نتنياهو يمهّد لعدوان على الضفّة الغربيّة

نتنياهو يمهّد لعدوان على الضفّة الغربيّة

15 يونيو 2014
نتنياهو لمّح إلى عملية واسعة في الخليل(جاك غويز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تفاعلت قضية اختفاء المستوطنين الثلاثة، المفقودين منذ يوم الخميس الماضي، في ظل اتجاه إسرائيلي للتصعيد وتنفيذ عملية عسكرية في الخليل، بعدما أبلغ الاحتلال، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، الارتباط الفلسطيني بوجوب سحب جميع القوات الفلسطينية من الخليل استعداداً لعملية عسكرية واسعة سينفذها بعد ساعات في المحافظة، وذلك بالتزامن مع سلسلة من الغارات استهدفت مساءً قطاع غزة.

وعادة ما يتم إبلاغ الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالبقاء في مقراتها وعدم مغادرتها قبل أي عملية عسكرية إسرائيلية أو اجتياح للأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأكدت المصادر ذاتها "أن هذا القرار، الذي صدر بالأمس (الجمعة)، عادت سلطات الاحتلال وجددته مساء اليوم (السبت)". وحسب مصادر خاصة، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لم تغادر مقراتها اليوم، بما فيها الشرطة. وعادةً ما تتمركز عناصر من جهاز الأمن الوطني الفلسطيني على مداخل المدن والقرى وفي نقاط عسكرية معنية في الأراضي الفلسطينية.​

وجاء هذا الإعلان بعد ساعات قليلة من تلميح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مساء السبت، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون، ورئيس الأركان بني غانتس، إلى احتمال لجوء إسرائيل إلى عملية عسكرية لإيجاد المستوطنين المفقودين منذ أكثر من 48 ساعة. لكنه لم يعلن عن وصول إسرائيل إلى معلومات جديدة حول مكانهم أو الجهة التي تقف وراء اختفائهم.

وقال نتنياهو، في المؤتمر الصحافي، إنه أوعز إلى قوات الجيش و"الشاباك" والأذرع الأمنية المختلفة باستخدام كافة الموارد والوسائل المتاحة، وإعداد القوات، تحسّباً لأيّ سيناريو مستقبلي. وأكد نتنياهو أنه "نحن في أوج عملية واسعة النطاق للبحث وإعادة الفتيان الثلاثة المفقودين"، قائلاً: "ثلاثة طلاب كانوا في طريقهم للبيت. تحدثت مع أهلهم وقلت لهم إننا نبذل كل ما بمقدور دولة إسرائيل القيام به لإعادة أبنائهم".

وجاء ذلك بعدما جدد نتنياهو تحميل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، المسؤولية عن سلامة المستوطنين الثلاثة. وطالب السلطة الفلسطينية بتقديم كل مساعدة تُطلَب منها للعثور على المستوطنين الذين اختفت آثارهم، مساء الخميس، ولم يعلن عن ذلك إلا ظهر الجمعة، بعدما امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي في إسرائيل بأخبار عن الاختفاء رافقتها أنباء عن محاولات الجيش للقيام بعملية لاستعادة المفقودين.

واعتبر نتنياهو أن القول إن السلطة الفلسطينية ليست مسؤولة عن العملية التي وقعت في الأراضي الخاضعة بالكامل لسيطرة إسرائيل الأمنية، هو ادّعاء لا أساس له من الصحة، مشيراً إلى أن عمليات سابقة كانت السلطة تتحمل مسؤوليتها لأن منفّذيها خرجوا من أراضي السلطة الفلسطينية.

وكرر نتنياهو موقف حكومته، منذ تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، بأن ما يحدث هو نتيجة للتحالف بين "حماس" والسلطة الفلسطينية. وهو ما تقوله حكومة إسرائيل منذ وقت طويل، إذ تعتبر أنه "لا يمكن الحديث عن سلام مع إسرائيل في ظل مثل هذه المصالحة، وخصوصاً أن المنظمات الفلسطينية تتلقى التشجيع وزادت من محاولات خطف وقتل الإسرائيليين، منذ تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية". واعتبر أن التحالف بين "حماس" والسلطة سيفتح الطريق أمام سيطرة حركة "حماس" على الضفة الغربية كلها.

أما وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، فقال: "إننا نبذل كل جهد لاستعادة المفقودين، ولن نهدأ حتى نصل إليهم. الجيش والاستخبارات والشرطة وحرس الحدود يبذلون جهوداً كبيرة للوصول إلى المفقودين. هذه عملية شائكة تتطلّب منّا الصبر والتروّي".

وهدّد يعالون بأن إسرائيل ستصل في نهاية المطاف إلى مختطفي المستوطنين الثلاثة، مدعياً أن "العملية جاءت نتاجاً للتحريض المتواصل ضد إسرائيل ومواطنيها".

من جهته، اكتفى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال بني غانتس، بالقول إن الجيش والشاباك والشرطة وحرس الحدود، والقيادة السياسية من رئيس الحكومة ووزير الأمن، يبذلون كل جهد في عمليات تتوسع باستمرار، و"سنفعل كل ما يلزم لإنهاء هذه القضية".

لكن المحللين للشؤون العسكرية والأمنية في إسرائيل يعتبرون أنه بناءً على تجربة الماضي، وخصوصاً قضايا الجنود الذين قتلوا بعد اختطافهم مباشرة، فإن فرص العثور على المستوطنين تتضاءل كلما مر المزيد من الوقت.

ويبدو من محاولات نتنياهو، وقادة الأجهزة الأمنية في إبراز حقيقة "النجاحات" الإسرائيلية في إحباط عشرات محاولات الأسر، أن إسرائيل لا تزال تتخبط في الظلام. وهو ما أكده أكثر من مراسل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي كررت، يوم السبت، أن الجهد الأساسي يتمحور حول جمع المعلومات، بغية بناء تصور أولي عن مكان وجود المفقودين.

في المقابل، أشار المراسل السياسي في "القناة الإسرائيلية الثانية"، أوري سيغل، إلى أن أياً من أعضاء المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية، بمَن فيهم وزيرة العدل، تسيبي ليفني، ووزير المالية يئير لبيد، لا يؤيد إطلاقاً الحديث عن خيار إبرام صفقة تبادل، وخصوصاً بعدما أقرت حكومة نتنياهو، أخيراً، بالقراءة الأولى قانون منع صفقات التبادل بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية. كما لفت سيغل، إلى أن رجال القيادات الأمنية العليا، بمَن فيهم يعالون، وبني غانتس، سبق لهم أن خدموا في الضفة الغربية ويعرفون واقعها الميداني والجغرافي.

ومن المرجّح، في حال تواصل تخبّط إسرائيل في الظلام، وعدم تمكنها من الوصول إلى المستوطنين المفقودين، وعلى الرغم من تهديدات نتنياهو، أن تنحو إسرائيل بالأساس نحو تصعيد خطابها الإعلامي ضد السلطة الفلسطينية وحكومة المصالحة، وتحميل عباس المزيد من المسؤولية والأعباء بانتظار رسالة أو أي مؤشر من المنفّذين.

عباس يصدر تعليماته

وفي مقابل التلويح الإٍسرائيلي بالتصعيد العسكري وتحميل عباس المسؤولية، أكد الرئيس الفلسطيني للقنصل الأميركي، مايكل راتني، حين استقبله في مقر المقاطعة مساء السبت، أنه أصدر تعليماته للأجهزة الأمنية بالبحث والمساعدة في العثور على المفقودين الثلاثة.

وأكدت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن عباس أبلغ القنصل أن "عملية أسر المستوطنين جرت في مناطق خارج سيطرة السلطة الأمنية".

وأكد عباس للقنصل "رفضه للاتهامات الإسرائيلية التي تحمّل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن اختطاف المستوطنين الثلاثة، بسبب عدم تمكين السلطات الإسرائيلية للأجهزة الأمنية الفلسطينية من العمل والبحث في كافة مناطق الضفة الغربية".

عقاب الخليل

وفي سياق العقوبات المتواصلة على مواطني الخليل، منذ يوم الجمعة، أبلغ الصليب الأحمر الدولي "نادي الأسير الفلسطيني في الخليل"، أن أسرى محافظة الخليل المحتجزين في سجن "عوفر" ممنوعون من زيارة ذويهم، طيلة هذا الأسبوع.

وأكد مدير النادي، أمجد النجار، في بيان صدر عنه، "أن هذا القرار يأتي في إطار الحملة التي تشنها سلطات الاحتلال بحق محافظة الخليل بعد اختفاء ثلاثة مستوطنين، ليشمل ذلك أسرى المحافظة"، مشيراً إلى أنه يمكن أن يشمل هذا القرار جميع أسرى المحافظة في سجون الاحتلال.

وكانت سلطات الاحتلال قد منعت، صباح السبت، جميع مواطني الخليل الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً، من السفر عبر جسر اللنبي، "الكرامة"، إلى الأردن، كإجراء عقابي.

وأكد مدير المعابر والحدود في السلطة الوطنية الفلسطينية، نظمي مهنا، لـ"العربي الجديد"، أن "سلطات الاحتلال أعادت العشرات من أهالي الخليل عن الجسر، ومنعتهم من السفر، وأن هذا الإجراء العقابي تم تطبيقه على الرجال والنساء على حد سواء".

وأشارت مصادر فلسطينية متطابقة على المعابر والجسور إلى أن سلطات الاحتلال لم تسلّم الطرف الفلسطيني أي وثيقة مكتوبة تنص على هذا العقاب، وأن الأوامر التي وردت بهذا الخصوص شفوية وعبر الهاتف فقط.

ولا يعلم الفلسطينيون إلى متى سيستمر هذا الإجراء الذي يستهدف أكبر محافظة في الضفة الغربية، والتي يسافر العشرات من أهلها يومياً إما بغرض العمل أو الدراسة أو زيارة عائلاتهم التي تقيم في الخارج.

وتعيش محافظة الخليل تحت وطأة "حملة وحشية" من المداهمات والاعتقالات الشرسة التي طالت أجزاء واسعة منها، منذ ليلة الخميس، بعد اختفاء المستوطنين.

ونظمت قوات الاحتلال حملة اعتقالات وتفتيش البيوت في حملة أطلق عليها "بيت بيت"، إذ نفذت تفتيشاً دقيقاً للبيوت في بلدات دورا وحلحول، وسط الخليل، بحثاً عن أدلة من الممكن أن تقود إلى المستوطنين الثلاثة المفقودين.

المساهمون