ملامح المستقبل السياسي الليبي في ظل "تصارع" الحكومات

ملامح المستقبل السياسي الليبي في ظل "تصارع" الحكومات

12 مارس 2022
تظاهرة تدعو لتسريع إجرء الانتخابات (حازم أحمد تركية/ الأناضول)
+ الخط -

انتعشت آمال مراقبي المشهد الليبي بعد أن كشفت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، ستيفاني وليامز، عن محادثات قد تجري بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، لإنهاء الأزمة المتعلقة بالسلطة التنفيذية.

ومع أن وليامز لم تحدد زمان ومكان اللقاء، إلا أن مجرد التصريح كان كافياً لتهدئة الوضع نسبيا، خاصة مع انسحاب قوات موالية لباشاغا كانت في طريقها لطرابلس، وتأكيدات من السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، على نية رئيسي الحكومتين الاحتكام للمفاوضات لا للقوة.

وتتضارب التوقعات بشأن من سيتحكم بالعاصمة طرابلس، ففي حين يؤكد مسئول المكتب الإعلامي لباشاغا، أحمد الروياتي قدرة حكومة باشاغا على دخول طرابلس وممارسة مهامها من هناك؛ ينفي الكاتب والمحلل السياسي الليبي، فرج دردور، ذلك بشكل قاطع، معتبراً أن الدبيبة "لم يمثل نفسه فقط في رفض تسليم السلطة، بل الرأي العام في الغرب الليبي".

وقال دردور لـ"العربي الجديد"، إن "باشاغا سيفشل، وسيقف أمام خيارين: إمّا أن يُتهم بالفشل من قبل اللواء (المتقاعد) خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح وتُسحب منه الثقة ويُكلَّف غيره، أو أن يتقمص دور رئيس الحكومة الموازية، ولا نستبعد أن نراه يدَّعي ممارسة مهامه من مدينة البيضاء أو سرت".

واعتبر أن "الرغبة الحقيقية في السلطة ليس منبعها باشاغا، بل حفتر الذي يريد أحد أمرين: إما أن يسيطر على البلاد بشكل كامل، أو أن تكون له امتيازات خاصة من خلال حكومة تابعة وخاضعة له تماماً".

وفي معرض تعليقه على الوساطة الأميركية والأممية، يستبعد دردور قدرتهما على الوصول إلى حل بين الطرفين، ويتوقع ألا يزيد نجاحهما عن "الدفع لعدم الاقتتال"، وينبع ذلك من اعتقاده أن أميركا والمجتمع الدولي "قد لا يشغلهم كثيراً تعدد الحكومات، بقدر إصرارهم على الالتزام بالتهدئة في وقت ينشغل فيه العالم بأزمة أكبر في أوكرانيا".

وتبعاً لرأي دردور، قد يدفع ذلك لجعل الأمور تتأرجح بين الحكومتين إلى 21 يونيو/ حزيران القادم، وهو تاريخ انتهاء مدة انتداب السلطات التنفيذية الليبية بحسب اتفاق جنيف الذي أقره ملتقى الحوار السياسي الليبي بتيسير من البعثة الأممية.

حكومة الأمر الواقع

ويرى دردور أن الرأي المعارض لحكومة الدبيبة يرفض إسقاط حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي حتى مع حلول يونيو/ حزيران، ووفقاً لحديثه فإنه "لا ينبع هذا من مؤازرة أي فريق ضد الآخر، بل من الرغبة في أن تبقى الأمور على ما هي عليه لحين إجراء الانتخابات، وعندها على جميع الأجسام المغادرة، دون استثناء".

من جانبه يتبنى الروياتي فكرة أخرى بخصوص موعد 21 يونيو/ حزيران، ففي حديثه لـ"العربي الجديد" يرى أن هذا التاريخ يمثل انتهاء الحكومة بشكل مطلق، وبحلوله تصبح حكومة باشاغا أمراً واقعاً، من منطلق أنها ستكون أفضل الحلول، في ظل صعوبة وصول مجلسي النواب والدولة لاتفاق أفضل.

ويستبعد الروياتي تأخر الحل حتى ذلك الوقت، مرجحا تمكن حكومة باشاغا من السيطرة على مقاليد الحكم قبل ذلك. ورجح أن يتم ذلك بسبب طبيعة التعاطي الدولي مع الأزمة، وبدء تسرب السلطة من يد الدبيبة من خلال استقالة بعض وزراء حكومته، متوقعاً المزيد من الاستقالات في الوظائف العليا بالدولة.

ويأتي الصراع السياسي بين الحكومتين الذي بدأ في فبراير/ شباط الماضي نتيجة تعثر الوصول لانتخابات برلمانية ورئاسية كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وجاء التعثر على إثر رفض المجلس الأعلى للدولة قوانين انتخابية أصدرها مجلس النواب بدون توافق معه، الأمر الذي دفع لسجال صاحب فترة الطعون الانتخابية التي استهلكت الوقت، حتى أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن تعثر إجراء الاقتراع.

وتدفع التصريحات الدولية والأممية الخاصة بالشأن الليبي باتجاه ضرورة التوجه للانتخابات بأسرع وقت، باعتبارها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية في ليبيا، حيث توقعت وليامز، في تصريحات صحافية أمس، أن تُجرى انتخابات بحلول يونيو/ حزيران المقبل، على الرغم من إقرارها بصعوبة تحديد جدول زمني ثابت قبل توافق مجلسي النواب والدولة على الأساس الدستوري ومراجعة القوانين الانتخابية، هذا بالإضافة لمخاوفها من أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى جعل الصراع على موارد الدولة النفطية أكثر حِدة.

في المقابل، يقول الروياتي "من السذاجة الاعتقاد بقدرة الليبيين على التوجه للانتخابات في يونيو القادم، فالوعاء الزمني ضيق جداً".

شبح الانقسام

وأعلن باشاغا، في كلمة متلفزة أمس الجمعة، عن رفضه مطالبات المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية بإجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الرئاسية، ويرى الروياتي أن إصرار باشاغا على ذلك يعود "لحاجة ليبيا إلى وجود قيادة واحدة بصلاحيات واضحة، تُبْعِد شبح الانقسام".

في الجهة المقابلة، يعتقد درور أن إصرار باشاغا على الوصول للسلطة بمعية عقيلة صالح وخليفة حفتر هو ما سيدفع لعودة الانقسام، ليس سياسياً فقط، "بل جغرافياً أيضاً هذه المرة".

وبحسب تصريحات وليامز يبدو أن هناك أكثر من لقاء مرتقب لبحث الحل، الأول بين باشاغا والدبيبة من دون مكان أو زمان محددين، بالإضافة للقاءات أخرى ممكنة بسبب حدة الخلاف الذي لن يستوعبه لقاء واحد.

ويُفترض أن تجري لقاءات أخرى بين لجنتين دستوريتين تتشكلان بالمناصفة بين مجلسي النواب والدولة، لم يتم تسميتهما حتى الآن، مع الفرق بين المجلسين في ردود الفعل، حيث رحب مجلس الدولة بتشكيل اللجنة، وأبدى مجلس النواب تحفظه بشأنها.

ويأتي تشكيل اللجنة ضمن مبادرة تقدمت بها وليامز، وتتكون من 12 عضواً بالمناصفة بين المجلسين، لتعمل على إصدار قاعدة دستورية توافقية يتم إجراء الانتخابات على أساسها.

وعبر الروياتي عن استغرابه من وجود داع لتشكيل اللجنة، قائلا: "فاللجنة متفق على تشكيلها ضمن خريطة الطريق التي أقرها مجلس النواب، ولا ينقص إلا تسميتها من الطرفين للبدء في مسيرة ستفضي إلى انتخابات واستفتاء على الدستور خلال سنة وشهرين على أقصى تقدير".

ويختم بقوله "الواقع يقول أن لا مناص عن استلام باشاغا للسلطة، وحتى لو ذهبوا للمماطلة اليوم وسرقة الوقت وخلق الإشكاليات، فإن السلطة التنفيذية ستنتهي يوم 21 يونيو/ حزيران".

المساهمون