هل حمل مؤتمر برلين جديداً لليبيا؟

هل حمل مؤتمر برلين جديداً لليبيا؟

24 يونيو 2021
جاء مؤتمر برلين الثاني وسط مناخ دولي جديد (توماس كوهلر/الأناضول)
+ الخط -

جاء مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا وسط مناخ دولي ترتسم فيه ملامح مرحلة جديدة، درج المتابعون على تسميتها بـ"مرحلة ما بعد كورونا"، وهي مرحلة يشهد فيها العالم تطبيقاً لسياسات جديدة تنحو باتجاه السلام وتراجع آلة الحرب. فكما في ليبيا، انكسرت شوكة العسكر وأحلام الحكم بقوة السلاح، تشهد الساحات الأخرى القريبة والبعيدة أيضاً تحولات كبيرة، ليس أقلها الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتعديل سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الطامح لولاية ثانية في الحكم، والتقارب الكبير الحاصل في حوض البحر المتوسط بين الأتراك والمصريين والفرنسيين والإيطاليين ودول أخرى.
لكل هذا، لا يبدو أن مؤتمر برلين قد حمل جديداً بالنسبة للملف الليبي، الذي طاول علاقات ومصالح دول ذات ثقل متوسطي كبير، خصوصاً أنّ الإعلان عن برنامجه كان صريحاً، فهو تقييم دولي لمخرجات مؤتمر برلين الأول، ومن ثم النظر في ملفات أخرى يمكن حسمها بناءً على تقييم نتائج المؤتمر السابق. وجاءت تلك الملفات مقسومة على مستويين؛ مستوى دولي يتعلق بمصالح الدول المتدخلة في ليبيا، ويستهدف حسم ملف المرتزقة والقوات الأجنبية، ومستوى داخلي يتعلق بالانتخابات الوطنية وضرورة إجرائها في موعدها المحدد نهاية العام الحالي، وإن لم يتفق القادة المحليون على أساسها الدستوري.

وعلى الرغم من محاولة رعاة المؤتمر وداعميه القول إن المجتمع الدولي قطع شوطاً في التسوية الليبية ونجح في رأب شبح الانقسام، بدلالة وجود تمثيل ليبي رسمي يمثله رئيس حكومة وحدة وطنية، للمرة الأولى، عكس مؤتمر برلين الأول الذي حضر فيه خليفة حفتر وفائز السراج كممثلين لحالة الانقسام الليبية، وجلسا في قاعتين جانبيتين من دون أن يشاركا، إلا أنّ الواقع على الأرض يؤكد أنّ الملف الليبي تشابكت فيه مصالح دولية، ويجب البحث عن تسوية لتلك التشابكات في ظلّ لغة السلام الدولية الجديدة.

كل التحولات التي شهدتها ليبيا في الفترة السابقة، تؤكد أنّ الفاعلين المحليين لم يكونوا سوى انعكاس لسياسات داعميهم وترجمة لمواقفهم. فانكسار حفتر العسكري لا يعني عجز داعميه عن تمويله بالمزيد من المرتزقة والسلاح لمعاودة الكرّة. أكثر من ذلك، انكساره العسكري لا يعني خنوعه وقبوله بتسوية سياسية أنتجت حكومة، رئيسها من مدينة كانت تقود معسكر كسر شوكته ووأد أحلامه. فما الذي غيّر وجهة القاهرة وباريس وعواصم أخرى من الرجمة إلى طرابلس؟ ومن الذي وأد صوت الإمارات، رأس حربة الحرب؟ ولماذا الغموض في موسكو؟ دونما شك، هناك خريطة طريق دولية تشمل المنطقة بأسرها ولا تقف عند حد ليبيا، فالحقيقة والواقع أنّ برلين لم تحمل جديداً خاصاً بليبيا.