موسكو محقة... إنها "الحرب الباردة"

14 يوليو 2023
ساهمت الحرب الروسية بصناعة وقائع حرب باردة جديدة (دانيلو أنطونيوك/الأناضول)
+ الخط -

صحيح قول موسكو إن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، يذهب إلى استراتيجيات "الحرب الباردة"، وإن بأدوات وظروف دولية مختلفة عما قبل انهيار جدار برلين في عام 1989. فالأمر واضح منذ غزو أوكرانيا العام الماضي. سياسات الكرملين تساهم بصناعة وقائع مثل هذه الحرب الباردة. فمنذ نحو عقد، تسير موسكو على أمواج غرور القوة القاتلة، من شبه جزيرة القرم إلى سورية فأفريقيا، وإن عبر مرتزقة "فاغنر" سيئة الصيت والممارسة، والتي لم تقل وحشية عن "بلاك ووتر" الأميركية. ولم يعد يهم الآن تسمية ما يجري في أوكرانيا بـ"عملية عسكرية خاصة" أو بالحرب، فالنتيجة واضحة.

الغرب لعب لعبته المفضلة: إظهار لا مبالاة ثم الانقضاض. والفخّ في أوكرانيا مستمر، طالما ظنّت موسكو أن غرور "تجريب" الأسلحة الروسية على رؤوس مدنيي سورية وليبيا ودول أفريقية، سيسمح بانتصارها في أوكرانيا. ويبدو أن غطرسة "القائد الأوحد والحكيم" لكتم أي صوت يعارض الحرب تساعد الغرب على المدى المنظور.

أسوأ ما في الاستدارة نحو أجواء "الحرب الباردة"، استعادة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن ملامح الريغانية في دعوة الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان (1981-1989) لآخر رئيس سوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، من أمام جدار برلين، لإزالته (1987).

خاطب بايدن مساء الأربعاء الماضي الآلاف في فيلنيوس بريغانية - شعبوية واضحة: "نحن ندافع عن الحرية اليوم وغداً وطالما استغرقت ذلك". وبجيش مستشارين وصنّاع استراتيجيات، تلعب واشنطن لعبة التاريخ لحشد الغرب وغيرهم. فتحت سطح تعميق ورطة روسيا في أوكرانيا، ثمة صراع آخر للحفاظ على انجذاب أغلبية شوارع الغرب إلى الأنظمة الليبرالية، مقابل تخيلات عن تفضيل بعض الناس لنمط حياة وحكم روسي - صيني.

صحيح أنه في ما يسمى "الدول النامية"، لأسباب تاريخية استعمارية، وازدواجية المعايير الغربية مع قضايا شعوبها، ثمة من يؤيد موسكو في مواجهة الغرب. لكن ملامح هذه "الحرب الباردة" تشي بأن صراعاً مفتوحاً بدأ لاستمالة دول الجنوب الأفقر. ومع انتفاء أسس التحول إلى "قطبية ثنائية"، سيوسّع الغرب ابتعاد الناس عن النموذج الروسي في الحكم وأنماط المواطنة، سواء في الداخل أو في الفضاء السوفييتي السابق، أو حيث ينشر الروس جنودهم دفاعاً عن أنظمة بعينها.

إذاً، "الحرب الباردة" المستجدة، بأدوات وتطورات العقود الأخيرة، ليست "قصّاً ولصقاً" من السابقة، بل بتداعيات تنافسية كارثية، ما لم تقف شعوب ودول الجنوب، وبينهم العالم العربي، وقفات جادة ورصينة لأجل مصالحها ومستقبلها في "النظام العالمي الجديد"، بملامح تفرضها نتائجها.