خلف انتصار "المحافظين".. خبير أسترالي

12 مايو 2015
كروسبي "بطل" فوز "المحافظين" (جاستين تاليس/فرانس برس)
+ الخط -
شكّلت نتائج الانتخابات العامة البريطانية وتصويت نحو 40 مليون ناخب، مفاجأة، إن لم تكن صدمة، للفائزين وللخاسرين معاً. وخالفت نتائج الانتخابات أكثر التوقعات تشاؤماً، ولا يُمكن مقارنتها أبداً بنتائج استطلاعات الرأي التي جرت خلال الأسابيع الستة التي سبقت يوم التصويت في 7 مايو/ أيار.

وأدت النتائج إلى انكباب المراقبين والمهتمين بالانتخابات على البحث عن أسباب المفاجأة الصادمة التي أحدثها فوز حزب "المحافظين" بـ 331 مقعداً من أصل مقاعد مجلس العموم الـ 650، بفارق 99 مقعداً عن حزب "العمال". كذلك باشروا دراسة أسباب تفوّق "المحافظين" على خصومه السياسيين، مناقضاً كل أرقام مؤسسات استطلاعات الرأي التي أخطأت في كل البيانات التي بدأت في نشرها منذ نحو العام، وكثّفت نشرها في الأسابيع الأخيرة السابقة ليوم الانتخابات.

ويبرز في "أسباب" انتصار "المحافظين"، الفريق الذي قاد ورسم وأشرف على تنفيذ الاستراتيجية الانتخابية للحزب. ويُنسب الفضل هنا، للخبير في استراتيجيات الحملات الانتخابية الأسترالي، لينتون كروسبي، المُلقّب بـ "الساحر الأسترالي".

ويشتهر كروسبي الذي فاجأ الجميع بنصرٍ لم يتوقعه أحد، بالتكتيكات "الهجومية" التي غالباً ما تُصيب الهدف، وقد برهنت استراتيجيته عن نجاحٍ كبير، بعد تحقيقه أربعة انتصارات متتالية لصالح رئيس الوزراء الأسترالي السابق، جون هاورد. واستدعى "المحافظون"، كروسبي، بنصيحة من عمدة لندن، النائب المحافظ، بوريس جونسون، خصوصاً أن كروسبي ضمن الفوز لجونسون في انتخابات منصب عمدة لندن مرتين.

واقترح كروسبي في البدء اتباع استراتيجية انتخابية بديلة عن "الاستراتيجية السلبية" التي انتهجها الحزب منذ انطلاق الحملات الانتخابية، وقامت بالأساس على مهاجمة "العمال" وقيادته، لأن نتائج الاستطلاعات المُبكرة أظهرت عدم جدوى هذا التكتيك.

اقرأ أيضاً فوز كاميرون يقلق الاتحاد الأوروبي: هدية مسمومة لأوروبا

وقامت استراتيجية الخبير الأسترالي، على أساس "الإيجابية"، القائمة بالتركيز على نجاحات "المحافظين" خلال السنوات الخمس الماضية. ومع أن "الساحر الأسترالي" معروف بلسانه السليط أحياناً، ومزاجه الحاد، إلا أنه معروف أيضاً بالإخلاص والتفاني في عمله.

وعلى الرغم من تشكيك الكثير من القيادات التقليدية لـ "المحافظين"، بخطط وتكتيكات كروسبي، وفريقه الذي ضمّ أيضاً مدير حملة الرئيس الأميركي باراك أوباما في عام 2012، جيم ميسينا، إلا أن الخبير الأسترالي لم يكترث لذلك أبداً، وتمسك باستراتيجيته التي قامت على ركائز رئيسية عدة.

تمثلت الركيزة الأولى، بإبراز النتائج الإيجابية التي حقّقها "المحافظون" في أداء الاقتصاد البريطاني، بعد استيلاد المزيد من فرص العمل، وتقليص العجز إلى النصف، وخفض ضريبة الدخل. كذلك حرص على ضرورة تقديم المزيد من الوعود الاقتصادية في البرنامج الانتخابي لـ "المحافظين"، كتخصيص 12.4 مليار دولار إضافية سنوياً، لدعم هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" حتى عام 2020، وتقديم خدمات رعاية الأطفال المجانية للأسر العاملة.

أما الركيزة الثانية في استراتيجية كروسبي، فتمثلت بالتركيز على "ضعف زعيم حزب العمال (المستقيل ايد ميليباند) والتشكيك في مصداقيته، لا سيما أنه الشخص الذي طعن شقيقه (ديفيد ميليباند) من الخلف، عندما تنافسا في عام 2010 على قيادة حزب العمال". وركز كروسبي، ثالثاً، على "تقويض معاقل حزبي الديمقراطيين الأحرار والاستقلال، للفوز بأصوات الناخبين في الدوائر الهامشية في إنكلترا".

وأخيراً اعتمدت خطط كروسبي على تكتيك "تفكيك تحالفات خصومه" من خلال إبراز التناقضات في ما بينهم، أو المخاطر التي تنطوي على تحالفاتهم، من قبيل إطلاع الناخبين على مخاطر التصويت لحزب "العمال" الذي سيتحالف في حكومة مع الحزب "الوطني الاسكتلندي" الذي لا يخفي نواياه بفصل اسكتلندا عن بريطانيا، وبالتالي تفكيك وحدة الجزيرة.

ومع إصرار كروسبي على فعالية استراتيجيته، إلا أن المزاج داخل مقرّ حزب "المحافظين" في شارع ماثيو باركر، بالقرب من سانت جيمس بارك، وسط لندن، كان متوتراً يوم الاقتراع، لا سيما أن نتائج آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها أشهر المؤسسات قبل ساعات من بدء التصويت، أظهرت إمكانية حصول كل من "المحافظين" و"العمال" على 34 في المائة من الأصوات، مما يعني عدم تمكن أي منهما على تشكيل حكومة أغلبية. وظلّ كروسبي متمسكاً بتفاؤله، حتى ظهر للبعض وكأنه يقامر بمستقبله كخبير استراتيجي، إلى أن بدأت ملامح فوز "المحافظين" تتكوّن لحظة بعد لحظة، واكتملت صباح يوم الجمعة. عندها أيقن من تواجد في مقرّ قيادة الحزب، أن ثقة وخبرة كروسبي، كانت أقوى من ثقة وخبرة أي منهم بالحزب وقيادته".

ومن دون شك، فإن سمعة الرجل، المولود في جنوب أستراليا في عام 1957، سوف تتعزز بعد أن حقق لـ "المحافظين" نصراً غير متوقع وكاسحاً، خالف بنتائجه كل استطلاعات الرأي، بل أذهل قادة "المحافظين" ومستشاريهم، وصدم خصومهم "العمال" الذين استعانوا بخبرات الاستراتيجي الأميركي المخضرم ديفيد أكسلرود، والذي شارك أيضاً في فريق أوباما في عام 2012.

اقرأ أيضاً: عشرينية اسكتلندية أصغر نواب البرلمان البريطاني