن أحد أهدافها في عدم السماح لكيانات إرهابية أو انفصالية إقامة دويلات في المنطقة. وعن رأيه بالتفاف قوات "سورية الديمقراطية" على الخطوط الحمر، يشير إلى أن "تركيا تحارب فكر حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري للعمال الكردستاني) الإرهابي، ولا عبرة من تغيير الأسماء، فالخطة المقبلة طرد حملة هذا الفكر من منطقة غرب الفرات". واستبعد يلماز أن تكون تركيا تنوي إقامة أية قواعد عسكرية في سورية، لكنه بيّن أنها ستبقي قواتها في المنطقة حتى تحقق العملية أهدافها، وهذا ما صرّح به أكثر من مسؤول تركي، أخيراً.

وعن موضوع المنطقة الآمنة وإمكانية تطبيقها بعد دخول تركيا إلى الساحة السورية، قال إنه "حالياً لا يوجد اتفاق دولي بخصوص المنطقة الآمنة، لكن إذا استطاعت تركيا تطهير المنطقة المقصودة من الإرهاب، فذلك يعتبر خطوة أولى باتجاه إقامة منطقة آمنة ويبقى أن تتوافق الدول المعنية على ذلك".





في غضون ذلك، تتواصل عودة المدنيين من أبناء جرابلس إلى بيوتهم التي تركوها خلال الأيام الأخيرة التي شهدت انسحاب التنظيم، لتبسط المعارضة والقوات الخاصة التركية سيطرتها على المدينة. وحتى أمس الجمعة، عاد معظم سكان المدينة بعد قضائهم ليلتين أو ثلاثا في بيوت أقاربهم بالقرى المحيطة بجرابلس، أو في الأراضي الزراعية القريبة من الحدود، وهي الأماكن التي لجأ إليها سكان جرابلس الذين توجسوا من اندلاع مواجهة عنيفة بين قوات "درع الفرات" من طرف و"داعش" من طرف آخر.

وأعاق إتمام عودة المدنيين إلى المدينة، بشكل سريع، قيام عناصر "داعش" بزرع عدد كبير من الألغام في شوارع المدينة ومبانيها. وتواصل مجموعات الهندسة العسكرية في فصائل المعارضة والقوات الخاصة التركية عمليات البحث عن الألغام ونزعها أو تفجيرها عن بعد. وسُمع، ظهر أمس الجمعة، أصوات انفجارات عدة عند بوابة جرابلس الحدودية، ثارت معها مخاوف السكان من حصول مواجهة مع عناصر متسللين من التنظيم إلى المكان، قبل أن يتبين أن هذه الأصوات ناتجة عن تفجير عناصر الهندسة العسكرية للألغام.

وعادت الحياة إلى أسواق المدينة وشوارعها الحيوية، إذ فتحت المحلات التجارية أبوابها وبدأت تستقبل الزبائن، بالإضافة إلى استقبال التجار من أبناء القرى المجاورة الذي يجلبون معهم منتجاتهم المحلية من ألبان وأجبان وخضار وغيرها لبيعها إلى تجار جرابلس.

وقال أحد سكان المدينة العائدين محمد الحسين لـ"العربي الجديد" كانت مخاوفنا كبيرة من أن تستولي المليشيات الكردية على مدينتنا بعد التنظيم وننتقل من السيئ إلى الأسوأ، إلا أن دخول فصائل الجيش الحر بعدما حرروا المدينة بمساعدة القوات التركية أعاد لنا الأمل بعودة آمنة إلى أرضنا". وأضاف "لم أصدق أن كابوس داعش ابتعد عن جرابلس خلال 24 ساعة. سنقوم بحملة لتنظيف مدينتنا من كل آثار التنظيم وإعادتها مدينة حيوية ومركزاً تجارياً للمنطقة، ولنا أمل كبير بأن تكون جزءا هاماً من المنطقة الآمنة".

لكن هذه العودة لم تُنسِ السكان مخاوفهم من حصول تغيرات قد تؤدي إلى تدهور الوضع مجدداً في المدينة، ذلك أن التوتر المتصاعد بين المعارضة والقوات التركية من طرف والمليشيات الكردية التي عززت مواقعها في قرى واقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى الجنوب من جرابلس من طرف آخر أثار خوف السكان من الأيام المقبلة. ويرى مراقبون أنّ أطماع المليشيات الكردية بالتمدد نحو جرابلس ورفض المعارضة والقوات التركية لها قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية كبيرة في المنطقة، ما قد يدفع السكان إلى النزوح مجدداً.