مع بداية العدّ العكسي للإعلان عن نتائج تقرير اللجنة البريطانية الخاصة بالتحقيق في ملابسات غزو العراق عام 2003 "لجنة السير جون تشيلكوت"، في السادس من شهر يوليو/تموز المقبل، تظلّ التكهنات بأن يوجّه التقرير انتقادات حادة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بوصفه "المسؤول الأول عن قرار مشاركة بريطانيا في غزو العراق إلى جانب الولايات المتحدة".
وما يَرشح أو يُسرّب من معلومات، خلصت لها لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الوزراء البريطاني السابق، غوردون براون، في عام 2009، يشير إلى اتهام بلير بـ"سوء التخطيط والتقدير"، لا سيما فيما يخصّ إدارة العراق في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، فضلاً عن توجيه انتقادات أقل حدّة بسبب "الكذب" في المعلومات التي قدمها بلير للشعب البريطاني وممثليه في مجلس العموم، في ما يخصّ أسلحة الدمار الشامل العراقية، وضرورة التحرك السريع لتدميرها.
وفي مقابل هذه الاتهامات الخطيرة، تشير تقارير صحافية بريطانية إلى أن "بلير شرع، منذ أيام، بعقد اجتماعات مع حلفائه السياسيين، وعدد من المسؤولين السابقين الذين شاركوه قرار الحرب على العراق، لإعداد ردود على تقرير تشيلكوت، على أساس حجتين الأولى: تأكيد فرضية أن الشرق الأوسط لم يكن ليصبح أكثر استقراراً لو تُرك صدام حسين في السلطة، وهو قادر على تطوير أسلحة دمار شامل. والحجة الثانية: إن إيران وتنظيم القاعدة هما المسؤولان عن حمام الدم المتواصل في العراق منذ 2003".
وكان بلير قد مثّل في 29 يناير/كانون الثاني 2010 أمام لجنة التحقيق البريطانية، لتقديم الحيثيات التي استند إليها للمشاركة في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وقُتل فيها 179 جندياً بريطانياً. وقد دافع بلير بقوة عن القرار الذي اتخذه عام 2003، بإرسال أكثر من أربعين ألف جندي بريطاني للمشاركة في حرب العراق، زاعماً أن "تقييم المخاطر التي كانت تفرضها الدول المارقة، تغيّر بشكل جذري بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة".
ووصف بلير الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، أنه "وحش" وقال في عام 2010، إنه "لا يزال يعتقد، حتى اليوم، أنه كان من الصواب الوقوف دون تطوير الدول المارقة لأسلحة الدمار الشامل". وأكد بلير أمام اللجنة أنه "قرر المشاركة في الحرب بسبب خرق صدام حسين قرارات الأمم المتحدة، وليس بدافع تغيير النظام". وقد عمدت اللجنة التي كان يفترض أن تنشر تقريرها نهاية العام 2011 إلى تأجيل الإعلان عن نتائج تحقيقاتها أكثر من مرة.
ومع أن لجنة "تشيلكوت" ستوجّه انتقادات لكامل الفريق السياسي والعسكري الذي شارك بلير قرار الحرب، بما في ذلك وزير الخارجية آنذاك، جاك سترو، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية "إم أي 6" السير ريتشارد ديرلوف، ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة، السير جون سكارليت، ووزير الدفاع، جيف هون، ووزيرة التنمية الدولية، كلير شورت، إلا أن الناجي الوحيد من انتقادات اللجنة، كما تشير التسريبات، سيكون مسؤول الاتصال والعلاقات الإعلامية، المستشار المُقرب من توني بلير، أليستر كامبل.
مع العلم أن كامبل وزّع في الثالث من فبراير/ شباط 2003، ملفاً على وسائل الإعلام زعم أنه ملف "الأدلة الاستخباراتية الدامغة" على "امتلاك العراق ورئيسه صدام حسين أسلحة دمار شامل جاهزة للنشر خلال 45 دقيقة". وتبين فيما بعد أن معظم المعلومات الواردة في الملف "المُفبرك" منسوخة من مصادر غير موثوقة، وأن جزءاً كبيراً منها مقتبس دون أمانة علمية من بحث أكاديمي كتبه طالب دراسات عليا، عراقي الأصل. وعن حجة عدم توجيه أي انتقاد لكامبل، تكشفها صحيفة "الإندبندنت"، التي اعتبرت أن "اللجنة لن توجه أي انتقاد لكامبل، على الرغم من دوره في فبركة تقرير الـ45 دقيقة، لأن المكتب الإعلامي يقدم الاستشارات والنصائح، ولا يتدخل في تنفيذ السياسات والقرارات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بقرار المشاركة في حرب".
وعلى الرغم من كل التكهنات حول الانتقادات القاسية والشديدة التي ستوجّهها لجنة التحقيق لتوني بلير، ووضع بلير "الدفاعي"، إلا أن المراقبين لا يرجّحون أن تؤدي نتائج التحقيق إلى حدّ تقديم بلير للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته في جرائم حرب، كما يطالب كثيرٌ ممن عارضوا حرب العراق في العام 2003. بالتالي لن يتجاوز الأمر مجرد الانتقادات الأدبية التي ستضع بلير في وضع دفاعي ومحرج، "إلا أنه سيخرج من بين زخات الرصاص بقليل من الإصابات"، كما قال أحد أصدقائه، رئيس الوزراء البريطاني السابق، لصحيفة "صنداي تايمز".