الرمادي بعد "داعش"... مدينة تطفو على حقل ألغام

06 مارس 2016
تعاني القوات العراقية في تطهير الرمادي (العربي الجديد)
+ الخط -
كل شيء في الأنبار العراقية يوحي بالموت. لا وجود لمشهد يبعث على الأمل بأن هناك حياة ستنبعث قريباً من تحت ركام البيوت والأحياء المهجورة التي تحوّلت إلى مقبرة لكل شيء، سوى الحيوانات السائبة التي تتغذى على جثث القتلى. المحافظة العراقية الأكبر التي أكدت الحكومة العراقية تحريرها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) نهاية العام الماضي، لم تتحوّل إلى حطام ودمار يشمل كل شيء فخسب، بل إلى مزرعة قنابل موزّعة في كل مكان، في ظلّ انفجار الألغام المزروعة في الشوارع والجدران والبيوت والمحال التجارية بين حين وآخر، فـ"داعش" لغّم كل شيء.

ليس هذا فحسب، فالمحافظة برغم حطامها وألغامها، التي تهدّد من يسير في شوارعها بالموت في أي لحظة، إلا أنها تشهد يومياً رماية مدفعية وصاروخية لا تكاد تنقطع لساعة حتى تستأنف دويها. رماية تتبادلها القوات الأمنية العراقية وعناصر "داعش"، وتفصل بينهما مساحة بسيطة من الأراضي الزراعية والقرى المهجورة.

الوصول إلى الرمادي، مركز المحافظة، سهل وتم تأمينه من قبل القوات الأمنية، لكن التجوال بالمدينة محفوف بالمخاطر، والتعليمات الممنوحة للفرق الصحافية، تصبّ في سياق التحذير من التوغّل داخل المدينة وأزقتها، وأن يتعمّد المتجول فيها السير في الشوارع التي تحمل آثار مسير العجلات العسكرية، فهذا يعني أنها غير ملغّمة، أو تم تطهيرها من الألغام.

سوق الرمادي، استبدل صوت باعته وضجيج حركة المتسوقين والمارين فيه لأجل النزهة ومن يقطعونه اختصاراً للوقت، بصوت صفير الرياح، وهي تحمل ذرات الغبار والأتربة التي خلّفتها التفجيرات، وروائح البارود لا تزال تملأ محلاته.

اقرأ أيضاً: ضغوط إيرانية على العبادي تزجّ بـ"الحشد" في معركة الموصل 

تتناثر في السوق المناضد التي كان الباعة يعرضون عليها بضائعهم، لقد تحولت إلى مصدّات دفاعية، اتخذها عناصر "داعش" سواتر تحميهم من رشقات الرصاص، حين كانت المعارك تدور مع القوات العراقية. في هذا الإطار، يقول محمد الدليمي، الشاب الذي تطوع في صفوف العشائر، للدفاع عن مدينته، لـ"العربي الجديد"، إنه "في كل مكان لي هنا ذكريات، بكيت كثيراً وأنا أتجوّل في السوق بعد أن حررناه من داعش، ولم أعد احتمل المرور به".

ليس في المدينة بشر يسكنها، بل فقط تجمّعات لقوات الجيش وأخرى لمقاتلي العشائر من أبناء المدينة الموجودين في أماكن محددة، وتوزّعوا على نقاط عسكرية ومواقع لضرب المناطق التي يتمركز فيها داعش". أما بالنسبة إلى سيارات أهالي الأنبار، فقد صُنّف أحسنها حالاً بـ"الخردة" بعد المعارك، أما التي لم تحترق، فمزقتها القذائف وشظايا التفجيرات، أما المنازل فليست بحال أفضل من السيارات، وما لم يُهدم منها سيكون مصيره الهدم، فكل مكان بالمدينة تم تفخيخه، والتحذيرات الأمنية تفيد بـ"عدم دخول المنازل لأنها في الغالب مفخخة".

صوت نباح كلاب يُسمع من مكان ليس بعيداً. "لا ضير من السير قليلاً صوب مصدر النباح"، يقول مصور يعمل في قناة فضائية محلية: "المسدس الذي بحوزتي كفيل بحمايتنا إن هاجمتنا الكلاب". الرائحة النتنة في كل مكان. الكثير من الجثث تحت ركام المنازل والأبنية، ومنها لقوات الجيش العراقي، حسبما يقول أحمد العبيدي، المقاتل في صفوف أبناء العشائر، لـ"العربي الجديد".

يضيف العبيدي أن "بعض الجنود تهدمت فوقهم البيوت حين كانوا يقومون بتطهير المدينة، لقد لغّم داعش المنازل بطرق احترافية". يؤكد أن "الكثير من جثث الجنود موجودة تحت الأنقاض، ولا أحد يتجرأ أن يقترب ليستخرجها، خوفاً من أن تكون هناك ألغام أخرى، والمهمة تتكفّل بها الكلاب، التي صارت الجثث طعاماً لها".

الفريق الهندسي الذي يعمل على تفكيك الألغام بالمدينة لا يكفي، والحل بحسب تأكيدات النقيب في الجيش العراقي سلام الربيعي، هو أن "يتمّ القضاء على داعش، والتأكد من تطهير المحافظة بالكامل، وعندها يتم استقدام فرق دولية متخصصة بالمتفجرات، بالإضافة إلى فرقنا، لكي ترفع جميع المتفجرات". يكشف الربيع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الحلّ الأمثل يتمثل في إزالة المباني والمنازل من على وجه الأرض، وبناء المدينة من جديد، بذلك فقط نأمن على حياة الناس".

قاسم محمد، وهو صحافي من سكان الرمادي، وقف طويلاً أمام بيته وبيوت جيرانه وأقاربه، لم يتفاجأ بمشهد الدمار الذي حل بها، فقد نقل له أصدقاؤه المقاتلون في صفوف أبناء العشائر صور تلك البيوت وقد تحولت إلى ركام، لكنه يُشدّد على أنه "لن يمكننا الرجوع مرة أخرى لبيوتنا، لا حلّ سوى بهدم كل شيء وإعادة بنائه من جديد".

اقرأ أيضاً: عشرات القتلى والجرحى بغارات جوية استهدفت الأنبار والموصل

المساهمون