يتحدث السفير الباكستاني في الأمم المتحدة منير أكرم، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" في نيويورك، عن القضية الفلسطينية والحرب على غزة، والمعايير المزدوجة للدول الغربية، ومواقف الدول العربية والإسلامية، والتحديات والإمكانيات المتاحة لوقف الحرب على غزة.
ما تعليقكم على القرار الذي تم تبنّيه في الجمعية العامة والذي يطالب بهدنة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة؟
القضية الأساسية التي واجهناها خلال الأسبوعين الماضيين هي كيفية إنهاء الحرب، خصوصاً في ظل معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، وحملة القصف والهجمات الأخرى، التي قتلت العديد من المدنيين، ويجب وضع حد لها. لذا، سعينا، المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية، إلى قرار متواضع للغاية (للحصول على إجماع)، يدعو إلى وقف إطلاق النار، وإبقاء القنوات الإنسانية مفتوحة، ووقف تشريد الشعب الفلسطيني.
لقد واجهنا (أثناء المباحثات حول نص القرار) تعديلات لتخفيف النص. واستوعبنا بعضها المقترحة من بعض الدول الغربية، (مثلاً) تخفيف لغة النص بما فيها الدعوة لهدنة إنسانية تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، واستيعاب اللغة حول الأشخاص المحتجزين ضد إرادتهم وما إلى ذلك. على الرغم من ذلك، واجهنا التعديل الكندي الذي كان من الواضح أنه غير عادل على العديد من المستويات، لأننا في مشروع القرار لم نسعَ عمداً إلى إدانة أي جهة، بما فيها إسرائيل. أردنا فقط التركيز على وقف إطلاق النار وعلى الوضع الإنساني في حد ذاته. وعلى الرغم من ذلك جاء الطلب الكندي (والتصويت على التعديل في الجمعية العامة)، وبالتالي، كان مهماً أن نرفض التعديل، لأنه لو تم اعتماد التعديل، فإنه لن يؤدي إلا إلى إعطاء صورة أحادية الجانب، مفادها أن "حماس" هي المسؤولة، وللإسرائيليين مطلق الحرية في فعل ما يريدونه. لذلك كان أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لنا أن نهزم التعديل الكندي (وهو ما حصل).
وفي نهاية المطاف، اعتمدت الجمعية العامة القرار الذي دعا إلى هدنة إنسانية تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية. لكن على الجانب الآخر، صعّد الإسرائيليون. لقد بدأوا الآن العمليات البرية. ولذلك، أعتقد أنه سيتعيّن على المجتمع الدولي أن يواصل الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
ماذا يمكن لمجلس الأمن أن يقوم به ولم يفعل حتى الآن؟ وهل ترى أن الأمين العام وغيره داخل نظام الأمم المتحدة يقومون فعلاً بما يكفي؟
أعتقد أن الأمم المتحدة كمنظمة لديها قدرة محدودة على فرض السلام، على الرغم من اعتماد قرار للجمعية العامة. لكن قرارات الجمعية العامة تبقى توصية، وليست ملزمة. وأتصور أن الأفضل هو السعي إلى التوصل إلى قرار ملزم في مجلس الأمن. وبدون ذلك، على الجميع في الأمم المتحدة، بدءاً من الأمين العام، أن يواصل الحديث عن الحاجة إلى وقف هذه الحملة، التي تقتل الكثير من المدنيين العاجزين. كما يجب على كل رئيس وكالة، وكل شخص محايد، بمن فيهم المفوض السامي لحقوق الإنسان، وجميع أولئك الذين يهتمون بحماية المعايير الدولية أن يتحدثوا علناً (...). ومن الضروري العمل على تدفق المساعدة والإمدادات إلى غزة حتى لا نواجه المزيد من المعاناة في ظل الحملة العسكرية.
الأمم المتحدة كمنظمة لديها قدرة محدودة على فرض السلام
هناك محاولات حالياً، من مالطا ودول أخرى، لصياغة مسودة مشروع قرار مشابهة لتلك التي تم تبنيها في الجمعية العامة للتصويت عليها في مجلس الأمن. ما هي تقديراتكم في ما يخص حظوظ نجاحها، هل تعتقدون أن الجانب الأميركي مستعد لعدم استخدام الفيتو ضدها؟
من الصعب التكهن، لكنني أرجح أن الموقف الأميركي، فيما يخص تبني قرار ملزم يدعو إلى هدنة، لن يتغير إلا عندما يصبح الإسرائيليون مستعدين للتوقف، وأتمنى أن أكون مخطئاً، لذلك علينا أن ننطلق أو نفترض أن الأميركيين لن يسمحوا بتمرير القرار حتى يصبح الإسرائيليون مستعدين لوقف الحملة العسكرية.
الموقف الأميركي حول تبني قرار ملزم يدعو إلى هدنة في غزة، لن يتغير إلا عندما يصبح الإسرائيليون مستعدين للتوقف
الشارع في أغلب الدول العربية والمسلمة يرى أن لدى حكومته إمكانات لا تقوم باستغلالها لدعم غزة بما فيها استخدام نفوذ هذه الدول الاقتصادية والدبلوماسية وغيرها مع الدول الغربية، ناهيك عن الدول التي لها علاقات مباشرة مع إسرائيل، لكي تضغط بدورها على إسرائيل لوقف العدوان. ما رأيك؟
من الواضح أن هناك إمكانات كثيرة أمام العالم الإسلامي لاتخاذ مواقف وإجراءات ملموسة لممارسة الضغط على الإسرائيليين. علينا أولاً أن نكون قادرين على إيجاد أرضية مشتركة يمكن أن نتفق عليها. نحن بحاجة إلى شخص ما ليأخذ زمام المبادرة لتطوير تلك الأرضية المشتركة. ونأمل أن يتمكن الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي (حسين إبراهيم طه)، وهو شخص مخلص للغاية ويحظى باحترام كبير، من تطوير بعض العناصر المشتركة التي يمكن أن تعتمدها الدول الإسلامية في استراتيجيتها لممارسة الضغط.
أعتقد أن ذلك سيصبح واضحاً حين نرى إلى أي مدى ستستمر هذه الحملة العسكرية ومتى سيتوقف الإسرائيليون، إذا ما كان هناك خط نهاية واضح، فقد يخف الضغط. لكن إذا استمر وبقينا نرى الخسائر بين المدنيين التي نراها في غزة والضفة، فعلى الدول الإسلامية والعربية أن تفعل أكثر مما فعلناه إلى الآن.
مثل ماذا؟ ولماذا لم تؤخذ حتى الآن خطوات أكثر حسماً؟
أعتقد أن الأمل كان بأن الإسرائيليين سيتوقفون بعد أن ينتهوا من الإحساس بالانتقام، لذلك هناك انتظار وترقب وكانت مقاربتنا هي محاولة الحصول على وقف إطلاق النار. لكن إذا لم يتوقفوا فمن الواضح أن الشارع الإسلامي يطالب بالتحرك والحكومات لن تستطيع أن تتجاهل ذلك لفترة طويلة. لذلك علينا أن نفكر بشيء إذا لم يتوقف هذا. ربما نعرف ما يمكن فعله في التجارة والجوانب الاقتصادية والمالية... وهذه كلها أفعال مكلفة. لكن قد نضطر إلى التفكير بها لأنه إذا لم يتوقف هذا فإن شعوبنا ستسأل لماذا لم نفعل شيئاً.
الشارع الإسلامي يطالب بالتحرك والحكومات لن تستطيع أن تتجاهل ذلك لفترة طويلة
هل ترون أن الدول الأعضاء، خصوصاً الدول الغربية، يجب أن تدافع عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ضد الاتهامات والهجوم الإسرائيلي عليه، وعلى نظام الأمم المتحدة؟
بلا شك، عندما تحدث الأمين العام ضد روسيا في سياق أوكرانيا، أثنت عليه جميع الدول الغربية من دون هوادة. ولكن عندما تحدث (عن غزة) وبشكل مخفف للغاية، إذا ما قارناه بما قاله عن أوكرانيا، فقد هاجمه الإسرائيليون، ولم تقف أي دولة غربية معه لتقول هذا هو أميننا العام الذي انتخبناه ويتمتع بثقتنا وسندعم موقفه، ولا أي واحدة من الدول الغربية. دول منظمة التعاون الإسلامي (ودول عربية) وحدها هي التي تحدثت بصوت عالٍ لدعمه... وهذا درس عملي للمعايير المزدوجة في العالم الذي نعيش فيه.
كيف تنظرون إلى طريقة التعامل مع ما يحدث في غزة داخل أروقة الأمم المتحدة وعجز أو تقاعس مجلس الأمن؟
نحن منخرطون الآن في محاولة بلورة "ميثاق للمستقبل" في "قمة المستقبل"، التي ستعقد في سبتمبر/أيلول المقبل. وقد قدّم الأمين العام العديد من ملخصات السياسات، حول كيفية تحسين النظام الدولي وما إلى ذلك. لكن حقيقة الأمر هي أن النظام الدولي، حتى النظام السابق، معطل. نرى ذلك في أوكرانيا، والشرق الأوسط، وكشمير، وبحر الصين الجنوبي، والعلاقات في شبه الجزيرة الكورية وغيرها... إنه تطبيق غير متكافئ للمبادئ في كل واحدة منها.
النظام الدولي معطل، ونرى ذلك في أوكرانيا، والشرق الأوسط، وكشمير، وبحر الصين الجنوبي
والسؤال هو هل يمكننا إصلاح هذا النظام الآخذ بالتآكل؟ كما تعلمين، عندما تم اعتماد ميثاق الأمم المتحدة، كانت المبادئ هي نفسها بغض النظر عن الحالة، ولقد تحدثت عن فلسطين وكشمير والتعامل الموازي معهما، عندما صدرت القرارات في مجلس الأمن حول كل منهما. وكانت النتائج التي تم اعتمادها متشابهة في الأساس، وتقوم على مبدأ تقرير المصير. الآن، بمرور الوقت، تم التخلي عن هذا المبدأ، وانتصرت المبادئ التي تعتمد على القوة وسيادة الدول وما إلى ذلك.
أعتقد أننا بحاجة للعودة إلى أساسيات ميثاق الأمم المتحدة، وحقيقة أن النظام برمته يعتمد على تقرير المصير والإرادة الحرة للشعوب التي كانت الأساس الذي بموجبه أصبحت جميع المستعمرات حرة، وهي الأغلبية في نظام الأمم المتحدة، ويجب ألا ينسوا أصولهم.
ومن المؤكد أنها (أسس الأمم المتحدة) كانت مبنية على مبدأ عدم استخدام القوة، وقد تم انتهاك ذلك. إنها تقوم على مبدأ أنه لا يمكن الاستيلاء على الأراضي باستخدام القوة، وهو مبدأ يتم تجاهله، عندما يتحدث الناس عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، يتجاهلون حقيقة أنه احتلال غير قانوني. عندما تكون قوة أجنبية على الأرض، أرض وطن شعب آخر، بأي حق يحدث هذا؟ ليس لها الحق في الدفاع عن النفس، بل الشعب الذي يتعرض للاحتلال هو الذي لديه الحق في الدفاع عن النفس، وقد أشرنا إلى ذلك في مناقشة مجلس الأمن. لأنه، كما تعلمين، هذا أمر مبدئي بالنسبة لباكستان، بالإضافة لتعاطفنا مع الشعب الفلسطيني، لكنه المبدأ نفسه بالنسبة لكشمير. إنه المبدأ نفسه وأوضاعنا متشابهة جداً. ولذلك دافعت باكستان دائماً عن فلسطين وكشمير معاً.
السفير منير أكرم في سطور
تولى السفير منير أكرم منصبه ممثلاً دائماً لباكستان لدى الأمم المتحدة، برتبة سفير فوق العادة ومفوض، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وانتخب في يوليو/تموز عام 2020 رئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في نيويورك.
وشغل سابقاً عدداً من المناصب، من بينها منصب سفير باكستان وممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك لمدة ست سنوات بين عامي 2002 و2008، تولى خلالها رئاسة مجلس الأمن مرتين خلال عضوية بلاده في المجلس في العامين 2003 و2004.
عمل كذلك سفيراً ومندوباً دائماً لبلاده لدى الأمم المتحدة في جنيف السويسرية لمدة سبع سنوات من 1995 إلى 2002. وكان سفير باكستان لدى المجلس الأوروبي وبلجيكا ولوكسمبورغ بين عامي 1988 و1992. وحاصل على رسالة ماجستير في العلوم السياسية ودرس القانون في جامعة كاراتشي، قبل الانضمام إلى السلك الدبلوماسي الباكستاني عام 1967.