هل يستطيع "رجال الكرامة" القضاء على العصابات المسلحة في السويداء؟

هل يستطيع "رجال الكرامة" القضاء على العصابات المسلحة في السويداء؟

05 اغسطس 2022
دور متصاعد لحركة رجال الكرامة في السويداء (فرانس برس)
+ الخط -

حمَلت الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء، جنوبي سورية، تطورات مهمة على صعيد توازنات القوى المحلية، حيث برزت حركة رجال الكرامة كأبرز فصيل، قال إنه "أخذ على عاتقه إعادة الاستقرار والأمان للمحافظة"، التي عانت خلال السنوات الأخيرة من "الفلتان الأمني" نتيجة انتشار المجموعات المسلحة التي امتهنت عمليات الخطف والقتل والاتجار بالمخدرات، في ظل اتهامات للنظام السوري بالوقوف خلف معظم هذه المجموعات.

وبعد عملية "اجتثاث" مجموعة "الفجر"، التي يقودها الهارب راجي فلحوط، والتي بدأت في 27 يوليو/تموز الماضي، أنذرت حركة رجال الكرامة بقية المجموعات المسلحة الناشطة في المحافظة لتسليم أسلحتها للحركة، فيما تواصل مطاردة العناصر المتوارين من مجموعة فلحوط التي قتل العديد من أفرادها خلال وبعد اقتحام مقراتها في بلدتي عتيل وسليم بريف محافظة السويداء.

وسلمت الاثنين الماضي مجموعة تابعة لما يسمى "قوات الفهد"، بقيادة المدعو سليم حميد، والتابعة لشعبة المخابرات العسكرية سيارات تحمل رشاشات، كبادرة حسن نية وتعبير عن التزامهم بالمهلة التي منحتها الحركة لكل الفصائل بتسليم السلاح المتوسط والثقيل. كما فعلت الشيء نفسه مجموعة "فداء العنداري" التي سلمت أسلحتها الثقيلة، فيما دعا بيان للحركة أبناء السويداء إلى إبلاغها في حال تعرضهم لأي اعتداء من أي عصابة مسلحة.

دور متصاعد لـ"رجال الكرامة"

ومع هذا الدور المتصاعد لدور حركة رجال الكرامة، حيث باتت الفصيل الأول على مستوى المحافظة الذي يتولى ضبط ومحاسبة بقية الفصائل، بقوام من المقاتلين يصل إلى 2000 شخص، ما أثار الجدل بين أبناء المحافظة حول هذا الفصيل، وهل هو فوق الشبهات، أم له أيضاً ارتباطات مع أجهزة النظام الأمنية، كما ألمحت بعض القوى والشخصيات المتحفظة على تسليم الملف الأمني في المحافظة له.

وبدأ هذا التشكيك خلال عملية مطاردة مجموعة فلحوط، حيث جرى الإعلان في البداية عن القبض على فلحوط، ثم اتضح عدم صحة ذلك، فصدرت اتهامات للحركة بـ"تهريب" فلحوط بالتنسيق مع الأمن العسكري التابع للنظام، وهو ما نفته الحركة بشدة في بيانات متلاحقة.
 
وفيما نقلت شبكات محلية عن مصدر مقرب من الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية (المقرب من النظام) من أن الشيخ حذّر من تحويل "الحراك المحق" في الجبل من اجتثاث العصابات إلى غايات أخرى، ظهر ليث البلعوس، وهو ابن الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة رجال الكرامة، والذي اغتيل عام 2015 في عملية تفجير يعتقد أن أجهزة النظام الأمنية تقف خلفها؛ مهاجماً بشكل ضمني الشيخ يحيى الحجار الذي خلف والده في رئاسة الحركة، ومنتقداً ما أسماه "الازدواجية" في التعاطي مع الأمور، وسبب الغضب إعدام ستة من عناصر راجي فلحوط، بينما تم السكوت على مقتل سامر الحكيم قائد "قوة مكافحة الإرهاب" والذي جرى تصفيته قبل شهرين بواسطة مجموعات تتبع لأجهزة النظام الأمنية.

ورأى الناشط سامر الطويل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تلميحات البلعوس ضد حركة رجال الكرامة وتحديداً قائدها الحجار، ربما تعود لأسباب شخصية، حيث جرى إبعاد البلعوس عن الحركة عام 2016، وتولى الحجار قيادتها.

واعتبر أن معظم عناصر الحركة وقياداتها من "الشرفاء الذين لا يتقاضون أية رواتب مقابل تعريض حياتهم للخطر من أجل الدفاع عن أبناء المحافظة، والحفاظ على الاستقرار فيها". وأوضح أن "المقاتلين في الحركة غير متفرغين، ويتجمعون حالماً يتم توجيه نداء لهم من جانب قياداتهم".

كذلك سبق أن صدرت اتهامات للحركة بالتسامح مع المجموعات المسلحة التي روّعت أهالي السويداء في السنوات الماضية، بما في ذلك مجموعة "الفهد" المتمركزة في بلدة قنوات والتي سلمت بعض الأسلحة الثقيلة فقط، وتعد الشريك الأساسي لعصابة راجي فلحوط.  

غير أن الطويل نفى هذه الاتهامات، قائلاً إن "الحركة غير متساهلة مع هذه المجموعات، وقد أعطتها مهلاً محددة لتسليم أسلحتها".

واستدرك قائلاً غير أن الحركة "لا تريد كما يبدو القيام بحملات عسكرية ضد كل المجموعات في الوقت نفسه، أولاً لكي لا تتوحد ضدها، مما يعقد تحقيق أهدافها، وثانياً لأن هذه المجموعات تضم أفراداً من مجمل العائلات الرئيسية في السويداء، واتخاذ سياسة عنيفة ضدها، دون منحها فرصة لتسوية وضعها قد يؤلب الأهالي على الحركة، خاصة أن العديد من المنتسبين لهذه المجموعات هم من صغار السن، ممن غُرّر بهم، أو لم يدركوا الدور الهدام للفصيل الذي ينتمون إليه".

لكن الطويل يشدد على عدم "التهاون في التعامل مع هذه المجموعات، وعدم محاباة بعضها، والتشدد مع أخرى، لأن من شأن ذلك الإطاحة بثمار انتفاضة الأهالي ضد مجموعة فلحوط والمجموعات المسلحة الأخرى، ما يعيد الوضع في السويداء إلى سيرته الأولى".

في حين، أن المتابعين للشأن الداخلي في المحافظة يتحدثون عن علاقة حركة رجال الكرامة بالأجهزة الأمنية من خلال وسطاء، لحل المشاكل المتشابكة في المحافظة، مثل حل قضايا المعتقلين التي استطاعت الحركة فك أسرهم. كما حاصرت مجموعات مسلحة من حركة رجال الكرامة فرع الأمن العسكري أكثر من مرة، لكن توقّف الحركة عند التسويات للعصابات والمجموعات المسلحة وترك أفرادها يمارسون حياتهم الطبيعية، بحجة حقن الدماء، وضَعها في موضع الشك.

أهم المجموعات المسلحة

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حاول النظام السوري التعامل بطريقة مختلفة مع محافظة السويداء التي لم تشهد عمليات عسكرية فعلية ضد النظام، ولكن غلبت عليها أجواء المناهضة للنظام، عبر الناشطين السلميين والحراك الشعبي الذي يرتبط تارة بممارسات النظام في المحافظة وخاصة الرفض، لسحب أبنائها إلى الخدمة العسكرية، أو يرتبط بتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمات.

وعمد النظام إلى تسليط الأجهزة الأمنية على المحافظة لبث الفرقة بين أبنائها ومنع توحدهم ضده، فضلاً عن تجييشهم ضد محافظة درعا المجاورة، من خلال الاشتغال على موضوع الخطف والعمليات الثأرية. وفي هذا الإطار، جاء تشكيل المجموعات المسلحة في المحافظة من جانب الأجهزة الأمنية، والتي تطورت أدوارها لاحقاً، لتتحول إلى عصابات تمتهن الخطف والسرقة والتصفيات.
 
وتنتشر في المحافظة اليوم العديد من المجموعات المسلحة، وغالبيتها صغيرة الحجم، وموزعة جغرافياً على امتداد المحافظة وريفها.
 
وبعد الأحداث الأخيرة، برز اسم فصيل "القاهرون" بقيادة الشيخ عميد جريرة، والذي اعترف بصلاته مع فصيل راجي فلحوط، بهدف فك بعض المختطفين.

كما أعلن الشيخ ليث البلعوس، والذي تنقّل بعد إبعاده عن حركة رجال الكرامة، بين عدة فصائل، منها قوات الكرامة، ثم الشريان الواحد، وصولاً إلى قوة مكافحة الإرهاب، التي أعلن انسحابه منها أيضاً، مؤسساً مجموعة محلية، باسم رجال الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، في بلدة المزرعة، بريف السويداء الغربي. ويقول البلعوس إن مجموعته شاركت في اقتحام مقر راجي فلحوط إلى جانب المجموعات الأخرى.
 
كما تتمركز في بلدة قنوات، المجاورة لبلدة عتيل مقر مجموعة فلحوط، مجموعة مسلحة أخرى تساند مجموعة فلحوط، بزعامة سليم حميد، يبلغ تعداد مقاتليها حوالي 50 مقاتلاً، تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، بالإضافة إلى سيارات دفع رباعي، ومستودعات للأسلحة، حيث بدأت في تسليم بعضها لحركة رجال الكرامة.  

وهناك مجموعة في قرية الطيبة شمالي شرق المحافظة، يتزعمها فداء العنداري، وتعد من أشهر العصابات المرتبطة بأجهزة بالمخابرات العسكرية التابعة للنظام السوري، وقد امتهنت عمليات السرقة والخطف.

ويضم مركز مدينة السويداء العديد من العصابات المدعومة من أجهزة الأمن، وبعد تفكيك عصابة "عريقة" المتمركزة في الريف الغربي لمحافظة السويداء العام الماضي، والقضاء على مجموعات راجي فلحوط وتسوية وضع مجموعتي "الفهد" و"العنداري"، تبقى مجموعات "مزهر" المتمركزة في مدينة السويداء أخطر العصابات وأكثرها دعماً أمنياً وسياسياً، حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن العسكري، ويعد زعيمها معتز مزهر قريباً من روسيا والنظام معاً، ومدعوم اجتماعياً من قبل العائلات الكبرى في المدينة، وكذلك من مشيخة العقل المتمثلة بالشيخ يوسف جربوع. ويعلم أهالي المحافظة وحركة رجال الكرامة أن تفكيك هذه المجموعة صعب جداً، لأنه قد يسبب حرباً أهلية، فيما يتم التفاوض معهم على الانكفاء من دون مواجهات. وتفيد معلومات "العربي الجديد" أن عائلات المدينة طلبت من قادة هذه المجموعة السفر خارج البلاد حقناً للدماء.

وفي جنوبي المحافظة، هناك مجموعة بقيادة ناصر السعدي، الذي ينحدر من مدينة صلخد، يعتقد أنها تتلقى الدعم من الأمن العسكري وحزب الله اللبناني، نظراً لأن نشاطها يمتد إلى تجارة المخدرات وتهريبها إلى الأردن، عبر ريف السويداء الجنوبي.

وتبقى مجموعات ناصر السعدي، وعبيد، في منطقة صلخد جنوب السويداء المدعومة بشكل كامل من إيران وحزب الله اللبناني، ويشرف عليهما فرع الأمن العسكري، وقد برزت هذه المجموعات في 2020 بعد القضاء على فصيل شيخ الكرامة، حيث تنحصر مهمتهما في تأمين طرق المخدرات نحو الأردن، والقضاء على أي منافس.

ويعتبر "الدفاع الوطني"، التابع للنظام والمدعوم من إيران، أكبر الفصائل في السويداء، على الرغم من الانقسامات التي حلت به، وبلغ قوامه خمسة آلاف منتسب في عام 2012، لكنه على الأرض أقل من ذلك، خاصة بعد قطع الرواتب عنه، ويتحكم به رشيد سلوم رجل الأعمال، وأحد قياديي الدفاع الوطني في دمشق. وكان لهذا الفصيل دور كبير في القضاء على قيادات "قوة مكافحة الإرهاب" التي كانت تنشط في الريف الجنوبي الشرقي، بهدف التصدي لعصابات تهريب المخدرات.

 مستقبل المحافظة

 تبدو محافظة السويداء اليوم أمام فرصة للخروج من حالة الفلتان الأمني وضياع البوصلة التي عاشتها طيلة السنوات الماضية، حيث يوفر الالتفاف الشعبي حول دور حركة رجال الكرامة أرضية يمكن البناء عليها لتطوير الوضع الراهن إلى حالة مؤسسية بعيداً عن الأهواء وعقلية "الفزعات" التي ما زالت تتحكم في سلوك غالبية النشاط العام في المحافظة، بما فيها الجانب العسكري.

ورغم الانتقادات الموجهة لرجال الكرامة بشأن حيادها المبالغ فيه، ودورها السلبي خلال الفترة الماضية، وهو ما سمح بتفاقم ظاهرة العصابات المسلحة، فإن الحركة تبدو اليوم مدفوعة شعبياً، ومن قواعدها أيضاً، لتجذير دورها في المحافظة، وتطويره ليكون نواة لتكتل ليس عسكرياً وأمنياً فقط، بل سياسياً واجتماعياً أيضاً، يلتف حوله جميع أبناء المحافظة، بعيداً عن لوثة الارتباط مع الأجهزة الأمنية، أو مع قوى خارجية، وبعيداً أيضاً عن الانتهاكات والجرائم التي أنهكت الشارع المحلي، وبات يتوق لقوة يشعر معها بالأمان، تخلّصُه من تسلّط العصابات المسلحة، ومن ابتزاز الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.