وهم عودة الملكية لليبيا

وهم عودة الملكية لليبيا

08 فبراير 2024
سيشارك محمد الرضا السنوسي في احتفالات ذكرى ثورة فبراير (جورج غوبيت/فرانس برس)
+ الخط -

تجدد الحديث عن المَلَكية وعودتها ونجاعتها كنظام سياسي لحل الأزمة في ليبيا، مع اقتراب الموعد المفترض أن يصل فيه محمد الرضا السنوسي نجل ولي العهد الملكي السابق محمد الحسن الرضا السنوسي للمشاركة في احتفالات الذكرى السنوية لثورة فبراير/شباط 2011، بعد عشرة أيام.

والواقع أن هذا الحديث ليس جديداً، إذ طفا على سطح المشهد منذ أكثر من شهر، مع بدء محمد الرضا السنوسي لقاءات مع زعامات بعض القبائل من شرق ليبيا لا تزال تحفظ وداً واحتراماً لأسلافه السنوسيين الذين عاشوا بينهم لعقود طويلة.

صحيح أن الملك إدريس السنوسي، يحظى باحترام خاص بين الليبيين، إذ شارك بشكل أساسي وقريب جداً في حلحلة مشاكل البلاد طيلة فترة استعمارها والتدخلات الأجنبية فيها. وحتى عندما اضطر للهجرة، لم يهاجر بعيداً، فقد قرر الإقامة في مصر والتفّ حوله العشرات من المناضلين حيث أسسوا مجموعة عسكرية كانت نواة الجيش الليبي.

وبغض النظر عن كل ما يقال عن علاقاته ومواقفه، فما الذي يمتلكه السنوسي الحفيد من مواقف وصفات الملك إدريس، وما هي القواسم المشتركة بين فترة ما قبل الاستقلال الليبي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وواقع اليوم حتى يمكن القول إن النظام الملكي هو حل أزمة اليوم؟

الفوارق عديدة وعميقة. فعلى الرغم من أن السنوسي الحفيد لم يعلن عن أي مشروع أو مبادرة، إلا أنه أعلن عن أن دستور الاستقلال عام 1951 سيكون منطلق حراكه الحالي، وهو أساس الخلل. فدستور الاستقلال لم يكتبه الملك إدريس، ولم يكن هو من طرحه للاستفتاء، بل كان وجوده في سدة الحكم نتيجة توافق قوى وطنية كان هو واحدا منها.

ربما لا يعلم السنوسي الحفيد، أو ربما يتغافل عن مشروع كان الملك إدريس يعمل عليه في أواخر وجوده في الحكم، مضمونه التحول من النظام الملكي إلى الجمهوري. المشكلة اليوم في عمقها ليست في شكل النظام السياسي.

فالنظام البرلماني، الذي انتُخب مجلس النواب الحالي على أساسه ناجح في العديد من الدول، ومنها دول عظمى، لكن نتيجته في ليبيا كما نرى، وكذلك النظام الرئاسي المختلط الذي يقوده محمد المنفي اليوم. إن الأزمة قيمية في الأساس، وتتعلق بثقافة الفساد التي ترسخت مفهوماً وأساساً للعمل في الجهاز الإداري للدولة منذ العقد الأخير من حكم النظام الملكي.

كان للملك إدريس شخصية قيادية مكنته من الوقوف وسط الجموع ليقول لهم كلمته الشهيرة "حتحات على ما فات". و"الحتحات" هو التراب لردم بقايا جمر الحروب والانقسامات. فهل يملك الحفيد اليوم ذات النفوذ واحترام الكلمة ليُسمع قوله؟ على الأقل كانت مواقف الملك إدريس تنوب عن كل من في الشرق والجنوب الليبيين، فماذا عن الحفيد اليوم؟ وقد اختار أن يعود لطرابلس لا لشرق البلاد حيث سيطرة خليفة حفتر الذي يُقيم لنفسه هناك سلطة وراثية تشبه سلطة النظام الملكي، جعلت أهالي الشرق، ومعهم قطاع كبير في الجنوب، يتحسسون من مجرد ذكر النظام العائلي الوراثي.

ليبيا لا تعاني أزمة نظام سياسي لتبحث عن بديل له بقدر ما تعاني أزمة ثقافة سياسية تؤطر كل مظاهر الفساد الذي غيب الحس الوطني.