هل تنجح الوساطة المصرية في الأزمة السودانية؟

هل تنجح الوساطة المصرية في الأزمة السودانية؟

12 يوليو 2023
سودانيون في القضارف، الأحد الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تلتئم في العاصمة المصرية القاهرة، غداً الخميس، "قمة دول جوار السودان"، التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لـ"بحث سُبل إنهاء الصراع الحالي والتداعيات السلبية له على دول الجوار".

وتأتي القمة في ظل تعثر وساطات دولية وإقليمية أخرى، مثل وساطة جدة، المشتركة بين السعودية وأميركا، والتي فشلت حتى الآن في إقناع طرفي النزاع في السودان بالجلوس معاً، والوساطة التي تقوم بها منظمة (إيغاد)، التي رفضت وزارة الخارجية السودانية، رئاسة كينيا لاجتماعها، وقالت إن وفدها في أديس أبابا "ينتظر الاستجابة لطلبنا بتغييرها".

ويطرح تعدد الوساطات تساؤلات حول إمكانية وجود تضارب في تلك الوساطات المتزامنة والمتتالية، ومدى تأثير ذلك، إيجابياً أو سلبياً، على الأزمة السودانية؟

أيمن سلامة: الأمر كله بيد أطراف النزاع لا الوسيط لأن الوساطة ليست إلزامية

يقول خبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان، أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس هناك ما يمنع، ولا غضاضة في تزامن الوساطات العديدة، أو تواليها، من أجل تسوية أي نزاع، سواء كان دولياً كما في الحالة الروسية الأوكرانية، أو غير دولي كما في الحالة السودانية".

الأمر بيد أطراف النزاع لا الوسيط

ويشدد على أن "الأمر كله بيد أطراف النزاع لا الوسيط، لأن الوساطة ليست إلزامية". ويشير إلى أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان "رفض وساطة كينيا، باعتبارها هي الدولة الرئيس لمنظمة إيغاد، ورفض أن تعقد فيها أي مباحثات بين ممثلي الدعم السريع وممثلي الجيش السوداني، وأيضاً رفض أن تكون وسيطاً.

وكان هناك اتهامات من جانب مجلس السيادة السوداني والبرهان، بأن كينيا تتدخل في الشأن الداخلي السوداني، وتنحاز لجماعة الدعم السريع، التي يعتبرها البرهان جماعة مسلحة متمردة على الدولة".

ويؤكد سلامة أن "شروط نجاح وفاعلية أي وساطة، تتوقف على كون الوسيط مستقلاً محايداً غير منحاز، ولا يهدف إلى تحقيق مصالحه، ويهدف إلى غرضه الرئيسي، وهو رأب الصدع والتوفيق، وتقريب وجهات النظر، وأيضاً في الأول والآخر، إذا كان طرفا النزاع لم يجلسا بعد معاً، فيجب أن يتوسط الوسيط لإجلاسهما. وله أيضاً أن يجلس مع أطراف النزاع".

ويضيف: "نعلم أن وساطة جدة المشتركة مع الولايات المتحدة، لم تفلح في إجلاس ممثل البرهان والدعم السريع على طاولة واحدة، ولكن كانت مفاوضات (غير مباشرة)". ويلفت إلى أنه "كلما كان الوسيط الدولي يمتلك معلومات عن جذور الصراع وأسبابه وبواعثه، ومآلات الصراع من وجهة نظره، وكيفية الاقتراب من أطراف النزاع، أصبح أكثر قدرة على إقناع أطراف النزاع". ويوضح أن "الوسيط الذي يجهل طبيعة الصراع وكيفية إنهائه، لن يكون فاعلاً في هذا الصدد".

تهرب طرفي الصراع في السودان

من جهتها، تعتبر أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الأفريقية، الدكتورة نجلاء مرعي، أن "تعدد المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية يمنح فرصة لطرفي الصراع للتهرب. من المفترض أن تكون هناك مبادرة واحدة تطرح رؤية شاملة لمسارات الحل، وتتوحد حولها القوى الدولية والإقليمية، سواء العربية أو الأفريقية".

وتلفت إلى أنه "من الممكن للقاهرة خلال هذه المبادرة أن توفر منبراً واحداً لطرفي الصراع، أفضل بكثير من تعدد المنابر الأخرى، لأن القاهرة تطرح هذه المرة رؤية شمولية تتطرق إلى الأزمة الإنسانية والأزمة الإقليمية نتيجة احتدام الصراع في السودان".

وتشير إلى أن الرؤية المصرية المطروحة "تحتوي على 3 مسارات، إنسانية، وعسكرية، وسياسية، في حين أن المبادرات السابقة، ومنها المبادرة السعودية الأميركية، تحدثت فقط عن المسار الإنساني، نظراً لرفض طرفي الصراع الحديث عن وقف إطلاق النار. ولكن مصر تطرح رؤية جديدة تؤسس من خلالها لوجود توافق بين المكون المدني والمكون العسكري".

وتقول خبيرة الشؤون الأفريقية: "يتفق المكون المدني في السودان الآن على ضرورة ابتعاد القوات العسكرية عن العملية السياسية. ولدينا توافق من القوى المدنية على ضرورة إما دمج أو حل قوات الدعم السريع أو أي مليشيات أخرى، ولكن لا تكون قوات منفصلة".

وتلفت مرعي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "من الضروري أيضاً أن يكون هناك حضور للجامعة العربية، لأن الدور العربي حاضر في الأزمة بالفعل، والفاعلين الآن ينتظرون من الدور المصري أن يحلحل الأزمة، لذلك قد تكون اجتماعات القاهرة لدول الجوار هي الأكثر تأثيراً على هذه الحرب". ووفقاً لمرعي "تتمثل الأولوية الآن في وقف إطلاق النار.

ستدعو اجتماعات دول الجوار في مصر لوقف إطلاق النار، لأن جميع الهدن السابقة تم خرقها، وكذلك المساعدات الإنسانية لا تصل بالشكل المطلوب. نحن أمام أزمة إنسانية كبيرة، وأزمة إقليمية امتدت للسباعية الأفريقية وأزمة في ملف اللاجئين، ومن مصلحة دول الجوار أن تعمل على وقف هذه الحرب من خلال مبادرة واحدة تتفق عليها القوى الإقليمية وقوى الشعب السوداني".

نجلاء مرعي: تعدد المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية يمنح فرصة لطرفي الصراع للتهرب

من جهته، يقول الكاتب السوداني، فيصل يوسف، لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن هناك تعددية في الوساطات، فقد كان هناك منبر واحد لكنه متعدد الأشكال، متمثلاً في السعودية وأميركا. الآن لدينا منبر آخر تقدمت به دولة مصر، والمنبران يختلفان في التفكير تجاه الأزمة السودانية، فتوجه الولايات المتحدة والسعودية لا يختلف كثيراً عن توجه الاتحاد الأفريقي وإيغاد".

مبادرتان أساسيتان لوقف الحرب السودانية

ويضيف: "هناك مبادرتان أساسيتان، واحدة جديدة طرحت نفسها وتدعو لاجتماع دول الجوار في القاهرة، ولمصر علاقات راسخة وتاريخية مع الشعب السوداني، وتتأثر بشكل كبير بما يحدث في السودان في أمنها القومي ولها مصالح كبيرة عطلتها الحرب". ويوضح يوسف: "يسعى المجتمع الدولي إلى إعطاء شرعية لقوات الدعم السريع عبر الآلية الرباعية (التي تضم الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا والإمارات)، وهذا الأمر سيفاقم من الأزمة، لأن القوات المسلحة لن تقبل بهذه السياسة.

وكذلك الحديث عن إدخال قوة أفريقية في السودان لإيقاف الحرب سيكون أمراً مرفوضاً من الشعب السوداني". ويقول: "هناك مقترح أن تكون قوات الدعم السريع جزءاً من المشهد السوداني كقوات عسكرية داعمة لقوى مدنية محددة، وأن يكون هناك قوى سياسية أخرى داعمة للجيش السوداني، وبالتالي تتشكل حكومة وفاق ترضي الجانبين، لكنها في هذه الحالة ستكون حكومة ضعيفة لا قوة ولا تأثير لها في الإقليم".

ويعتبر أن "المنبر المصري مع دول الجوار سيوضح أموراً كثيرة ويمنع أموراً أخرى كان من المخطط لها أن تحدث. فالمبادرة التي قامت بها مصر في حشد القوى المجاورة للسودان مباشرة خطوة إيجابية وكبيرة ستطرح واقعاً جديداً لأهمية مصر في موقعها الجيوسياسي".

توقع بأن يكون مؤتمر القاهرة مفيداً

من ناحيته، يقول مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان أحمد المفتي، لـ"العربي الجديد": "في اعتقادنا، أن مؤتمر دول الجوار الذي دعت له مصر، يمكن أن يكون مفيداً جداً، لأن مصر أكثر الدول فهماً للوضع في السودان، كما أن علاقتها مع السودان مصيرية، ويمكن أن تصب في مصلحة الدولتين الشقيقتين".

ويضيف أنه "من المعلوم أن التحرك المصري أتى متأخراً، لاعتبارات مفهومة، مثلما فعلت مع الاتفاق الإطاري، حيث إنها عقدت ورشة القاهرة، لغير الموقعين على الاتفاق الإطاري، ولكن جاء انعقاد الورشة، متأخرا جداً، ولم يقدم بديلاً مقبولاً، للموقعين وغير الموقعين على الاتفاق الإطاري". ويلفت إلى أنه "بقدر ما كانت دعوة القاهرة لمؤتمر دول الجوار شاملة لكل القوى السياسية السودانية، بقدر ما تكون فرص نجاح تحركها كبيرة، لأن الذي أفشل الاتفاق الإطاري، هو إقصاؤه بعض القوى السياسية".

ويضيف المفتي: "كذلك يفيد تحرك مصر، دعوة الضالعين في الأمر من الدول مثل السعودية وأميركا، والآليات الإقليمية والدولية والثلاثية والرباعية والترويكا والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية". ويعتبر أن "إعطاء مساحة أكبر للمساعدات الإنسانية، ورفع المعاناة عن الجماهير فوراً، وتطبيع الحياة في الخرطوم، وإعادة الإعمار، والتعويضات، يعطي التحرك المصري دعماً جماهيرياً مختلفاً عن التحركات الأخرى، التي تعول على الاتفاق الإطاري، المرفوض من بعض القوى السياسية، ما أدى إلى الاحتراب الحالي.

فالجماهير، تتابع بنفسها كافة التحركات، وهي تئن تحت وطأة المعاناة، وسوف تدعم أي قوى سياسية، تطرح أي مبادرة تتبنى مطالبها، ولا يهمها من يكون أطراف تلك المبادرة".