قصة خطة التقارب الأميركي الإيراني:برينان مهندس الاتفاق منذ 2008

قصة خطة التقارب الأميركي الإيراني:برينان مهندس الاتفاق منذ 2008

26 أكتوبر 2015
الاتفاق النووي توّج مسار التقارب الإيراني الأميركي (Getty)
+ الخط -
تكشف الرسائل المسربة للبريد الإلكتروني الذي كان يستخدمه المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي"، جون برينان، بين 2007 و2008، أن خطة التقارب بين الولايات المتحدة وبين إيران كتبت منذ ذلك الحين، مثلما تظهر الدور المحوري الذي أداه برينان في التأثير على توجهات الرئيس الأميركي باراك أوباما في الملف الإيراني.
وكان موقع "ويكيليكس"، المختص بتسريب المعلومات السرية، قد بدأ منذ أيام، بنشر الدفعة الأولى من محتويات صندوق بريد إلكتروني مخترق قال الموقع إنه "إيميل شخصي" استخدمه برينان خلال عامي 2007 و2008، أي قبل توليه رئاسة الوكالة التي عمل فيها أكثر من ربع قرن. وعلى الرغم من أن معظم ما تم نشره حتى الآن من مرفقات الرسائل الإلكترونية المخزنة في البريد عبارة عن وثائق لا تحمل الشعار المعروف لوكالة الاستخبارات المركزية، ولم تدمغ صفحاتها بطابع "سري" أو "سري للغاية" حسب التصنيف المعروف، إلا أن ما يزيد من أهمية تلك الرسائل البريدية أن بعض مرفقاتها كانت عبارة عن مسودات لتحليلات استخبارية في غاية الأهمية. وأكثر المرفقات أهمية حتى الآن، بحسب ما نشره موقع "ويكيليكس"، مسودة ورقة بحثية توصي بالتقارب مع إيران من المرجح أن برينان كتبها خصيصاً لحملة المرشح الديمقراطي باراك أوباما قبيل انتخابات 2008 الرئاسية.

اقرأ أيضاً: خامنئي يطلب من روحاني تطبيق الاتفاق النووي بشروط

تكتسب تلك الورقة أهميتها نظراً لأن مجريات التقارب الأميركي الإيراني على مدى الأشهر الماضية، والذي توّج بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى في 14 يوليو/تموز الماضي، أظهر بوضوح أن توصيات برينان الواردة في هذه الورقة قد تم تطبيق الجزء الأهم فيها، وهو ما يوضح بدايات قصة وحيثيات التقارب بين إيران والولايات المتحدة. وتوضح مسودة الورقة أن مهندس التقارب مع إيران وصاحب فكرة التفاوض معها هو برينان وليس أوباما. كما توضح أن الرؤساء لا يصنعون السياسة بالضرورة بل ينفذون ما تكون المؤسسات الأمنية قد رسمته لهم سلفاً قبل وصولهم إلى السلطة.
ومثل هذه الأوراق البحثية، التي قدمها برينان لأوباما، يتسابق المسؤولون السابقون والمتقاعدون لكتابتها من أجل خطب ود المرشح القوي ولفت انتباهه إليهم وإلى آرائهم بما قد يؤدي إلى اختياره لهم في المواقع التي تناسب خبراتهم. وبما أن أوباما لم يكن وقتها مسؤولاً رسمياً، فقد حرصت الورقة على عدم تضمين فقراتها أي معلومات سرية غير مصرح الكشف عنها لغير المسؤولين الحكوميين.

معضلة إيران

وفي مسودة الورقة التي نشرها موقع "وكيليكس" تحت عنوان "معضلة إيران"، بدأها برينان بمقدمة تمهيدية مهمة جاء فيها أن إيران ستكون لاعباً رئيسياً على الساحة العالمية في العقود المقبلة، وأن أي سلوك تسلكه إيران أو أي خطوة تخطوها سيكون لها تأثير كبير على المصالح الأميركية في المدى القصير وعلى المدى البعيد. ويستطرد برينان في ورقته قائلاً "إن دولة بحجم إيران يتجاوز عدد سكانها 70 مليون نسمة، وتملك نسبة كبيرة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وتتمتع بموقع جيوـ استراتيجي تحسد عليه، فضلاً عن أنها قد أظهرت طموحاً وإمكانات لامتلاك الأسلحة النووية في المستقبل القريب، لن يكون للولايات المتحدة أي خيار سوى التعايش معها والقبول بأي حكومة تتولى السلطة في طهران". في المقابل يرى برينان أنه يجب دفع الحكومة الإيرانية لإثبات استعدادها لتغليب المصالح السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة والغرب على مشاعر العداء.
يشرح برينان في ورقته أن هناك العديد من العقبات التي تقف حائلاً في طريق تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. من وجهة نظره يومها، فإن أكبر عقبة هي "انخراط النظام الثيوقراطي في طهران على مدى ثلاثين عاماً في تصدير الإرهاب العابر للحدود، واستمراره في تبني أجندة ثورية". وبرأي برينان، فإن "ميل طهران لتعزيز مصالحها من خلال اللعب بورقة الإرهاب يقوّض مكانتها كدولة مسؤولة ذات سيادة ويقوض جهودها الأخرى القانونية في تحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية". ومما يضاعف من القلق أيضاً، حسب ما جاء في مسودة الورقة البحثية، أن إيران خلال السنوات الماضية "برعت كثيراً في تسخير دبلوماسيتها وقدراتها الاستخبارية والتقنية في تقديم الدعم اللوجيستي للإرهابيين من خلال تزوير الوثائق ونقل الحقائب والمتفجرات والأسلحة عبر عناصر استخباراتها وإشراكهم في التخطيط لهجمات ناجحة"، على حد قوله.

يشير جونان برينان في ورقته المسربة إلى أنّ "النظام الإيراني الحالي، في محاولاته لمد نفوذه الإقليمي خارج حدوده، مدفوع بإرث تاريخي تعود جذوره إلى القومية الفارسية التي ينتمي إليها نصف الشعب الإيراني وسيطرت في وقت من الأوقات على نصف العالم، وكذلك إلى الإسلامية الشيعية حيث أصبح القادة الفرس هم حماة الشيعة في العالم".
ويعترف برينان أن من الأسباب الحديثة نسبياً للعداء الإيراني للولايات المتحدة هو تدخل وكالة الاستخبارات المركزية في العام 1953 للإطاحة برئيس الوزراء محمد مصدق، وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي الموالي للولايات المتحدة إلى السلطة، حيث حكم إيران بقبضة حديدية طوال السنوات الـ 25 اللاحقة.
وعندما أطيح بالشاه في العام 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية على يد روح الله الخميني، يقول برينان إن الأمر كان واضحاً أن النظام الديني الإيراني سوف يناصب الولايات المتحدة العداء ثأراً لمصدق. وعددت الورقة قائمة طويلة من العمليات التي تتهم فيها الولايات إيران بالمساعدة على تنفيذها ضد المصالح الأميركية في لبنان والأرجنتين والسعودية، وغير ذلك من بقاع العالم.

اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي إلى التطبيق... وإيران تنتظر رفع العقوبات

ويعتقد برينان أن فترة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول شكلت فرصة لتصحيح الأوضاع وعودة التعاون بين واشنطن وطهران إلى طبيعته، لكن الأخطاء المتوالية التي ارتكبت منذ العام 2001 عمقت الفجوة بين العاصمتين.
كما يعرب برينان عن اعتقاده أنّ الحملة الواسعة التي شنّتها الولايات المتحدة على الإرهاب بعد هجمات سبتمبر، جعلت إيران تشعر بالقلق من أنها ستكون هدفاً لاحقاً للحملة بعد العراق وأفغانستان.
ويلوم برينان إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن على استعداء إيران بتصنيفها ضمن ما سمّاه بوش بـ"محور الشر"، على الرغم من أن إيران ساعدت في خلق أجواء إيجابية في أفغانستان، بعد الإطاحة بحركة طالبان، وكان لها مساهمات هامة في إنجاح المفاوضات الأفغانية برعاية الأمم المتحدة التي أسفرت عن تنصيب حكومة حامد قرضاي في كابول، على حد قوله. وتشير الورقة إلى أن واشنطن وجّهت الشكر لوزراء خارجية الدول الأخرى المشاركة في هذه المفاوضات وتجاهلت إيران.

التوصيات
وتخلص الورقة إلى أنه بغض النظر عمن سيشغل البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2009 فسوف يحتم عليه انتهاج سياسة أكثر دبلوماسية مع إيران، مبينة على عدد من النقاط. أولها تخفيف حدة اللهجة تجاه طهران، وثانيتها، إقامة حوار مباشر مع طهران. وبحسب ما يعرضه برينان في ورقته، فإن استخدام سويسرا كطرف ثالث وسيط لنقل رسائل بين طهران وواشنطن لم يعد مجدياً، ويجب الانخراط في حوار مباشر معها حول مختلف القضايا الشائكة.
ومن التوصيات الإضافية التي يعرضها اتخاذ خطوات واقعية للتقارب مع إيران يسهل قياسها، وتقديم الجزرة لإيران بيد ومسك العصا باليد الأخرى.
كذلك تقترح الورقة تعيين مبعوث رئاسي إلى إيران لأداء المهمة بدلاً من الركون إلى وزارة الخارجية الأميركية. وبحسب رأي برينان يومها، فإن المرشح المثالي لمثل هذه الموقع هو وزير الخارجية الأسبق كولن باول، لما يتمتع به من خبرة ووقار، واحترام في جميع أنحاء المنطقة، ولما لديه من فهم عميق في التاريخ السياسي للمنطقة بحسب مصطلحات برينان دائماً. وفي حالة عدم قبوله بأداء المهمة، فإنه يمكن عرض المنصب على نائب الرئيس السابق آل غور، أو وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. ولم يغفل برينان في الورقة أن البعض داخل الإدارة قد يقول بأن هذا التعيين سيكون سابقاً لأوانه طالما أن إيران مدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهو ما اعتبره "حجة لا ينبغي أن يعتد بها". وعلى الرغم من أن برينان، كاتب هذه التوصيات، وباراك أوباما الذي تلقاها أصبحا لاحقاً في البيت الأبيض يصنعان القرار بالتشاور اليومي وجهاً لوجه، إلا أنهما لم يتمكنا من تطبيق التوصيات بحذافيرها، غير أن التوجه العام تم تنفيذه، وحدث ما دعت إليه الورقة وهو التقارب مع إيران، إن لم يصل إلى نهايته بعد.

اقرأ أيضاًجلسات الكونغرس تفضح وجود ملاحق سرية في الاتفاق النووي