استمع إلى الملخص
- تعيينه يمثل انتقال الحكم لجيل جديد بالأسرة الحاكمة، ويأتي بعد فترات من الاستقالات والأزمات السياسية التي شهدتها الكويت، وحل مجلس 2020 وإجراء انتخابات جديدة.
- للشيخ صباح خلفية دبلوماسية قوية، شغل مناصب عديدة بما في ذلك سفير الكويت لدى السعودية، مما يعكس خبرته الطويلة في العمل العام والدبلوماسي، ويؤهله لمواجهة التحديات الجديدة.
يعود الشيخ صباح الخالد الصباح (71 عاماً) إلى واجهة الحياة السياسية في الكويت من جديد في منصب وليّ العهد، بعد غياب دام عامين فقط، منذ مغادرته في صيف 2022 منصب رئيس مجلس الوزراء، بعدما شغل هذا المنصب منذ أواخر عام 2019، وذلك بعد أزمة سياسية حادة بين البرلمان والحكومة، أفضت إلى استقالته وتعيين رئيس جديد للوزراء وحلّ مجلس 2020 والدعوة إلى انتخابات جديدة.
تعيين صباح الخالد الصباح.. تدشين لانتقال الحكم لجيل جديد
يُعتبر الأمر الأميري الصادر السبت بتزكية الشيخ صباح الخالد الصباح في منصب وليّ العهد تدشيناً لانتقال الحكم إلى جيل جديد من أبناء الأسرة الحاكمة، بعد تولّي أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح مقاليد الحكم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي كان آخر أمراء جيله، وآخر أمراء الكويت من أبناء الشيخ أحمد الجابر الصباح (حاكم البلاد من 1921 إلى 1950)، والذي حكم البلاد أربعة من أبنائه.
وجاء الشيخ صباح الخالد الصباح إلى منصب رئيس مجلس الوزراء، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، في وقت اعُتبر "حرجاً" سياسياً على صعيد الحكومة، في أعقاب قضية "صندوق الجيش"، حين صدم وزير الدفاع آنذاك، الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، الشارع الكويتي، بإحالة بلاغ إلى النيابة العامة يتضمن تجاوزات مالية ضخمة في وزارة الدفاع، والاستيلاء على أموال مُخصصة للجيش الكويتي، واتهامه علناً كلّاً من رئيس مجلس الوزراء آنذاك، الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، ووزير الداخلية حينها الشيخ خالد الجراح الصباح، أثناء فترة تولّي الأخير وزارة الدفاع (في الفترة ما بين 2013 و2017)، واللذَين أُدينا رسمياً في القضية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وفي ذلك الحين، أدى بلاغ "صندوق الجيش" إلى إشعال الرأي العام، بعدما سُربت أوراقه وبياناته في وسائل التواصل الاجتماعي، ودارت فيها حرب بيانات بين وزيري الدفاع والداخلية، وقال الشيخ ناصر صباح الأحمد إن رئيس الحكومة تهرب من تقديم ردود على تساؤلاته، واستنكر تشكيله لجنة تحقيق برئاسة أحد المتورطين فيها، أي وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح، الذي ردّ ببيان اتهم فيه وزير الدفاع بتسريب مستندات القضية إلى الإعلام، مُشيراً إلى أن طموحاته السياسية هي ما أدت إلى إثارته القضية، في تعبير عن الشرخ الكبير بين أطراف الأسرة الحاكمة في الحكومة آنذاك.
وفي ظل هذا الوضع "الحرج" بعد تصاعد حدة الخلافات بين أبناء الأسرة الحاكمة إلى العلن، كُلّف الشيخ صباح الخالد الصباح بتشكيل الحكومة الجديدة، من قِبل أمير الكويت في ذلك الحين الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بعد تصاعد ضغط الشارع الكويتي، والضغط السياسي والنيابي، الذي أدى إلى تقديم الحكومة استقالتها، وأطاح البلاغ رسمياً في ذلك الحين الشيخ جابر المبارك الصباح من منصبه، كما أقال أمير الكويت وزيري الدفاع والداخلية من منصبيهما وأنهى مستقبلهما السياسي.
وواجه الشيخ صباح الخالد الصباح، بعد أشهر من تولّيه رئاسة الحكومة، في فبراير/ شباط 2020، تحدياً جديداً من نوعه وغير مسبوق، إثر تداعيات جائحة "كورونا" على البلاد، ولاقت حينها إجراءات الحكومة في إدارة التعامل مع الجائحة، وإجلائها مئات المواطنين في الخارج إلى البلاد، والتدابير الاحترازية وفرض حظر التجوّل الجزئي والشامل وغيرها، استحساناً من قِبل الشارع الكويتي، وهو ما عبّر عنه تصفيق أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، بمن فيهم نوّاب المعارضة، بحرارة حين دخول الحكومة إلى إحدى الجلسات آنذاك.
وفي أواخر شهر سبتمبر/ أيلول من نفس العام، قُدّم استجوابان إليه من قِبل النائبين الحميدي السبيعي وعبد الكريم الكندري، اللذَين دُمجا في استجواب واحد، على خلفية ملفات عدة، كان على رأسها قضية تسريبات لمقاطع فيديو داخل جهاز أمن الدولة، تُظهر تحكّم نجل رئيس مجلس الوزراء السابق في الجهاز، والذي بيّن الشيخ صباح الخالد الصباح أثناء مناقشة الاستجواب أنها تعود إلى ما قبل فترة تولّيه المنصب، وتلا المناقشة تقديم عشرة أعضاء لطلب عدم التعاون مع الحكومة، قبل أن يُسحب بعد أسبوع تقريباً قبل موعد جلسة مناقشة الطلب، إثر وفاة أمير الكويت السابق الشيخ صباح الأحمد الصباح، وإصدار النوّاب بياناً بسحب الطلب تقديراً للظرف السياسي الجديد.
وعاد الصدام بين حكومة الشيخ صباح الخالد الصباح والبرلمان بعد أول انتخابات أُجريت في عهد أمير الكويت يومها، نواف الأحمد الجابر الصباح (توفي في أواخر 2023)، في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعد تحقيق المعارضة انتصاراً في نتائجها، أسفر عن اجتماع موسع لها جرى خلاله الاتفاق على عدم إعادة ترشيح رئيس مجلس الأمة المقرب من الحكومة مرزوق الغانم، وترشيح النائب بدر الحميدي بدلاً عنه في منصب رئيس البرلمان، وهو ما لم يتحقق بعد فوز الغانم بالمقعد بخلاف ما خططت له المعارضة، وحصوله على أصوات الحكومة، بالإضافة إلى 9 أعضاء من أصل 37 تعهدوا بعدم التصويت له، ما أدى إلى توجيه ضربة كبيرة للمعارضة في بداية المجلس، وكردة فعل سريعة أعلن ثلاثة نواب من المعارضة في 5 يناير/ كانون الثاني 2021 استجواب رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، لاقى تأييد 36 عضواً، ما دعاه إلى رفع استقالة الحكومة إلى أمير البلاد، والذي قبلها وأعاد تكليفه ليشكّل الحكومة الثانية له بعد الانتخابات، ثم أصدر أمير الكويت في منتصف فبراير/ شباط من ذلك العام مرسوماً أميرياً بتأجيل انعقاد جلسات البرلمان مدة شهر، استناداً إلى المادة 106 من الدستور الكويتي، لتهدئة التأزيم السياسي في البلاد.
وتصاعدت حدة الخلافات بين الحكومة والمعارضة، بعد تلقّي الأخيرة ضربات متتالية. ففي 14 مارس/ آذار 2021، أعلنت المحكمة الدستورية إبطال عضوية زعيم المعارضة آنذاك النائب السابق بدر الداهوم، وفق قانون "منع المسيء للذات الأميرية" من الترشح لانتخابات مجلس الأمة، وأعلنت المعارضة عن مقاطعة جلسة أداء 2021 الحكومة اليمين الدستورية في 30 مارس/ آذار، احتجاجاً على شطب عضوية الداهوم، لكن الحكومة استطاعت تأمين الـ33 عضواً في البرلمان (بمن فيهم الوزراء) اللازمين لعقد الجلسة، واستغلت غياب المعارضة لتقديم طلب تأجيل "الاستجوابات المزمع تقديمها إلى رئيس الحكومة"، وصوّت عليه المجلس بالموافقة، وهو ما شكّل صدمة كبيرة للمعارضة، التي اعتبرت تأجيل الاستجوابات "خطيئة دستورية"، وبدأ فصل جديد من فصول الأزمة المتواصلة بينها وبين الحكومة.
بعد ذلك، تمكّنت المعارضة من تعطيل انعقاد الجلسات عبر جلوسها على المقاعد الوزراء في الصفوف الأمامية، وهو ما اعتبرته الحكومة حينها "مخالفاً للأعراف البرلمانية"، ثم حققت المعارضة انتصاراً في الانتخابات التكميلية التي جرت على مقعد بدر الداهوم، بحصول مرشحها أستاذ القانون عبيد الوسمي على أكثر من 43 ألف صوت، والذي وصفه الوسمي بأنه "استفتاء شعبي" على أداء الحكومة، لكنّ الحكومة نجحت في 22 يونيو/ حزيران في تمرير الميزانية العامة رغم استمرار المعارضة بالجلوس على مقاعدها، بالتصويت عند مدخل القاعة وانسحابها بعد ذلك على الفور، وفُضّ دور الانعقاد الأول وسط أزمة خانقة بين المجلس والحكومة.
ومكّن هدوء عطلة صيف عام 2021 الحكومة من تفكيك كتلة المعارضة الصلبة، عبر التفاوض مع أطراف فيها، وكان عبيد الوسمي أبرز طرف تفاوضت معه الحكومة، وانتهت المفاوضات السرية بإعلان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح الدعوة إلى "حوار وطني" بين الحكومة والبرلمان في سبتمبر/ أيلول 2021، أسفر عن إصدار عفو أميري عن المتهمين في قضية دخول مجلس الأمة، والتي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة، على رأسهم النواب السابقون مسلم البراك، وفيصل المسلم، وجمعان الحربش، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وتقديم الحكومة استقالتها وتكليف الشيخ صباح الخالد الصباح بتشكيل الحكومة الثالثة له منذ الانتخابات، التي شهدت دخول ثلاثة نواب من كتلة المعارضة إلى التشكيل الحكومي.
ورغم تشظّي كتلة المعارضة بعد جلسات "الحوار الوطني" إلى ثلاث مجموعات داخل البرلمان، استمرت الكتلة التي يتزعمها النائب السابق فيصل المسلم بالتصعيد، ورفعت شعار "رحيل الرئيسين"، في إشارة إلى رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح، واعتبرت أن العفو الذي صدر بحق عدد من السياسيين ليس سوى "ابتزاز سياسي لبقائهما"، وتمكّن أعضاؤها من استمالة الأعضاء المترددين، وذلك بثلاثة استجوابات متتالية استهدفت وزراء في الحكومة، منذ أدائها اليمين الدستورية أمام البرلمان في مطلع العام 2022، بمعدل استجواب كل شهر تقريباً، وقد فشلت المعارضة في الإطاحة بهم، فيما نجحت الحكومة بتجاوز سحب الثقة من الوزراء بشق الأنفس.
لكن ما قصم ظهر الحكومة هو تقديم المعارضة استجوابها الرابع إلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، وأدى استنزافها بالاستجوابات المتتالية، وتراكم السخط من الشارع الكويتي، إلى عدم تحصيلها العدد الكافي لحماية رئيس الحكومة، بعد ارتفاع عدد أعضاء مجلس الأمة المؤيدين لطلب عدم التعاون معه إلى 26 نائباً، ما يعني إطاحة الحكومة كاملة، عقب مناقشة الاستجواب المقدم إليه من المعارضة في 29 مارس/ آذار، أجبره ذلك بعد أيام على تقديم استقالة الحكومة في 5 إبريل/ نيسان، وقبل يوم واحد من موعد التصويت على طلب عدم التعاون.
وبعد شهر من تقديم الحكومة استقالتها، أصدر أمير الكويت يومها، في 10 مايو/ أيار، أمراً أميرياً بقبول الاستقالة وتكليفها تصريف العاجل من الأمور، لكن عدم تسميته رئيساً جديداً للوزراء تسبب بتعطيل البرلمان لعدم انعقاد جلساته، منذ جلسة مناقشة استجواب رئيس الحكومة، ليدعو النائب السابق صالح الملا إلى اعتصام في 25 مايو، استجاب له مئات المواطنين، الذين تجمعوا في ساحة الإرادة وسط العاصمة الكويت، احتجاجاً على تعطل انعقاد مجلس الأمة، تلاه في الأول من يونيو 2022 إصدار عدد من القوى السياسية الفاعلة بياناً حذرت فيه مما وصفته بـ"دعوات للانقلاب على الدستور وتعطيل الحياة النيابية في البلاد، في ظل تفاقم الأزمة السياسية"، وبعد أسبوعين، وفي 14 يونيو/ حزيران، أعلنت المعارضة في مجلس الأمة عن بدء اعتصام مفتوح في البرلمان، أطلقوا عليه "اعتصام بيت الأمة"، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تعطل الدستور"، من أجل الضغط على القيادة السياسية لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما لاقى قبولاً من مختلف القوى السياسية والجمعيات والنقابات العمالية والطلابية، التي أعلنت دعمها لاعتصام النواب ومطالبهم الدستورية، الذي تزامن مع إطلاق 19 نائباً سابقاً دعوة إلى اعتصامات موازية يومية في دواوين (ملاحق متصلة بالبيت يتجمع فيها الرجال) الأعضاء المعتصمين، التي حضر إليها أعداد كبيرة من المواطنين الذين تضامنوا مع اعتصام النوّاب.
وفي اليوم الثامن من اعتصام النوّاب آنذاك، أعلن أمير الكويت إنهاء الأزمة السياسية والاستجابة إلى المطالب النيابية، عبر خطاب تلاه عنه وليّ العهد آنذاك، أمير الكويت الحالي، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، بحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة، وصدر المرسوم الأميري بحلّ البرلمان رسمياً في 2 أغسطس/ آب 2022، وبعدم إعادة تكليف الشيخ صباح الخالد الصباح برئاسة الحكومة، ومغادرته المشهد السياسي، وتدشين مرحلة سياسية جديدة، قبل أن يعود اليوم في منصب وليّ العهد.
وقبل ذلك، تولّى الشيخ صباح الخالد الصباح عدد من المناصب في الحكومة، بعد دخوله لأول مرة عام 2006 في منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم بعدها بعام في منصب وزير الإعلام، وحتى تولّيه منصب وزير الخارجية عام 2011، وهو المنصب الذي بقي فيه إلى تولّيه منصب رئاسة الحكومة.
ويأتي الشيخ صباح الخالد الصباح المولود عام 1953 من خلفية دبلوماسية، بعدما قضى معظم فترات حياته في العمل العام في وزارة الخارجية، التي تدرج في عمله فيها بعد تخرجه مباشرةً من جامعة الكويت علم 1978، وحصوله على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية، وكان من أهم المناصب الدبلوماسية التي تقلّدها، منصب سفير الكويت لدى المملكة العربية السعودية، في الفترة من 1995 إلى 1998، بعد تعيينه في منصب رئيس "جهاز الأمن الوطني" (حُلّ رسمياً قبل أيام) بدرجة وزير، الذي دام على رأسه حتى دخوله الحكومة عام 2006.