مهمّات ملحّة أمام قيادة "الائتلاف" السوري الجديدة

مهمّات ملحّة أمام قيادة "الائتلاف" السوري الجديدة

11 يوليو 2014
القيادة الجديدة لـ"الائتلاف" (أوزان كوسي/فرانس برس/getty)
+ الخط -

وُلدت، بعد مخاض عسير، قيادة جديدة لـ"الائتلاف الوطني السوري" المعارض، يترأسها هادي البحرة الذي كان قد تولى رئاسة وفد المعارضة خلال مفاوضات جنيف. وتزامن ذلك مع تعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثاً أممياً إلى سورية خلفاً للأخضر الإبراهيمي.

وستكون أمام القيادة الجديدة للائتلاف بعد هذه الانتخابات، مهام جسيمة وتركة ثقيلة، لا تخص القيادة السابقة للائتلاف فحسب، بل تشكل تراكم ممارسات خاطئة بدأت مع تشكيل الائتلاف في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والذي وُلد مع زخم دولي وإقليمي سرعان ما خبا، تاركاً الجسم الوليد كي تنهش فيه التجاذبات الإقليمية والابتزاز الدولي، فضلاً عن الأداء القاصر لأعضاء الائتلاف وقيادته.

وقد تعرّض "الائتلاف"، خلال الفترة الماضية، لانتقادات كثيرة بسبب ما اعتُبر أداءً قاصراً على جميع الأصعدة. ولكي تقدّم القيادة الحالية للائتلاف صورة مغايرة، وأداءً مختلفاً عن المرحلة السابقة، ينبغي عليها العمل على عدّة محاور، تبدأ بإصلاح البيت الداخلي وصولاً إلى إصلاح وترميم علاقات الائتلاف مع محيطه المحلي والإقليمي.

ويتضمن إصلاح البيت الداخلي الكثير من النقاط المطروحة أصلاً على جدول أعمال الاجتماع الأخير، مثل تعديل النظام الأساسي للائتلاف، من ناحية مدّة ولاية رئيسه وصلاحياته، وقوانين عمل اللجان لزيادة فعاليتها، وتجاوز أخطاء المرحلة السابقة. وقد يحتاج ذلك إلى إعادة النظر في تركيبة الائتلاف التي تجمع على نحو شكلي العديد من القوى.
ويضم الائتلاف تشكيلة واسعة، لكن غير فعّالة (بعضها موجود على الورق فقط) مثل المجلس الوطني السوري والهيئة العامة للثورة السورية ولجان التنسيق المحلية والمجلس الثوري لعشائر سورية، ورابطة العلماء السوريين، واتحادات الكتاب، والمنتدى السوري للأعمال، وتيار مواطنة، وهيئة أمناء الثورة، وتحالف معاً، والكتلة الوطنية الديمقراطية السورية. وتضم أيضاً المكون التركماني، المكون السرياني الآشوري، والمجلس الوطني الكردي، المنبر الديمقراطي، والمجالس المحلية لكافة المحافظات. وتُضاف إلى هؤلاء، بعض الشخصيات الوطنية وممثل عن المنشقين السياسيين. وهذه التركيبة الفضفاضة جعلت من السهل العبث بأعضائها وشراء أصواتهم كما يحدث في كل اجتماع انتخابي.

وترتبط بما سبق، آليات التمويل والإنفاق في الائتلاف، التي تعاني من غياب الشفافية والرقابة. وحتى هذه اللحظة، تُحوّل أموال الدعم التي تقدّمها بعض الدول إلى حسابات أشخاص بعينهم، وليس إلى حساب يخص الائتلاف كمؤسسة، مما يجعل هؤلاء الأشخاص بشكل طبيعي مرتبطين بالجهات الداعمة لهم. ويمكنهم بالتالي توجيه هذا المال لتحقيق غايات ضيقة مثل شراء الولاءات داخل الائتلاف وخارجه.

ومن الإصلاحات المطلوبة أيضاً، تحديد علاقة "الائتلاف" مع الحكومة المؤقتة، خصوصاً في ظل التنازع في الصلاحيات والاختصاصات، كما ظهر أخيراً في قضية إقالة رئيس الحكومة للمجلس العسكري ورفض الائتلاف لهذا القرار.

وفيما يتصل بالحكومة نفسها، من الواضح أنّها لم تتمكن من القيام بمهامها على الوجه الأكمل في المرحلة السابقة. ولا تزال تفتقر إلى الوجود الفاعل على الأرض، لناحية توفير الخدمات الأساسية للناس في المناطق المحررة من سيطرة النظام، فضلاً عن غيابها شبه الكامل عن مخيمات النازحين واللاجئين السوريين داخل سورية وخارجها.

ولعلّ أهم ما ينتظره الداخل السوري، وحتى المجتمع الدولي، ممن يفترض أنّه الممثل السياسي المعترف به للشعب السوري، أن يقدّم خطة بشأن توحيد كتائب "الجيش الحر" تحت راية واحدة قد تسمى الجيش الوطني السوري الحر أو غير ذلك، بغية قطع الطريق على المتردّدين والمتذرّعين بتشتت المعارضة المسلحة "المعتدلة" لتأخير مدّها بالدعم النوعي المطلوب.

كما يحتاج الائتلاف، وخصوصاً في المرحلة المقبلة، مع تعيين مبعوث دولي جديد لسورية، إلى بلورة برنامج سياسي واضح يحدد رؤية المعارضة السورية إزاء القضايا والملفات والاستحقاقات القائمة والمقبلة، ما يتصل منها بالحلول أو المساومات السياسية، وما يتصل بالتطورات الحاصلة على الأرض سواء في سورية أم العراق.

وإضافة إلى البرنامج السياسي، تحتاج المعارضة السورية إلى خطة إعلامية، ومؤسسات إعلامية تتواصل من خلالها مع الشعب السوري في مختلف مناطقه، وتنقل معاناة هذا الشعب إلى العالم.

القضية السورية مقبلة على استحقاقات كثيرة مصيرية، محلياً وإقليمياً ودولياً. وفيما تتراجع الكثير من الجبهات الميدانية أمام ضغط قوات النظام وقوات "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، فإنّ المنطقة والعالم في حالة استنفار اليوم لبحث سبل التعامل مع "دولة الخلافة البغدادية". وعلى الطاولة تُطرح خيارات كثيرة، جميعها خطيرة ومفصلية تتراوح بين التعاون الأميركي مع إيران، أو حتى مع النظام، ضد "داعش"، وصولاً إلى تعزيز ما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة، والتي لم تقدّم نفسها حتى الآن بصورة مقنعة لشعبها وللعالم.

المساهمون