العملية التركية ضد "داعش": فصل يكتمل بإسقاط النظام السوري

العملية التركية ضد "داعش": فصل يكتمل بإسقاط النظام السوري

26 يوليو 2015
تسير الاستراتيجيا التركية وفق نظرية "كرة الثلج المتدحرجة" (الأناضول)
+ الخط -
تسير الاستراتيجيا التركية في العملية العسكرية ذات الأبعاد الثلاثية، وفق نظرية "كرة الثلج المتدحرجة". كرة تلتقي أجزاؤها من الداخل التركي ومن جبال قنديل الحدودية مع العراق، وطبعاً من الحدود التركية ـ السورية البالغ طولها 911 كيلومتراً لتصبح الحملة العسكرية ضخمة للغاية، بحجمها وبأهدافها، وإن ظهر ذلك على مراحل وبالتدرّج. أهداف لا يمكن الفصل في ما بينها نظراً لتعقيدات الداخل والخارج. من المفارقات السورية أنّ التدخل التركي تحت عنوان إطاحة "داعش"، يحمل في طياته هدفاً مناقضاً بالظاهر بشكل تام، وهو إطاحة النظام السوري. عبارة قد تحمل للوهلة الأولى تناقضاً ظاهراً وواضحاً، لكن تمحيصاً قليلاً يوضح أن طريق إسقاط النظام السوري يمرّ بإطاحة "داعش". هكذا يقول العارفون بطريقة تفكير القيادة التركية الحالية التي أعلنتها حرباً شاملة لإسقاط النظام بشكل غير مباشر، أي عبر إسقاط أبرز مبررات بقاء هذا النظام، "داعش"، بغطاء دولي ــ إقليمي يبدو واضحاً أنه مختلف هذه المرة عن كل ما تم تداوله في الفترات السابقة، إذ تظهر واضحة ملامح التسويات الأميركية ــ التركية ــ الخليجية في الاستفاقة التركية الأخيرة.

اقرأ أيضاً: جاووش أوغلو:المناطق الآمنة بسورية ستتشكل بعد إزالة خطر "داعش"

لقد تأخرت تركيا، لا بل تأخرت جداً قبل أن تكتشف أن شعار "أهلاً بكل من يحارب النظام السوري"، لا يمكن أن يكون شعاراً مستداماً ولا مضمون الجانب مع تنظيمات مثل "داعش" تنظر إلى الحكم التركي أو "النموذج" التركي، على أنه "حالة باغية" و"سلطة طاغوت وكافرة"، وهو ما تعبّر عنه أدبيات التنظيم الشفهية والمكتوبة في مجلته "دابق". بالتالي، كان منطقياً جداً أن يدرك العقل التركي بأن تركيا ستكون هدفاً للتنظيم عاجلاً أم آجلاً. كما كان على العقل التركي الرسمي أن يفهم أن غضّ النظر عن تسرّب مقاتلي "داعش" عبر الأراضي التركية إلى سورية، يُمعن في إضعاف الفصائل المقاتلة للنظام. من هنا، يبدو عنوان القضاء على داعش في سورية، برياً وبغطاء جوي ومدفعي تركيَّين، وليس جوياً فحسب على طريقة غارات التحالف الدولي الفاشلة، رصاصة مباشرة في صدر النظام السوري، تُضعف أو تزيل من أمام القوات المعارضة المسلحة، أبرز الأعداء عسكرياً (أي داعش مجدداً)، وأبرز المبرّرات التي لا تزال توفر لنظام بشار الأسد بعض الغطاء الداخلي والخارجي للبقاء.

منذ اليوم الأول لعسكرة الثورة السورية، ظهر أنه يصعب سقوط النظام السوري من دون تدخل تركيا؛ فهي الدولة الحدودية الأكثر وضوحاً في إعرابها عن رغبتها بتغيير النظام، وهي الدولة الحدودية الأكبر والأقوى والوحيدة القادرة بجيش المليون جندي، على تمهيد الطريق لإسقاطه بتدخل عسكري وما يليه من تحقيق مجموعة شروط ممهِّدة للسقوط، تبدأ بإقامة مناطق آمنة وحظر جوي يتمدّد مع المنطقة الآمنة أو يتدحرج إلى العمق السوري ليصبح الاشتباك مع قوات النظام وحلفائه حتمياً. ربما هذه هي الترجمة العسكرية للكلام السياسي الذي قاله أحمد داود أوغلو قبل يومين عندما حدد "بناء الديمقراطية في الجوار (اقرأ: السوري)"، كأحد أهداف العملية العسكرية "الشاملة" في سورية.

اقرأ أيضاً: ما هي قدرات الجيش التركي في مواجهة التهديدات؟

المنطقة التي ستكون "مناطق آمنة" بالجملة، بحسب تعابير وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، ليس بالصدفة أن يتزامن بدء العمل عليها مع التحولات الحاصلة في صفوف "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" حالياً؛ فبعد إحباط الجهود الساعية إلى إعلان "النصرة" فك ارتباطها عن التنظيم "الأم"، أي "القاعدة"، ليصبح بالإمكان شطبها عن لوائح الإرهاب الغربية، وتصبح بالتالي "حليف الميدان" على الأرض ضد العدو، يبدو أن الحليف الأبرز للأتراك ومن خلفهم للعواصم الخليجية والغربية سيكون اسمه "أحرار الشام"، وهو ما بدأ يظهر منذ انتشار مقالات لبيب نحاس في الصحف الأميركية والبريطانية. في هذا السياق، المنطقة أو المناطق الآمنة من النوع الذي بدأ يتشكل في الشمال السوري، هي شرط ضروري مكمّل للشرط الآخر المتمثل بإيجاد وتوحيد "حليف الميدان"، وذلك لأسباب موجبة عديدة:

أولاً: ستكون هذه المناطق السورية محمية جواً وبراً من خطري النظام السوري ومن "داعش". ثانياً، سيكون بالإمكان نقل عدد كبير من اللاجئين السوريين المتواجدين حالياً في الأراضي التركية ليشكلوا البيئة الاجتماعية الطبيعية والحاضنة للفصائل، كون عدد كبير من هؤلاء اللاجئين هم أبناء المنطقة الشمالية، من أرياف حلب وإدلب والرقة وجبال التركمان في اللاذقية والجزيرة السورية. ولا نقاش في أن بيئة اجتماعية "شبه طبيعية" في المناطق المحررة من "داعش" ومن النظام وحلفائه، ستكون مفيدة للغاية للعمل المسلح. ثالثاً، عندما تتوفر مناطق آمنة بهذه المواصفات، سيكون بالإمكان تسليح الفصائل بصورة ووتيرة نظاميتين وليس بشكل موسمي وفق ما هو حاصل حتى اليوم. رابعاً، وحدها المناطق الآمنة من "العدوّين" ستتيح للفصائل المسلحة التي تحارب الطرفين، أن تنظّم صفوفها وتتدرب بشكل طبيعي وأن تضع الخطط العسكرية. خامساً، من شأن إقامة مثل هذه المناطق الآمنة أن تمهّد لانتقال السلطة السياسية المعارضة الرئيسية، أي الائتلاف السوري والحكومة المؤقتة إليها، لتصبح حامِلاً سياسياً لهمّ التحرير من الداخل المحرر، وهو ما يكسبها شعبية وقيمة سياسية كبيرة بحد ذاتها. نقطة تفتح تلقائياً الباب أم الإشارة السادسة التي يمكن اختصارها بحتمية تمدّد تلك المناطق الآمنة بشكل طبيعي نحو العمق السوري، وصولاً إلى دمشق، لأن خطوط التماس مع مناطق "داعش" والنظام ستبقى موجودة على حدود المناطق الآمنة المحررة، بالتالي فإنّ الهدن العسكرية يصعب أن تكون طويلة في مثل هذه الحالات وفي إطار الخط البياني الذي تسير عليه حال الجبهات السورية لناحية خسائر النظام السوري رغم كل الدعم الذي يتلقاه.

بموازاة كل ذلك، سيكون المقاتلون الأكراد في صفوف "وحدات حماية الشعب"، أمام خيار من اثنين: إما فتح حرب خاسرة للجميع مع القوات التركية والفصائل العربية الحليفة لها، مثلما يظهر أن جناحهم التركي يفعل حالياً داخل الأراضي التركية كانتقام لا يستفيد منه سوى "داعش" والنظام السوري، أو تحييد أنفسهم وإيجاد صيغة خاصة بالمناطق السورية ذات الغالبية الكردية، يتم بموجبها حفظ الوضع القائم ديمغرافياً وعسكرياً، لنواحي منع حالات التهجير بحق العرب و/أو الأكراد، والاتفاق على صيغة تمنع اندلاع أي حرب عرقية يكون التدخل التركي حجة لها أو مبرِّراً.

اقرأ أيضاً: تركيا تضرب "الكردستاني" وتسعى إلى منطقة خالية من "داعش" 

المساهمون