هل تشهد الإدارة الأميركية تغيير أدوار في فريق السياسة الخارجية؟

22 مايو 2023
هناك تساؤل مبطّن عن حصول تحول بالغ الأهمية في ظل غياب بلينكن (فريديريك ج. براون/فرانس برس)
+ الخط -

جمع لقاء مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، مع مسؤول الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي في فيينا يومي 10 و11 مايو/أيار الحالي، بين التصحيح والتراجع في سياسة الإدارة تجاه بكين.

مباحثاتهما الشاملة التي استغرقت أكثر من 12 ساعة محاطة بالتكتم، والتي وُصفت بأنها كانت "صريحة وموضوعية وبنّاءة"، محطة فارقة ومفاجئة في العلاقات، أثارت استياء الصقور في واشنطن، فيما حظيت بالثناء من جانب أتباع مدرسة كيسنجر، ومقاربتها لما تسمّيه "العلاقة العملية" وليس الصدامية مع الصين.

من بين القراءات والردود التي أثيرت، كان هناك تساؤل مبطّن عن كيف أنّ تحوّلاً بهذه الأهمية يحصل في ظل غياب وزير الخارجية أنتوني بلينكن عنه، وهو المعني مباشرة بالموضوع، والمفترض أن يكون مهندس الإنتاج والإخراج فيه، وفي ذلك تلميح إلى احتمال أن يكون قد جرى استبعاده من الملف الصيني، وتسليمه للمستشار سوليفان، مع ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تغيير في الأدوار، وربما في المواقع، كما سبق وحصل في إدارات سابقة.

قيام مستشار الأمن القومي بدور وزير الخارجية، أو ما يفترض أن يكون من مهام هذا الأخير، غالباً ما كان يؤشر إلى مزاحمة تؤدي إلى تنافر ينتهي على حساب الوزير

كان بلينكن منذ البداية الناطق بخطاب بايدن المتشدد مع الصين. وبعد أقل من شهرين على الإدارة الجديدة، عقد اجتماعات في ولاية آلاسكا الأميركية استمرّت يومي 18 و19 مارس/آذار 2021، مع وفد صيني برئاسة كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جياتشي. وكان سوليفان إلى جانب بلينكن، الذي تولّى إبلاغ الصينيين رسالة التحذير بشأن الخلافات في قضايا التجارة والوضع في هونغ كونغ آنذاك، ثم تايوان وموضوع بحر الصين الجنوبي. ومنذ ذلك الحين، تصاعد التوتر في العلاقات ليصل إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية لو قامت الصين بعمل عسكري ضد تايوان. ثم جاءت قضية المنطاد قبل يومين من زيارة الوزير بلينكن إلى بكين لتفرض تأجيلها. ومن التفسيرات آنذاك أن الصين تعمّدت التوقيت لتنسف الزيارة غير المرحب بها.

في ظل هذه الأجواء، بدت احتمالات الاحتكاك العسكري بين العملاقين غير بعيدة، وازداد الحديث عن حرب أميركية – صينية قد تكون وشيكة. بالموازاة، كانت حرب أوكرانيا تحتدم أكثر فأكثر بعد مرور سنة على اندلاعها، وتهدد بتوسع المواجهة وربما انفتاحها على المجهول. وسط هذه المخاوف، برزت مقولة كيسنجر بأنه كانت من الخطأ "معاداة موسكو وبكين في آن". والمعروف أن هذه المقاربة كان قد اعتمدها للانفتاح على الصين، والذي تجسّد بزيارة الرئيس نيكسون إلى بكين في 1972.

إن تحييد الصين في حرب أوكرانيا مع الرغبة في تشجيعها للبحث عن حلّ مع موسكو، أعاد التذكير بأهمية هذه المقولة التي يبدو أنها أثارت الجدل داخل الإدارة، والذي انتهى إلى ترجيح كفتها، وبما أدى إلى لقاء فيينا والانعطافة التي حققها. وما استوقف في الأمر أن سوليفان، وليس بلينكن، هو الذي تولّى دور المخرج الأميركي لهذا التغيير الهام، حتى ولو تعثرت خطواته.

وتقول السوابق من هذا النوع إن قيام مستشار الأمن القومي بدور وزير الخارجية، أو ما يفترض أن يكون من مهام هذا الأخير، غالباً ما كان يؤشر إلى مزاحمة تؤدي إلى تنافر ينتهي على حساب الوزير. في زمن الرئيس نيكسون كانت وراء الخلافات بين مستشاره كيسنجر ووزير خارجيته وليام روجرز، منافسة على الصلاحيات أدت إلى استقالة الثاني. كذلك في عهد الرئيس كارتر، تكررت القصة ذاتها بين وزير الخارجية سايرس فانس ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي زبغنيو بريجنسكي، إلى أن انفجرت في الخلاف حول قرار العملية الفاشلة لإنقاذ رهائن السفارة الأميركية في طهران، والتي أدت إلى استقالة فانس.

في الظاهر حالة بلينكن مشابهة لتلك التجارب في الموضوع الصيني. المستشار يقوم بمهمة من صلب مسؤوليات وزير الخارجية، ليس بالضرورة من باب التنافر، لكن السوابق تجعل الاحتمال غير مستبعد، لاسيما وأن سوليفان بات حضوره أخيراً يبرز بصورة متزايدة في صياغة السياسة الخارجية.