"داعش" والسعودية: خفوت لا يلغي الوجود

"داعش" والسعودية: خفوت لا يلغي الوجود

02 ديسمبر 2014
اعتقال جميع المشاركين بالهجوم على الدالوة (ربيع مغربي/فرانس برس)
+ الخط -

أثار إعلان وزارة الداخلية السعودية عن علاقة الشبكة التي نفذت الهجوم في قرية الدالوة في محافظة الأحساء شرقي البلاد بداية الشهر الحالي، بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تساؤلات حول حقيقة وجود التنظيم وتحركه في السعودية.

وكانت الداخلية قد أعلنت إلقاء القبض على جميع المنفذين الرئيسيين المشاركين في الهجوم على الدالوة، وبلغ عددهم أربعة سعوديين، ثلاثة منهم سبق إيقافهم على خلفية قضايا أمنية وتم إطلاق سراحهم بعد انتهاء مدة محكومياتهم، إضافة إلى 32 في شبكة دعمت وسهّلت أمور المجموعة لتنفيذ الهجوم. وأوضحت الوزارة أن هذه الشبكة كانت على اتصال وتنسيق مع تنظيم "داعش" لتنفيذ هذه العملية.

ونشر أحد المنتديات الإعلامية السعودية في يوليو/تموز الماضي، استطلاعاً للرأي كشف أن "92 في المائة من المستطلعين يرون داعش موافقاً لقيم الإسلام والشريعة الإسلامية"، فيما صوّت 71 في المائة على أنه "لا يوجد فرق بين داعش وتنظيم القاعدة".

وذكر الاستطلاع أن النسبة ترتفع عند من يعتقدون أن "داعش غير متطرف" في الشريحة العمرية التي تتراوح بين 25 و30 عاماً. كما ترتفع نسبة من يعتقدون أنه "غير متطرف" بين العاصمة الرياض ومنطقة القصيم منطلق دعوة محمد بن عبد الوهاب.

هذا الاستطلاع استثار حملة حكومية نشأت بعد معارك الداخلية السعودية مع "الإرهاب"، وتبنتها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة، وأُطلق عليها عنوان "السكينة".

وذكر رئيس الحملة عبدالمنعم المشوح في تصريح صحافي أن الأرقام "غير دقيقة ومُبالغ فيها وأنها ليست مبنية على أسس علمية"، مستشهداً بما يراه في الشارع، على حد قوله، وهو ينفي هذا الحجم من التعاطف. ووعد بأن تقوم حملته باستطلاع ودراسة عن حقيقة وجود هذا التأييد لـ"داعش" من عدمه، إلا أنها حتى اللحظة لم تعلن أي نتيجة رسمية.

ويرى مراقبون، بعيداً عن صراع الأرقام بين الجهات الرسمية وغير الرسمية، أن بعض الشارع السعودي "يتعاطف مع داعش بحكم الانتماء المذهبي، وكذلك معنوياً نظراً لاشتعال المنطقة بحرب مذهبية، والكل يبحث عن ملاذ في هذا الصراع حتى يفرض قوته ويحمي جماعته السياسية المرتبط بقاؤها بالقضاء على الآخر، وتحييده عن المشهد السياسي والديني والاقتصادي، وليس من خلال المواطنة وتعزيز الهوية القومية الوطنية".

التنظيم في السعودية

بعد اندماج فرعي تنظيم "القاعدة" في السعودية واليمن تحت مسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في يناير/كانون الثاني من عام 2009، اعتبر المحللون أن ذلك الأمر لم يكن إشارة قوة، ولكنه دليل ضعف وتآكل في التنظيم في الرياض، إذ إن التوهّج الذي كان يتمتع به بعد مجموعة من العمليات في الداخل، أخذ في الخفوت نظراً إلى تصفية الصف الأول من قيادات التنظيم التي نقلت خبراتها من "ساحات الجهاد" كأفغانستان والشيشان، وغيرهما، وذلك إما من خلال القتل أو من خلال السجن، ما أوجد فراغاً لم يستطع الجيل المتبقي سدّه في ظل المحاصرة الأمنية وشح الدعم المادي، نظراً لوقف عدد من مصادر التمويل من قبل السلطات.

لذلك يعتبر المحللون أن خطوة دمج التنظيمين في تنظيم واحد تصرّف وجيه، وذلك لتدريب الكوادر البشرية في مناطق مأهولة بالإمكانات والمساحات المساعدة، إضافة إلى الاقتصاد في المصاريف المالية. وعلى الرغم من هذا الاتحاد "الجريح" بين التنظيمين، إلا أنه استطاع أن ينفذ عمليات نوعية لافتة، أهمها وأشهرها محاولة اغتيال وزير الداخلية الحالي محمد بن نايف في يوليو/تموز 2009، أي بعد سبعة أشهر فقط من الاندماج.

هذه الأجواء المشحونة بـ"الجهاد" في الجانب التنظيري والعملي في السعودية، أوجدت أرضية خصبة للتعاطف بناءً على الدعم المفرط للمقاتلين العرب في أفغانستان، وصولاً إلى تفجير مبنى سكني تابع للحرس الوطني عام 1995 في الرياض، وامتداداً إلى عمليات 2003-2005. لذلك مَن لم يكن مع الجهاديين في الميدان، كان معهم في التعاطف المعنوي أو الدعم المادي الخفي.

بعد اشتعال الوضع في العراق وسورية، لم يعد "القاعدة" المسيطر وحده على تلك الساحات، بل ولد وبرز تنظيم "داعش"، ليبني له مجداً يقوم على منهج يزايد فيه بالتطرف على التنظيم الأم، ومن هنا كانت فرادته في أعين مريديه الجدُد.

يرى مراقبون أن تنظيم "داعش" كسب بعض التعاطف من خلال عدة أمور، منها أنه "قدّم نموذجاً طائفياً في زمن طائفي لم يكن فيه صوت العقل والإجماع الوطني إلا نشازاً يجب أن يُوأد في مهده، إضافة الى تصوير تقدّمه وزحفه إلى معاقل خصومه من الجيوش النظامية بأنه تم بسلاسة وسهولة".

كما يشيرون إلى أن المتعاطفين مع التنظيم في السعودية "يحبون هذا النموذج الحاد في التعامل مع المُخالف الذي يذكّرهم بمُجدّد الدعوة السلفية محمد عبد الوهاب، والذي قدّم نموذجاً تزخر به الكتب والمراجع التي يدرسها الطلاب ويتتلمذون عليها في المدارس والجامعات، وكانت فيه "سلطة السيف" مرادفة للحق الإلهي المطلق الذي لا يقبل أنصاف الحلول".

غير أنّ مراقبين يرون أن التعاطف مع "داعش" في السعودية يقتصر على القضايا والأحداث الخارجية فقط، إذ ثبت حجم تقلصه وتراجعه في السعودية، هو و"القاعدة" من قبله، بعدما وجّه ذلك التنظيم ضرباته إلى مؤسسات الأمن، خصوصاً بعد تفجير مبنى الأمن العام في الرياض في شهر أبريل/نيسان 2004.

المساهمون